الدكتور زاحم محمد الشهيلي
ان التطرق الى موضوع يتعلق بقرار انسحاب القوات الامريكية وحليفتها الغربية من الشرق الاوسط أو إعادة تموضعها في بعض الدول التي تسيطر عليها في المنطقة، يتطلب ضرورة البحث في مقدمات الصراع بين القوى العظمى خلال الحرب الباردة للسيطرة على المياه الدافئة ومصادر الطاقة في الشرق، وأهمية ذلك بالنسبة للأمن القومي الاوروبي والأمريكي و”الإسرائيلي”، للخروج باستنتاجات تلخص تداعيات حلم الانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط وانعكاساته المستقبلية على دول المنطقة:
أولاً :تحول ميزان القوى في الشرق وبداية الحرب الباردة
اتسمت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ بتحول ميزان القوى العالمي في الشرق الأوسط من بريطانيا وفرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتتبنى مشروع دعم “الكيان الصهيوني” بقوة بعد انتقال اللوبي اليهودي الصهيوني من بريطانيا إلى امريكا وسيطرته على وسائل الاعلام وصناعة القرار السياسي والاقتصادي هناك، حيث يعد ذلك مؤشرًا لبدء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا، حين شعرت موسكو بضرورة تامين جبهتها الجنوبية بوجه التوسع الأمريكي باتجاه المياه الدافئة في منطقة الخليج العربي. وبدأت مرحلة من الشد والجذب بين القوى العظمى بعد مجيء (جمال عبد الناصر) إلى السلطة في مصر عام ١٩٥٤ وانضمامه الى المعسكر الاشتراكي الذي تقوده موسكو، حيث نتج عن هذا التحرك عدم وفاء موسكو بالتزاماتها تجاه الصراع العربي- الصهيوني، والذي مهد الطريق أمام امريكا وساعدها على تحييد مصر، كقوة عسكرية فاعلة مهددة للوجود ألإسرائيلي، بموجب اتفاقية السلام التي عقدت بينها وبين “اسرائيل” عام ١٩٧٩ بمباركة أمريكية، سبقها انسحاب سوفيتي مخجل عام ١٩٧٢ من مصر بطلب من الرئيس (انور السادات) والتقهقر باتجاه القرن الأفريقي وغرب آسيا، لتبدأ صفحة جديدة من صفحات الحرب الباردة، والتي قام العراق على اثرها بتأميم النفط بشكل كامل عام 1972 وإلغاء امتيازات الشركات الاحتكارية الغربية معتمدا على الدعم السوفيتي المخيب للآمال في مصر، والذي ازعج الأمريكان كثيرا الذين توعدوا العراق على لسان وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر آنذاك، بان امريكا ستأخذ ارباح النفط العراقي من تاريخ التأميم وحتى عودتها مرة أخرى إلى العراق في المستقبل.
ثانيا: التحرك الامريكي للسيطرة على مصادر الطاقة في الخليج العربي وغرب اسيا
بعد ان انهت الصراع الدائر بين مصر و”الكيان الصهيوني” بتوقيع اتفاقية 1979، خططت الولايات المتحدة الأمريكية جديا ونجحت في الوصول إلى المياه الدافئة والهيمنة على مصادر الطاقة في منطقة الخليج العربي بعد اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز في صحراء الجزيرة العربية وسواحل الخليج العربي والعراق. وبعد ان استطاعت فرض سيطرتها الكاملة على دول الخليج وتقاسمت معها الثروات النفطية مقابل تأمينها للحماية والتنمية الاقتصادية والبشرية، أخذت امريكا تخطط عمليا بدخول العراق وسوريا، والذي تزامن مع وصول الرئيس الجمهوري المتشدد بوش الابن إلى سدة الحكم، الذي رفع شعارات “الحرب الاستباقية” و”محور الشر” و”الذي ليس معنا فهو ضدنا” للسيطرة على ما تبقى من مصادر الطاقة المهمة في شمال الخليج وغرب اسيا.
ولتحقيق هذا الهدف كان لزاما على امريكا ان تربك الوضع الدولي العام في منطقة الشرق الأوسط، فتحركت بمساعدة فرنسا والاتحاد السوفيتي لإشعال فتيل حرب طاحنة بين ايران والعراق عام ١٩٨١ استنزفت فيها الموارد الاقتصادية والبشرية للدولتين، أعقبتها تشجيع العراق على دخول الكويت عام ١٩٩٠، لتقوم امريكا عام ١٩٩١ بقيادة تحالف غربي – عربي لتدمير الآلة الحربية للجيش العراقي في الكويت وداخل الحدود العراقية من خلال حرب غير متكافئة سميت بعاصفة الصحراء بقيادة الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف، حيث تم بعدها فرض حصار اقتصادي دولي جائر على العراق استمر لمدة (١٢) عاما انهك المجتمع العراقي، رافق ذلك افتعال الأمريكان لإحداث ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١، واتهام العراق بدعم “تنظيم القاعدة” المتطرف الذي أسسته وكالة المخابرات الغربية بمساعدة مجموعة من المتطرفين الإسلاميين في اوروبا وأمريكا بقيادة اسامه بن لادن، بهدف تشويه صورة الإسلام من ناحية، وحصول امريكا على تفويض دولي لمحاربة الارهاب في العالم الإسلامي من ناحية اخرى، بعد ان أوجدت له معقلا في أفغانستان، وقد نجت الادارة الامريكية بذلك.
