إن السؤال السابق ورد في إطار تعليق لأحد الأصدقاء على مقالتي يوم أمس والتي جاءت تحت عنوان تركيا ليست على رأسها ريشة” حيث كتب أحد الأصدقاء معلقاً بما يلي؛ “كلام منطقي لحد ما ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يوجد عند الكورد وهو غير موجود عند اردوغان حتى يكون سببا في تغيير المصالح والاصدقاء..”. إنه سؤال محق ودقيق وسأحاول تلخيص إجابتي فيما يلي: بقناعتي يوجد عدد من العوامل والأسباب التي يجعل الغرب والأمريكان يفكرون بايجاد بديل عن تركيا -أو على الأقل؛ إيجاد منافس لها- من مكونات المنطقة والكرد هم أكثر ترشيحاً لهذا الدور وذلك للأسباب التالية وفق رؤيتي وقراءتي للموضوع.
أولاً- الكرد ليسوا متشددين دينياً بخلاف مختلف مكونات المنطقة من عرب وفرس وأتراك وهنا ربما يقول أحدهم؛ “طيب هناك الآشوريين وهم مسيحيين”، نعم لكن الأخوة الآشوريين وعموم المسيحيين في الشرق لا يشكلون قوة ديموغرافية فاعلة بالمنطقة وكذلك ليس لهم جغرافيا سياسية كلبرة متماسكة، بل عبارة عن جزر وأرخبيليات في محيط إسلامي وبالتالي لا يمكن أن يكونوا بدلاء عن الكرد.
ثانياً- دور المرأة الكردية وبالأخص قواتنا المقاتلة من تشكيلات “وحدات حماية المرأة” والتي قاتلت ببطولة “داعش” والتنظيمات التكفيرية، جعل الأوربيين والأمريكان يجدون في الكرد قوة اجتماعية يمكن أن تساهم في قضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وبالتالي تحرير المجتمعات الشرقية من ذاك الموروث الاجتماعي الديني المعطل للتقدم والحضارة الغربية.
ثالثا- الأوربيين والأمريكيين -الغرب عموماً- يفكر بعقلية التاجر والتاجر لا يريد أن يكون له وكيل واحد في السوق كي لا يبتزه في الأسعار والقيمة والمزايا الامتيازية، بل هو يبحث عن أكثر من وكيل لكي ينافس كل منهم على تقديم السعر الأدنى له .. وهنا الأمريكان والأوربيين يدركون؛ بأن الكرد يمكن أن يقبلوا بمزايا وإمتيازات وحقوق أقل وهم يقدمون خدماتهم وذلك بعكس تركيا حيث هذه الأخيرة تنظر لنفسها منافساً موازياً إن لم يكن للأمريكان والروس فعلى الأقل للألمان والفرنسيين، بينما الكرد ما زالوا مستضعفين وسيقبلون بأي إمتياز لكي يكونوا أحد الوكلاء أو الحلفاء لهم وذلك بعكس تركيا!
رابعاً وأخيراً؛ المشروع التركي الإسلامي الأردوغاني في السيطرة والنفوذ على المنطقة من خلال التنظيم العالمي للإخوان والذي به يحاول أن ينافس القوى العالمية -بمن فيهم الروس والأمريكان- لتكون هي صاحبة مشروع سياسي خاص بها يسيطر من خلالها على منابع الغاز والنفط وطرق الإمداد وذلك بدل أن تكون الشرطي المكلف بهكذا دور، كما كان في السابق، جعلت منها؛ أي من تركيا لأن تشكل خطراً على مشاريع تلك القوى السيادية العالمية وبالتالي يجب ردعها وإلا سيقدمون لتركيا الكثير من الامتازات والتي ربما تضر بكل مشاريعهم الحيوية في المنطقة والعالم.
وكخاتمة وتوضيح لقضية ولاء جماعة الإخوان المسلمين والذي ما زال باعتقاد الكثيرين إنها ما زالت تحت هيمنة النفوذ البريطاني وبالتالي فهم يدعمون كتركيا التي هي الأخرى إخوانية، نود أن نوضح لهم وجهة نظرنا وذلك من خلال التوضيح التالي: إن كانت إنكلترا قد ساهمت يوماً في بناء جسم إسلامي إخواني لضرب تركيا العثمانية أو وقف المد الشيوعي السوفيتي أو حتى لمحاربة ناصر والقوميين العرب، إلا أن البريطانيين فقدوا ذاك الامتياز بقناعتي وذلك بعد أن ثبتت الدول الإقليمية مكانتها في الخرائط السياسية العالمية حيث باتت تلك الجماعات الراديكالية تخضع لنفوذ هذه الدول -وبالأخص تركيا وقطر في المرحلة الحالية- وليس أدل على مقولتنا هذه من الواقع الحالي بخصوص علاقة التنظيم العالمي للإخوان مع كل من الدولتان المذكورتان في حين أن علاقة بريطانيا قد ساءت معهم تماماً حيث سعى رئيس وزرائها السابق ديفيد كاميرون إلى “حظر أنشطة الحركة في بريطانيا وتشكيل لجنة رسمية لدراسة أنشطة الحركة، والذي خرج بنتائج توصف الجماعة بالعنف، وإن لم يوصِ بالحظر الكامل للجماعة” وذلك كما جاءت في دراسة على موقع المرجع تحت عنوان؛ “علاقة بريطانيا بالإخوان.. تاريخ من المصالح المشبوهة والدعم المريب”.
وهكذا يمكننا التأكيد؛ بأن الجماعة لم يعودوا في دائرة نفوذ البريطانيين والغرب عموماً، بل إن تركيا وبالمال القطري تستخدمهم كأدوات لمشاريعها المنافسة للآخرين وهذا سبب آخر -وربما أهم سبب- ليفكر الأوربيين والغرب عموماً ومعهم الروس والأمريكان لأن يجدوا بديلاً أو منافساً لتركيا وإلا فإن الأخيرة ستبتلعهم بعد أن تكون قد أبتلعت الكثيرين في طريقها إلى التعملق وهو الغير مسموح به دولياً وبالأخص لدول إسلامية راديكالية إن كان بمذهب سني تركيا أو شيعي إيران ولذلك لا بد من البحث عن شركاء وحلفاء جدد وبقناعتي الكرد هم أكثر المرشحين لهكذا دور وبدعم عربي سعودي – خليجي إماراتي، مصري حيث التحالف الكردي العربي ذاك سيكون كفيلاً بردع أطماع كل من إيران وتركيا التوسعية في الشرق الأوسط الجديد وهو ما يتلاقى مع المصالح الأمريكية والروسية والأوربية أيضاً!