ساسة العراق يوظفون الشعارات الدينية لتغطية فسادهم.. متى يرفض الشعب هذه الطبخة؟
صلاح حسن بابان
وظّفت الطبقة السياسية في العراق بعد 2003 الدين وأسماء المراجع والشعارات الدينية والعشائرية والمناطقية، للترويج لنفسها ولتوجهاتها السياسية في جميع الحملات الانتخابية والمناسبات المختلفة للتغطية على فسادها وإهدارها لثروة البلاد والميزانيات الضخمة دون تقديم أي خدمات تلبي طموحات المواطن العراقي.
ويتميز المجتمع العراقي رغم تعدد المذاهب والأديان والمكونات فيه بالتدين بصورة عامة، وازدادت هذه الظاهرة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، ووصل فيه الأمر إلى حد التعصب المذهبي والطائفي ولا سيما خلال عامي 2006 و2008 مع وقوع الآلاف من الضحايا نتيجة ذلك.
ويتكون المجتمع العراقي دينيا من المسلمين والمسيحيين والصابئة والإيزيديين، ويتكون المسلمون من سنة وشيعة، لكل منهم أحزاب وتيارات سياسية إضافة إلى نواب وممثلين في البرلمان والحكومة والمؤسسات الأخرى.
وكانت المرجعية الدينية العليا في النجف (جنوب بغداد) أعلنت دعمها الكامل للعملية السياسية منذ عام 2003 ضمن الإطار العام دون تأييد طرف على حساب آخر، مؤكدة ضرورة المشاركة في الانتخابات وفي كل الفعاليات السياسية من كتابة الدستور الدائم للبلاد إلى الاستفتاء عليه عام 2005، معتبرة ذلك مسؤولية أخلاقية ووطنية وفرصة ثمينة لإحداث تغيير في الأجواء السياسية حسب قناعة الشعب.
التعبئة الخاطئة
ولعب تمسّك الطبقة السياسية في العراق بالمناطقية والمذهبية والقومية والعشائرية أحد العوامل البارزة للتستر على فسادها وخلط الأوراق، لكسب تعاطف الجمهور الذي يبدو ميالا إلى هذه التوجهات في أغلب الأحيان باستثناء نسبة قليلة منهم.
ويتخذ جزء واسع من الساسة من عباءة المذهب والدين والقومية والعشائرية درعا لفسادهم وطغيانهم وتمردهم على الأمانة. حسب رأي رئيس مركز الفكر للحوار والإصلاح الشيخ مجيد العقابي الذي قال للجزيرة نت، يتمسك الناس بطبيعة الحال بالأشخاص الذين يُظهرون صورة الولاء للمذهب والمناطقية التي تختلف من حيث القومية والدين واللغة.
ويضيف العقابي أن المواطنين علقوا آمالهم على هذه الصورة، وقد برع السياسيون في كيفية الهيمنة على تغطية فسادهم بتعليق الأمل على هذه الشماعة الشخصية والمشاكل السياسية، وساهم ذلك في زيادة رعب الفرد العراقي من أخيه الذي يعيش معه نتيجة الضغط والترويج والتعبئة الإعلامية الخاطئة باتجاه الطائفية والمناطقية.
ويتابع أن المرجعية الدينية في النجف أغلقت أبوابها بوجه الطبقة السياسية برمتها منذ فترة طويلة إلا أن هذه الطبقة ما زالت مصرة على أنها تتبع خطى المرجعية وهذا كذب وافتراء واضح، ولم تدعم المرجعية سوى الأمن والسلم الاجتماعي والتوازن بين جميع الفئات والمكونات عبر رعاية أبوية.
واستخدمت الرموز الدينية -حسب العقابي- استخداما خاطئا من قبل السياسيين في العراق وروّجوا لها على أنها “طوباويات” حاضرة وممثلة نيابة عن الرب والحوزة والدين، دون أي التزام منهم بالانتماءات المذهبية والمناطقية مع انسلاخهم عن القيم، مؤكدا حاجة المجتمع العراقي لتعبئة جديدة ضد الإعلام الذي يصور هذه الطبقة على أنها حماة الدين والمذهب.
ازدياد الوعي
ويتميز العراق عن غيره بأن للمرجعية الدينية -سواء كانت شيعية أو سنية- حضورا واسعا وقويا وفعالا في الشارع، وهذا ما يدفع السياسيين إلى رفع صور الشخصيات والمراجع الدينية أو الادعاء بانتمائها لهم، ليحققوا بذلك دعما شعبيا لبرامجهم ومصالحهم السياسية، على حد قول الأكاديمي والباحث الاجتماعي الدكتور أحمد المهودر.
وما زال العراقيون يؤمنون بالشعارات التي ترفعها الأحزاب السياسية رغم تراجع هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة بعد ازدياد الوعي الشعبي، وأصبح الشعب يميز بين مصداقية الأحزاب من عدمها وهي ترفع شعارات دينية، ويمكن التماس هذا الأمر كما يؤكد ذلك المهودر للجزيرة نت في مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما خرج الشعب بكل طوائفه ضد الفساد والفاسدين بمظاهرات احتجاجية غاضبة ودعواته لمحاسبتهم وتقديمهم للقضاء.
ويرى الأكاديمي العراقي أن ما يصعّب محاسبة الفاسدين هو وجود أحزاب توفر ادعاءاتها الإسلامية نوعا من الغطاء وحجر عثرة أمام محاسبتهم بسبب نظام المحاصصة الموجود في البلاد منذ 2003، إضافة لامتلاك كل حزب سياسي ملفات فساد ضد الحزب الآخر، وعلى هذا الأساس يتم السكوت أو التغاضي عن الفساد المستشري في جميع القطاعات.
ماذا يحكم الشعب؟
وتحكم المجتمع العراقي منظومتان أساسيتان بعد المنظومة القانونية، وهما العشائرية والدينية وهذا ما يجعل مطبخه السياسي مختلفا تماما عن المطابخ الأخرى. كما يقول ذلك أستاذ الشريعة في جامعة الأنبار الشيخ الدكتور مازن مزهر الحديثي الذي أشار للجزيرة نت إلى أن الفرد العراقي يميل إلى التدين بغض النظر عن الدين والقومية والمذهبية.
واستغل السياسيون في البلاد هذه الورقة لكسب ود وتعاطف المواطنين، واستطاع جزء واسع منهم تسييس بعض رجال الدين وزجهم في العملية السياسية وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من الفساد المستشري.
وينخدع الفرد العراقي -حسب الحديثي- باستمرار، واصفا ذلك بـ”المشكلة الكبرى”، عازيا السبب إلى تغلّب العاطفة على العقل، ومستندا في صحّة رأيه على قناعة ونظرة الشعب العراقي إلى حديث الطبقة السياسية المحتمية تحت غطاء الدين بأنه دستور رباني لا يجوز الخروج عنه ولا سيما في السنوات الأولى بعد الغزو الأميركي.
الشعب يرفض
وتراجعت هذه القناعة خلال السنوات القليلة الأخيرة عند الشعب بعد الدمار والخراب وضياع الميزانيات الضخمة بسبب فساد السياسيين، في حين توقع الشيخ الحديثي فشل الطبقة السياسية في الانتخابات المقبلة في استخدام أسماء المراجع ورجال الدين والشعارات الدينية للتغطية على فسادهم بعد رفع شعارات ضد هذا التوجه في المظاهرات الاحتجاجية، ومنها “باسم الدين باكونا (سرقونا) الحرامية”.