وبعد ان رتبت الولايات المتحدة الأمريكية اوراقها وصفت حساباتها مع بعض الدول في الشرق والغرب اتجهت، بالتحالف مع بريطانيا، لمحاربة ما يسمى بمحور الشر، فاحتلت العراق بمباركة عربية عام 2003 بحجة امتلاكه للأسلحة النووية والكيماوية ودعم الارهاب الدولي المتمثل بـ(القاعدة). وبعد احتلال العراق وتدمير بناه التحتية وموارده الاقتصادية والبشرية، وفتح حدوده للتدخلات الخارجية والإرهاب الدولي وتغذية التطرف المذهبي والعرقي فيه، شرعت امريكا بالدخول إلى سوريا وخلقت صراعات دامية بين الفصائل المسلحة والنظام السوري أتت على كل شيء مبتسم في هذا البلد، وبذلك استطاعت امريكا ان تفرض سيطرتها بالقوة على الشرق الأوسط كإمبراطورية مترامية الأطراف، لتقف على المحك مع ايران التي تحلم هي الاخرى بأطماع دينية وتاريخية في المنطقة العربية.
ثالثا: أهمية المنطقة الجيوسياسية للأمن القومي الأمريكي
ان احتلال الولايات المتحدة الامريكية لافغانستان والعراق وسيطرتها على السواحل السورية ساعد الادارة الأمريكية بقيادة بوش الابن على رسم خط الصد الناري لحدود الامن القومي الامريكي الفاصل بينها وبين الصين وروسيا، والذي يمتد من أقصى الغرب في أوروبا، وأوكرانيا على الحدود الروسية، باتجاه الشرق الأوسط، يبدأ من سواحل تركيا “العثمانية” وسوريا على البحر المتوسط، مرورا بالعراق والخليج العربي على ضفتيه الشرقية والغربية، استمرارا إلى أقصى الشرق الأوسط في أفغانستان وباكستان.
وبعد ان أمنت امريكا خط المواجهة الحربي بدأت – ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة- ببناء قواعد عسكرية عملاقة جوية وبرية وبحرية، خمسون منها في القارة العجوز موزعة على المانيا وبريطانيا وإيطاليا وأسبانيا واليونان وبلغاريا، وبنت على طول خط الصد الروسي قاعدة انجرليك في تركيا، وعدد من القواعد العسكرية في العراق من ابرزها عين الأسد، والتي سبقتها إنشاء قاعدة “العديد” في قطر عام ١٩٩٦، التي تعد اكبر قاعدة جوية امريكية في الشرق الأوسط، وقاعدة السيلية عام ٢٠٠٠، وإنشاء قاعدة كبيرة في الكويت بعد اخراج القوات العراقية منها عام 1991. وتبحث الولايات المتحدة الامريكية مع “طالبان” حاليا، وبوساطة إماراتية، مسألة التوصل إلى إتفاق لبقاء قواعد أمريكية دائمة في أفغانستان مقابل مساهمة امريكا في اعادة اعمار واستقرار البلاد. ويحتفظ الأمريكان كذلك بعلاقات جيدة مع باكستان في مجال التعاون العسكري والإستخباراتي الذي يقوي من دعائم خط الصد أمام موسكو وبكين، والذي بدأ يضيق الحصار الاقتصادي والعسكري الخانق على ايران التي تحاول حاليا التقاط انفاسها بصعوبة.
ان هيمنة الإمبراطورية الأمريكية على ما يقارب ثلاثة ارباع الكرة الأرضية تقريبا جاء من خلال الحروب المدمرة للموارد الاقتصادية والبشرية لكثير من البلدان في العالم، وهذا مؤشر واضح وخطير على ان الأمريكان بدأوا، ومنذ حرب فيتنام التي انتهت بتوقيع اتفاقية سلام بين امريكا وفيتنام الشمالية عام ١٩٧٣- يفكرون بتواجد ونفوذ عالمي يصنعونه باستخدام القوة العسكرية المفرطة بعيدا عن التنمية الاقتصادية والبشرية، وكثيراً ما يتبع احتلالها للدول ما يسمى بالفوضى الخلاقة من خلال تغذيتها للخلافات والصراعات السياسية والعرقية والطائفية الداخلية التي تجعل الدولة المحتلة بحاجة لتواجدهم الدائم. ويبدو من المتابعة للأحداث ان الأمريكان ادركوا بان تجربة اعادة بناء اوروبا واليابان وكوريا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية كانت بالنسبة لهم تجربة غير ذي جدوى اقتصادية لأنها ساعدت في بروز قوى اقتصادية منافسة لهم في السوق التجارية العالمية. ويتضح ان النهج العدواني الحالي لواشنطن اضحى مهددا من قبل بكين، لأنه يتقاطع تماما مع نهج الصين التي تسعى إلى ان يكون لها تواجد ونفوذ اقتصادي استثماري عالمي قائم على التنمية الاقتصادية والبشرية السريعة “واطئة الكلفة” في الدول النامية والمرحب به عالميا.
