العراق بين موت النظام السياسي وإنهيار شرعية الطبقة السياسية
من الواضح أن مآل اليأس من النظام السياسي في العراق بسبب بقاءه ضمن دائرة الأزمات رغم التحول الذي شهده البلد من الناحية السياسية هو التمزق، خاصة إذا إستمر زعماء القوی السياسية، الذين لايستطیعون التخلي عن ثنائیة الفشل والفساد، علی نهجهم في إبقاء المنظومة السياسية في إطار قاعدة التخادم المصلحي والترويج عبر ماکیناتهم الإعلامية لنظرية المؤامرة الخارجية، التي تسعی “بحسب إدعائهم” للإنقلاب علی الطبقة السياسية والنظام السياسي المشکل أساساً لمصالحهم الشخصية، بعيداً عن مصلحة الجميع.
واقع اللادولة و ديمومة الفوضی العارمة في العراق يثبتان مدی صحة موضوع إنهيار شرعیة الطبقة السياسية الشيعية التي حکمت العراق بعد عام 2003.
في هذا الصدد يمكننا وبكل بساطة تصور الموت المفاجیء للنظام السياسي القائم، بدلاً عن القول بإنهاء الفجوة السياسية أو التفکير بحلول لمواجهة أزمة الشرعية عن طريق تحشيد مجموعة من الناخبين، يرتبطون بمصالح مع أصحاب القرار ضمن تلك الطبقة، وإجراء إنتخابات مبكرة والعمل علی إرجاع السيادة وإيجاد المرونة وتمتع المؤسسات السياسية بقدر من السلطة.
إن مُحصَّلة الإنسداد السياسي وجمود المؤسسات السياسية وإستمرار اللاإستقرار وعجز الطبقة السياسية في تقديم حلول وإن كانت رمزية أو بسيطة لتجاوز الأزمات هو بحسب المنطق نوع من الإنحلال السياسي.
إن إستمرار حرکة الإحتجاجات الشعبية والمساهـمة الفعالة للنخب المعارضة التي ترفع شعارات سلمية تحت مظلة “الحراك التشريني”، قد لاتنطفىء بعد عام من اندلاعها حتى التغيير الفعلي التام، والتأکيد علی ممارسة الحقوق الدستورية، بعد أن إنعدم عنصر الثقة بين المجتمع والنظام السياسي بسبب سلول الطبقة السياسية، کان من العوامل الرئیسیة والمساعدة في إعادة الإعتبار للشعب، الذي أستخدم في السابق کأرقام من قبل الطبقة السياسية في فترة الإنتخابات.
لکن إذا أراد هذا الحراك أن لا تُأکل من قبل النخب السياسية الفاسدة، فلابد له أن يبدأ بالعمل علی تنظيم نفسه بشکل سياسي للدخول في معترك التنافس و يضغط علی البرلمان للإسراع بإجراء التعديل المطلوب لقانون الإنتخابات قبل أن يقوم هذا الأخير بحل نفسه، ليضمن إجراء انتخابات ذات مصداقية وحرة ونزيهة وشاملة بشكل صحيح بعيدة عن تأثير المیلیشيات والسلاح المنفلت.
نحن علی يقين بأنه لایمکن أن يتم التغييرعلی يد الفاعل السياسي الشيعي الذي حکم العراق بعد سقوط نظام البعث وفشل في توثيق علاقته مع الجمهور، لکن بالرغم من ذلك قد يکون تغيير النظام مدخلاً لبناء ركائز تبنى عليها الثقة بين الشعب والنظام السياسي.
الفاعل السياسي الشيعي المیهمن علی الدولة والحکومة في العراق والمحتکر للقرار السياسي في بغداد أخفق خلال عقدين من الزمان في إيجاد حلول وخطط إصلاحية مناسبة للتفرقات والتشتتات التي نالت وما زالت تنال من مشروع الدولة الإتحادية والديمقراطية في العراق. بالمقابل کان هذا الفاعل السياسي ناجحاً بعقلیته التقليدية المتصلبة في أبقاء العراق علی حال ليعيش في دوامة من الفشل والشلل السياسي بعيداً عن مشروع دولة حقيقي أو تبني رؤية عقلانية للإصلاح السياسي والاقتصادي.
إن إطلاق وعود خاوية وتهميش حقوق المواطنين وسلب إرادتهم وهدر المال العام ونهب ثروات البلد کانت من جملة المشاريع التي تبنتها تلك الطبقة السياسية، التي لاتمتلك أحزابها الی اليوم برامج سياسية مکتوبة، لکنها تستخدم أسلوب القمع والإقصاء بحق المنتقدين والمعارضين، للإستمرار في ثقافتها الأوليغارشية لغرض إدارة السياسة والقرار العسکري والأمني بإزدواجية وبشکل فوضوي.
لقد فقد النظام السياسي في العراق خيوط الإدارة والطبقة السياسية الفاقدة للشرعیة والتي لا تولي أية أهميةً لقيم الديمقراطية و حقوق الإنسان وحُكم القانون، تسعى جاهداً، بعد إعلان السيد مصطفی الكاظمي تحديد يوم 6 يونيو/حزيران من عام 2021 موعداً للإجراء الإنتخابات البرلمانية، لإستخدام آخر ما لديها من كروتها الرخيصة وهي تصارع الموت.
الدکتور سامان سوراني