حاضرٌ أنا وإن غبتُ
غائبٌ هو وإن أحضر
-مقولة تصلح لأن تنسب إلى اسم ما-
فاجأتني الإعلامية فيفيان فتاح، مراسلة فضائية- روداو- في قامشلي، وهي أمام البيت الذي أقمت فيه حوالي ثلاثين عاماً، واشتراه لي أبي، وعمر بعض غرفه أولادي بعد أن كبروا، وكنا نعيش، من قبل، في غرفتين فقط. غرفة للضيوف. غرفة للبيت، وأضيفت غرفة أخرى بعد أن تجاوز بعض أبنائي- الثانوية- وصارلهم ضيوفهم، أي بعد أكثرمن عشرسنوات، بل قبل ذلك: حاجتهم للدراسة، بعد أن كان بعضهم يضطر للدراسة في المطبخ- على دفء وابور الغاز- أو على دفء- دفاية على شكل قمع- تنقطع خيوط التنغستين، فيربطونها، لتنقطع، وهكذا. أمام هذا البيت كانت واقفة، وراحت تتحدث عما أسماه جهابذة وفطاحل الإدارة الذاتية، في غياب أهل الدار الذين ناضلوا طويلاً من أجل إنسانهم، قبل أن يقدم معلموهم على خطوة استثمار- الانشغال بالثورة السورية- ليركبوها، كما غيرهم، لأجل تحقيق أهداف محض حزبوية، لا الهدف القومي العظيم والسامي، وإن ظهرت هناك بعض محاسن التفيء بعمارة الدم والدمار المشادة، لإيجاد موطىء قدم للكردي الذي اغتصب وطنه، وصلب، إلى أجزاء.
امتلكتني حالة هيجان عظيم، وأرى أن سبب اقتطاع أسرة روداو لحديثي والإبقاء على بضعة مفردات تكون غيرمفهومة في إطار الاستدلال المتلفز على الخبر، من دون الاكتراث بقيمة الحدث و الحديث والمتحدث، إذ إن حذفه كان أفضل من إيراده، وإن كان مجرد عرض صورة لواجهة بيتي بالنسبة إلي أمراً جد مهم، تشكر فيفان وروداو عليها.
جاء في تقديم الخبرأن ثلاثة بيوت في الحي الغربي في قامشلي- من بينها بيتي- تعود لمهاجرين، بالرغم من إضاءة الخبرعلى وضعي كصاحب موقف أجبرعلى الهجرة، قبل اندلاع الثورة السورية، المجهضة، التي سرقتها جهات كثيرة: الأخوان- الشوفينيون العنصريون- تركيا، كي تقدم سوريا لقمة سائغة لفم طرفين: إيران وروسيا، ناهيك عن اللاعب الأمريكي وتكتيكاته واستراتيجياته!
حقيقة، امتلأت عيناي بالدموع، وخشيت ألا أستطيع الإجابة عما طرح علي من سؤال، ليس خوفاً على بيتي، وإن كان بيت كل منا وطنه، ومن لايذود عن بيته سيكذب في أي دفاع عن أية قضية سامية، لأن هناك ثنائية قطباها: العرض والأرض، بالرغم من أنني، وأبي، وجدي، غيرالمبالين بالمال والأملاك، لم تكن استراتيجياتنا خلال مئة سنة مضت أبعد من تأمين لقمتنا، ونعمةعدم العوز، وكانت لنا أملاكنا التي لاتزال بأسماء الجدود، وحصرية ميراث الأب!، إلا أن هذا البيت ذاته اشتراه أبي لأطفالي، في قصة معروفة ضمن نطاق الأسرة، وكانت نتيجة حرصه على أطفالي، وبسبب مباشر من موقف جرى لأحدهم!
صحيح أنني لست مختصاً أكاديمياً في مجال الحقوق، لكنني- وكما يعلم جميعهم- من أوائل من عنوا بحقوق الإنسان- ميدانياً ونظرياً على نحو متواصل- من أهلنا الكرد، عبرعملي في أول منظمة حقوقية كردية تغيراسمها أكثرمن مرة، ولم تكن هناك أية منظمة حقوقية- حقيقية قبلها- إنها منظمة حقوق الإنسان في سوريا-ماف، منذ الستينيات ومحاولات الأوائل وحتى لحظة إطلاق-ماف- العاملة، لا الاسمية، فحسب، وهوماأكده لنا الصيدلاني” د. إسماعيل ميرو” الذي كان من عداد العاملين في أحد المشاريع الكردية الأولى، عندما كان، آنذاك، في دمشق، وقريباً من منزل الراحل أوصمان صبري، على ماأذكر من كلامه!
قلت للإعلامية فيفيان مامعناه: إن دخولي على خط فضحة- ترهة الإدارة الذاتية- ليس لأن لي بيتاً أو لا- ولربما لابيت لي أصلاً- وإنما أدافع عن حقوق الناس، وهوما أفعله منذ طفولتي وحتى الآن، وتوقعت أن ذلك الكلام سيرد في مقدمة التقريرالمعد حول ردود فعل الناس حول اللاقانون المذكورفي ثاني يوم بعد إطلاق رائحة نتنه الكريهة، وتأخر بثه إلى اليوم التالي- أمس-وأحسست بعد بثه بخيبة أمل، وإن كنت أشكرالزميلة وروداو التي عنت بأنشطة الاتحاد العام بتوجيه من مديرها العام، ومراسلهم، وبعض الزملاء المذيعين الذين أحترمهم!
ثمة ملاحظات كثيرة كنت قد أعددتها، في ذاكرتي، للتعليق على القانون- المجنون، قانون معاملة المهجر كما القاصر، إلا أن المجال لم يُتح لذلك، وهوما يدفعني كي أتابع ذلك في مقالات قادمة، بعيداً عن دقة الحقوقي- الأكاديمي- ولكن ضمن إطار حقي كمواطن، وضمن إمكاناتي، وخبراتي كعامل في هذا المجال منذ ست عشرة سنة، إذ إنه لم يتم اعتقال أحدهم من” ب ك ك” أو ب ي د” إلا وكتبت بيدي بيان وخبر اعتقاله عبرمنظمة ماف، وقد كان هذا قبل استيلاء هذه الجماعة على قرار كردنا، عبرورقة يانصيب، لاأكثر، مستفيدين من عوامل كثيرة، وهنا أعني تلك الطغم العابرة التي آذت كردنا، وهمشتهم، وكان الغائب. أكثرالمغيبين، نتيجة شرورهم، ولا أعني البتة من وقف معهم نتيجة صدق مع وطنيته، بل قوميته، وإنسانيته، وإن كان هذا التنظيم لا يشكل البتة واحداً بالمئة من شعبنا، الآن، وقبل الآن، وبعد الآن!