وقع الكرد الفيلية ضحية الانقسام القومي والمذهبي الذي دفع بهم إلى الاضطهاد والتهجير والتخوين ومصادرة حقوقهم المشروعة، ومنها حرمانهم من الجنسية العراقية، وتهميشهم من قبل الأنظمة السياسية المتعاقبة، بما في ذلك منع تعيينهم في دوائر الدولة منذ 1963 وحتى بعد الغزو الأميركي عام 2003.
ولعل من النماذج الصارخة لما لحق بالكرد الفيلية من أذى وضرر، حرمانهم من الزواج والتفريق عن أزواجهم قسرا، ويمكن ملاحظة ذلك تحديدا خلال الحرب العراقية الإيرانية، واضطرار بعض العراقيين قسرا إلى تطليق الزوجة الفيلية أو الزوج الفيلي، فضلاً عن منعهم من إكمال الدراسات العليا.
والكرد الفيلية مسلمون شيعة، ويتحدثون بلهجة كردية تختلف عن مثيلاتها في كردستان العراق، ويسكنون في شرقي العراق وتحديدا في أقضية محافظتي ديالى وواسط وفي العاصمة بغداد، إضافةً إلى محافظتي السليمانية وحلبجة بكردستان العراق، في حين يسكن قسم آخر منهم في المناطق الغربية من إيران.
صراع المذهب والقومية
كان الكرد الفيلية يؤملون النفس بنيل حقوقهم بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، إلا أن واقعهم ازداد بؤسا وإحباطا نتيجة انقسامهم إلى فئتين على أساس طائفي وقومي، الأولى تدين بالولاء للحكومة العراقية، والثانية لحكومة كردستان العراق.
ويعزو هذا الانقسام إلى الجغرافيا التي ترسم الحدود وتؤثر في الأمر، وعلى إثر ذلك ساهمت الثوابت الجغرافية بصورةٍ أو بأخرى في أن يكون هناك ميل عقائدي أو قومي، مما زاد في تعقد واقعهم ومستقبلهم دون أي تمثيل سياسي رسمي مثل الأقليات الأخرى سواء في الحكومة العراقية أو الإقليم.
وساهم التأجيج الطائفي الذي ظهر في العراق بعد عام 2003 في غلبة الانتماء الحزبي والعقائدي، سواء لدى الكتل السياسية أو أذرعها المسلحة، مما جعل الكرد الفيلية الضحية في أي أزمة تقع بين الحكومة العراقية والإقليم، كما يقول أستاذ الفكر السياسي في جامعة المستنصرية عصام الفيلي للجزيرة نت.
ويرى الأكاديمي الفيلي أن الكثير من معارضي الأنظمة السياسية المتعاقبة في العراق منذ عام 1963 نسوا مبادئهم وانشغلوا بالأمور الجانبية وهمّشوا من كانوا لهم السند والعون أيام المحنة، في إشارة منه إلى التضحيات التي قدمها الكرد الفيلية ودعمهم للحركة الكردية عام 1964، ودعمهم للمرجعية الشيعية أيضا، بحسب الوثائق التاريخية.
ويعتبر عدم وجود كتلة فيلية تتبنى استحقاقاتهم في حوارات الكتل السياسية -بحسب الفيلي- أحد أبرز الأسباب في عدم تبني القضية الكردية الفيلية في إطار مؤسساتي سواء من الأحزاب الإسلامية في الحكومة العراقية أو الكردية في كردستان العراق وأصبحت هذه القضية هامشية بامتياز.
تمثيل منقسم
وامتنع إقليم كردستان العراق عن منح الكرد الفيلية حقوقهم وفقا لنظام الكوتا “الحصص” في برلمانه أسوة بالأقليات الأخرى مثل المسيحيين والتركمان تحت ذريعة أنهم كرد، في حين يرى الفيلي أن تمزيق شملهم وتقسيمهم هو من أهم أسباب عدم منحهم استحقاقهم لمنع بروزهم كقوة مؤثرة في العراق تنعكس سلبا على الأكراد الفيلية في إيران، وتحفز المكونات الأخرى للمطالبة بحقوقها.
