الحجر وتداعياته النفسية والاجتماعية
تفتق عبقرية هذا الزمن المكمم عن ترسانة مفاهيمية خاصة وجديدة الفيروس ، الحجر الصحي ،الكمامات ، غلق الحدود ، غلق أبواب المدن … قوانين الطواريء،…الاعتقال لخارقي القوانين ، إعلام خاص بالوضع الصحي ،إحصائيات الإصابات والموت والنجاة عبر مختلف بلدان العالم ، فديوهات شهادات المرضى ،إفادات بعض كوادر الطواقم الصحية ، عالقون داخل البلد وآخرون خارج الحدود ، موتى بدون جنائز وولادات بدون فرح مشترك ،مرضى بدون علاج لأن المستشفيات محجوزة للمصابين بالوباء ,,,عجزة يعيشون عزلتهم بعيدا عن ذويهم ،عزاب ضائعون هنا أو هناك ،عالقون لأسباب مختلفة ومن درجات مختلفة ,,,,
,مآسي بالجملة نعرف البعض منها عبر الإعلام المسموح له بالتغطية ونجهل الكثير لأن العزلة هي سيدة الموقف ,
ابق في دارك ، كن حذرا ,,,,,شعار ينط عبر مختلف الشاشات وصفحات الفيسبوك بالنسبة للبعض ممن تجندوا او جندوا لدور التحسيس والحث على الالتزام بالحجر .
يبدو أننا استأنسنا الآن مع هذه الترسانة المفاهيمية المثخنة بالرعب والترويع ,,,,استدمجناها جميعنا من فرط التكرار وترسبها في لا شعورنا الجمعي والفردي ,ولم نعد نسائل أنفسنا عن مضامينها وتداعياتها القريبة المدى أو حتى المتوسطة المدى على حياتنا كبشر وكمجتمعات وكأفراد
ليس فقط اقتصاديا كما هو متداول وبكثرة عبر الإعلام ولكن أيضا على
المستوى الوجودي والنفسي والاجتماعي,,,,,,
من تداعيات الحجر ارتفاع نسبة البطالة واتساع رقعة الكساد التجاري
وما ينتج عن ذلك من مشاكل بل مآسي ،لكن هناك حتما تداعيات من نوع آخر .
ماهي تداعيات أغلاق الحدود بين البلدان على العلاقات البينية بين الشعوب ؟؟ أي مستقبل للعلاقات بين الشعوب على المدى المتوسط ؟
الأمر ليس مجرد أرقام تحدد حجم الخسارات الاقتصادية والتجارية بين البلدان ، من خلال تبادل البضائع وتبادل الزيارات السياحية بزخمها لما قبل الفيروس ولكن ماذا عن باقي التفاعلات كالعلاقات البينية بالنسبة للبلدان ؟
ماذا عن العلاقات بين المدن نفسها داخل البلد الواحد ؟؟؟
ألم نر البعض منا على الفايسبوك يحذر من قدوم وافدين تسللوا من مدن أخرى وسوف يأتون معهم بالعدوى و تطوع البعض الآخر للوشاية بهم لدى السلطات دون أن يعرفوا شيئا عن أوضاعهم الخاصة غير مبالين بمآسيهم المفترضة ؟
الآخر هو الجحيم والجحيم هو الآخر ،السبابة لا تنظر إلا أمامها وبشحنة اتهامية مسبقة ,
تقلصت مساحات الثقة بأنواعها وغدا الشك سيد الموقف ,
نفس الجيران داخل نفس العمارة تشبعوا بالحذر من جيرانهم إلى درجات
قصوى ،إذ بات الالتقاء على الدرج أو في الممرات المشتركة عامل ريبة بل إن النقر على مفتاح الكهرباء أو لمس الحائط او مقبض الباب المشترك أضحى فعلا غير تلقائي ويتطلب احتياطات جد دقيقة ,,,,وتفتقت عبقرية البعض في هذا الاتجاه لوضع أدوات في المصعد يتم النقر بها على مفتاح الكهرباء أو أرقام الطوابق ,,
تترك الأحذية بالباب الخارجي ،”الكولوار” ويتم تعقيمها هي ايضا وكأن أرضيات الشوارع والأزقة مليئة بالفيروس ؟
وهناك من يتخلص من ملابسه التي خرج بها فيرميها مباشرة في آلة الغسيل و يرمي بجسده تحت الماء في الحمام قبل أن يدخل لباقي مرافق البيت .
توصيات كثيرة تتعلق بكيفية التعامل مع البضائع بعد التسوق ومنها تركها 4 ساعات في مكان مفتوح وتعقيمها جيدا قبل وضعها بالثلاجة ,,,,الخ
فرضيات تفسيرية كثيرة تغذي الإعلام الكاذب الذي يتقاطر علينا كالمطر عبر مختلف القنوات الالكترونية والعجيب أن الكل يفتي بمناسبة وغير مناسبة ويدلي بنصيبه من النصح فيما يعلم وما لا يعلم ,
ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد فإن منتوجات التنظيف ازداد ثمنها وازداد استهلاكها بكثرة ، وأصبحت ربات البيوت أكثر حرصا بل إفراطا في استعمال هذه المنتجات التنظيفية ظاهريا والمضرة بالهواء وبالتنفس بل بالجلد بشكل غير مرئي وغير مباشر .
ولنعد الآن إلى سؤالنا الأول عن آثار هذا الزخم التحذيري على العلاقات الاجتماعية ؟
وكما قيل قديما : الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده ،إذ باتت أغلب الاحتياطات المبالغ فيها مضرة ليست فقط بالصحة النفسية بل أيضا بالصحة الاجتماعية .
الصحة لاتعني فقط الجسد الخارجي للإنسان ،ومن يبقى عند هذا المستوى ففهمه قاصر بكل تأكيد .
أولئك الذين يتخذون قرار تمديد ما يسمى بحجر صحي هل يأخذون بالاعتبار مختلف العناصر ؟
الصحة ليست فقط وقاية من إصابة محتملة لفيروس يبدو أن منظمة الصحة العالمية نفسها تراجعت عن كونه لا زال وباء عالميا إذ أقرت بأن خطورته تراجعت جدا وأصبح متحكما فيه بعدة بروطوكولات علاجية . .
من المسلم به بأن للإنسان أبعاد متعددة غير البعد الفزيولوجي ,
هناك البعد النفسي للصحة وهو جد هام لصحته الفزيولوجية بكل تأكيد ,
الإنسان لم يخلق ليعيش بين اربعة جدران ،خلق الإنسان حرا طليقا
وهو يحتاج حيزا مجاليا يستوعب حركيته وانطلاقه الجسدي وهذا ما لا يتوفر للأغلبية الساحقة من سكان المدن على الأقل لئلا اتكلم عن القرى والبوادي والصحراء ,,,,,,فهؤلاء محظوظون في هذه النازلة ,
يحتاج. كل إنسان أن يمارس أنشطته التي تعود عليها ،حياة اجتماعية. وتفاعلات. حقيقية تغذي روحه. وتمده. بالطاقة
الحجر يعني رؤية نفس الوجوه. بشكل متكرر. وبدون فواصل زمنية تجعل هذا الاحتكاك مسببا لكثير من الخدوش والجروح العلائقية المتفاوتة الخطورة ,
فهناك حتما ضغط نفسي حقيقي، لان كل واحد عليه تحمل توترات وانفعالات الآخر ضمن مساحة مغلقة
الخروج للطبيعة وتنفس الهوا ذلك أن رؤية الخضرة او زرقة البحر وامتداده. و اي امتداد مهما كان يمتص الانفعالات ويغذيها بالطاقة
ومن هنا قد يكون ثمن الحجر المسمى صحيا : ارتفاع مستوى الخصومات بين افراد العائلة او الجيران
ويغدو الامر اكثر حدة وصعوبة عندما يغيب المال. بغياب النشاط التجاري لأوسع الفئات التي كانت تقتات من عمل يومي ضمن الاقتصاد غير المهيكل
وهؤلاء يشكلون الأغلبية العظمى من سكان الأحياء الشعبية بالمدن
حيث الاكتظاظ السكاني وضيق المساكن او المجال المتاح لكل فرد. مما لا يضمن احتياجاته الحيوية اللازمة لتحقيق الحد الأدنى من التوازن ,
وماذا عن الأطفال والعجائز والفئات التي لا تتوفر على أية رخصة للخروج نهائيا
ماذنب هؤلاء كي يعتقلوا لمدة ثلاث اشهر بدون أية فسحة ؟؟؟ أية رعاية صحية هذه ؟؟؟
اغلبهم. سيجد جسده مكبلا وركبتيه عاجزة عن حمل جسده لأنه لم يستعملهما للمشي ودورته الدموية لا تتحرك بانسيابية وبالتالي فالأوكسجين لا يصل لكل أعضائه لئلا أتكلم عن احتياجاته في التواصل الاجتماعي التي هي أيضا جد ضرورية للتوازن النفسي ,