ويمكن ملاحظة تشتيت الكرد الفيلية في توزيع ناخبيهم على عدة قوائهم في الانتخابات التي جرت في العراق بعد عام 2003 وعدم اتفاقهم على شخصية واحدة، ومن ثم سعى الكل لكسبهم سواء أكان على أساس المذهب أم القومية خدمةً لمصالح تلك القوائم.
ولعبت المخاوف والتوترات وعدم الثقة المتبادلة بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق دورا أساسيا في الشعور باليأس والخذلان لدى الكرد الفيليين من طرفي المعادلة وعدم نيلهم استحقاقهم.
وتتقرب بغداد وأربيل من المكون الفيلي أثناء موسم الانتخابات للحصول على أصواتهم، وبمجرد انتهائها توصد الأبواب بوجههم وتحرمهم من استحقاقاتهم في مؤسسات الدولة سواء من الأحزاب الشيعية أو الكردية، كما يقول المحلل السياسي دياري صالح الفيلي للجزيرة نت.
وهناك نقطة أساسية تتعلق بالطبيعة القومية والمذهبية للفيليين بعد 2003 -حسب صالح الفيلي- وهي محاولة القسم الأكبر منهم التمسك ببنية الهوية الوطنية العراقية، وهذا ما جعلهم بعيدين عن التطرف القومي أو المذهبي.
وبحسب صالح الفيلي، سجّل هذا التوجه نقطة سلبية على الفيليين لدى الأحزاب الشيعية والكردية لكونه عاملا غير مغرٍ، متهما هذه الأحزاب بممارسة التخندق القومي أو المذهبي على غرار سياسات الاضطهاد التي كانت تمارسها الأنظمة السابقة ضد الأقليات والمكونات الصغيرة، ومنها الفيلية.
غياب الدعم الخارجي
واشترط صالح الفيلي لضمان مستقبل الكرد الفيلية التمسكَ بالهوية الوطنية، محذرا من ضياع هذا المستقبل في حال الابتعاد عن ذلك والتورط في أي صراعات بين بغداد وأربيل، منوها بهذا الصدد إلى عمليات التهديد التي طالت الأكراد ومن بينهم الأكراد الفيلية الساكنون خارج الإقليم من أطراف عراقية واعتبارهم غير مرحب بهم أثناء إجراء سلطات كردستان العراق استفتاء الانفصال عام 2017.
ويُمكن اعتبار غياب الامتداد والدعم الخارجين للأكراد الفيلية إضافةً إلى عدم امتلاكهم مليشيات أو جناحا مسلحا أو كيانا سياسيا قويا، أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تهميشهم من جانب حكومتي بغداد وأربيل، على عكس بعض المكونات مثل التركمان الذين يحظى جزء واسع منهم بدعم من تركيا، مما ساعدهم في نيل بعض الحقوق على الصعيد الوطني أو القومي، كما تقول الصحفية والناشطة الفيلية فيروز حاتم للجزيرة نت.
وتصف فيروز حاتم واقع الكرد الفيلية بأنهم باتوا مثل الكرة التي ترمى بملعب الشيعة من قبل الأكراد تارة، أو ترمى بملعب الأكراد من قبل الشيعة تارة أخرى، وقالت إن أغلب قادة الإقليم يشككون حتى الآن بكرديّة الفيلية وينظرون إلى خلفيتهم المذهبية الشيعية لا القومية.
وانتقدت الصحفية الفيلية تهميش أبناء جلدتها من قِبَل بغداد وأربيل والاستمرار بالإقصاء المتعمد في توزيع المناصب والدرجات الخاصة في الحكومتين، وإخضاعها للمحاصصة الحزبية والسياسية.