إن الحجر الذي لا يراعي مختلف الحاجيات يكون بالضرورة مضرا حتى وإن سلمنا بأن الحالة الوبائية تفرض هكذا إجراءات وقائية
إن القرارات التي لا يشارك فيها مختلف الخبراء من علماء اقتصاد ونفس واجتماع
وتربية وتواصل
تظل قرارات عرجاء وقد تؤدي عكس أهدافها أحيانا أو في أغلب الأحيان حتى ,
من الواضح جدا أن الهاجس الزجري يهيمن على هذه الخطة منذ البداية وذلك ما يفسر حجم التوقيف والاعتقال للمخالفين الذي يبدو كبيرا جدا وقاسيا أحيانا فالاعتقال من أجل كمامة غائبة من السوق في البدايات هو تعسف وإفراط في استعمال النفوذ ضد ضعفاء لا حول لهم ولا قوة ,
ان من يتخذ هذه القرارات الحجرية يقيس على حياته المترفة وينسى عباد الله. المعذبين في هذه الأرض وهم الغالبية من سكان المغرب ,
،هؤلاء الأطر والخبراء المقررون أو الذين يعطون توصياتهم ، يملكون مايكفي من المال والمجال والسلطة فهم يواصلون عيشهم بأقل الأضرار وأقل القيود ,اغلبهم لا يخضع لأية قيود اللهم الخارجية ويتعاملون مع الشعب وكأنه كتلة واحدة
علما أن الحجر في ضيعة أو فيلا أو قصر ليس هو الحجر في شقة ضيقة أو براكة أو بيت عتيق مظلم لا تدخله حتى أشعة الشمس ,
الحجر بثلاجة مليئة وخزان من المواد الغذائية ليس هو الحجر بثلاجة فارغة وبيت بارد من الأكل و التموين وحتى الود والحنان ,
الحجر داخل بيتك والنوم فوق سريرك ليس هو الحجر وأنت غريب عالق في بلد آخر أو حتى في مدينة أخرى فاجأك فيها قرار الحجر الاستعجالي وتوقيف وسائل النقل ,,,,,
الحجر وأنت سليم معافى ليس هو الحجر وأنت مريض أو من أصحاب الاحتياجات الخاصة ،مقصي ومعزول ولا حول لك ولا قوة ,
,وهلم جرا
الكثير من البلدان التي عرفت انتشارا للفيروس أكثر من المغرب أزالت الكثير من القيود وعاد سكانها لأغلب أنشطتهم ومنها من كانت إجراءاته جد مرنة إذ لا منع للتجول أو الرياضة الخارجية ولا اعتقال هناك ،فقط التوجيه الإعلامي وحتى الأمني بطرق جد راقية تضمن الحد اللازم والادنى لسلاسة الحياة
وهاهي ذي منظمة الصحة نفسها تتراجع عن قراراتها السابقة وتقر بأن الحجر ليس ضروريا لمن ليس له تمظهرات الفيروس ، هو ضروري فقط لمن يحمل أعراض المرض حسب آخر الأبحاث ,
شكرا لكل الطواقم التي ضمنت علاج المرضى و أمن السكان ووقايتهم وتغذيتهم واستمرار مرافق الحياة الضرورية
نعبر لكم عن امتناننا لتضحياتكم وشكرنا لأداء واجبكم المهني والوطني ,
شكرا لهذا الشعب الطيب الذي التزم بحيثيات الحجر بكل صبر وانضباط ومنهم من ضمد جراحه في صمت وانضبط إلى أن تمر عاصفة الوباء وما أكثر هذه الجراح بكل تأكيد ,
لكن حان الوقت للتعامل مع الحجر بطريقة أكثر مرونة وذكاء حتى في المنطقة 2
ذات البؤر الصحية كما يقال ,
أطلقوا سراح الأطفال والمراهقين والعجزة رجاء ، هم الأكثر حاجة للترويح عن النفس وللحركة وليكن ذلك بشروط وقيود ولو مرة في الأسبوع حسب الأحياء ،اختاروا الطريقة الأنسب والأكثر أمانا لكن لا بد أن يخرجوا ككل الكائنات الحية ,
أطلقوا سراح الفئات التي لا تملك أية رخصة للخروج ولو بطريقة مقننة ,
سوف نسمع العجائب بالتأكيد بعد رفع هذا الحجر والى ذلك الحين.
أتمنى أن يكون قرار منظمة الصحة حافزا لقرار الرفع وإطلاق السراح في أقرب الآجال ,
شكرا لمجهوداتكم في وقايتنا ،لكن كفى حجرا نحتاج العودة لحياتنا الاجتماعية ,