رابعا: حماية الامن القومي الأوروبي والإسرائيلي
يعد الامن القومي الاسرائيلي في الشرق الأوسط منذ عام ١٩١٧ جزءا لا يتجزء من الامن القومي الأوروبي والأمريكي العابر إلى الضفة الشرقية للمحيط الأطلسي، والذي يتطلب العمل الدؤوب والمتواصل على إضعاف المنطقة العربية بشكل دائم حتى لا تتمكن يوما ما ان تصبح مصدرا لتهديد اوروبا كما كانت الإمبراطورية الاسلامية والعثمانية، ولذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحالف ودعم أوروبي- اسرائيلي بتنفيذ عدة حروب بالوكالة في الشرق الأوسط لتدمير ما تبقى من الدول العربية في سوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان، وتحويل دول الخليج الى محميات بريطانية وأمريكية “خائفة” بعد تحييد مصر كقوة عسكرية عربية فاعلة، حتى لا تصبح هذه الدول العربية يوما ما مصدر خطر يهدد الامن القومي الاسرائيلي والغربي في المستقبل، حيث قامت امريكا منذ عام ١٩٦٧ بنقل جزءا من مصانع ترسانتها الحربية إلى “الكيان الصهيوني”، وسبقتها فرنسا ببناء مفاعل ” ديمونه ” عام ١٩٦٢، وأعقبتها المانيا بتزويدها “إسرائيل” بغواصات فئة دولفين عام ٢٠١٢ حاملة للرؤوس النووية، ناهيك عن الدعم السياسي والاقتصادي الذي يوليه الغرب “للكيان الإسرائيلي” في المحافل الدولية على حساب قضايا الشرق الاوسط.
خامسا: الاستنتاجات
1- ان الصراع بين “الغرب المنتج” و”الشرق المستهلك” يعد حسب المعطيات سالفة الذكر صراعا استعماريا بالدرجة الأولى، يرتقي إلى الصراع الحضاري الديني والسياسي والاقتصادي، يهدف إلى تامين السوق الاستهلاكية للسلاح الغربي والروسي، ويمكن الغرب من الهيمنة على معاقل الحضارة القديمة ومصادر الطاقة في المنطقة، ومحاولة منع أية قوة عسكرية روسية كانت أم اقتصادية صينية من الوصول اليها حتى لو كلف الامر الدخول بحرب عالمية ثالثة، وبما يؤمن في نهاية المطاف الامن القومي الأوروبي والأمريكي والإسرائيلي الذي بذلت من اجل تحقيقه دول الغرب وعلى رأسها امريكا جهودا دولية سياسية واقتصادية وعسكرية مضاعفة وصرفت أموالاً طائلة لتمويل الحروب وبناء القواعد العسكرية الضخمة الممتدة من أقصى الغرب إلى أقصى ألشرق وقدمت دماء آلاف الضحايا من ابناءها بين قتيل وجريح قرابين لتحقيق هذا الهدف.
2- ان من المستبعد جدا والمحال ان تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها التفكير او الحلم بالانسحاب من دول مصادر الطاقة في الشرق الأوسط حتى لو تطلب الامر اعادة احتلالها مرة أخرى- وكما فعلت بريطانيا العظمى بعد الحرب العالمية الأولى حين احتلت العراق عام 1918 وأعادت احتلاله سنة 1942- بهدف اعادة تموضعها وفرض سيطرتها بالقوة على بعض البلدان التي تحاول ان تكون عائقا أمام تحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة.
3- ان امبراطورية مترامية الأطراف مثل أمريكا، والتي تفكر جديا في تغيير جغرافية الارض وإخفاء بعض الدول التي تقبع في الجزر والبحار والمحيطات، والتي من الممكن ان تمثل تهديدا للمصالح الأمريكية في المستقبل، وشرعت منذ سنين ببناء قواعد عسكرية في الفضاء الخارجي لحماية أمنها القومي، والتي اثارت حفيظة الروس مؤخرا، لا تسمح مطلقا بان تكون هناك قوة بديلة لها في منطقة الشرق الأوسط مثل الصين او روسيا مهددة للأمن القومي الأوروبي والأمريكي والإسرائيلي ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
4- ان على جميع المتنافسين المحليين والإقليميين من اجل ملء الفراغ في منطقة الشرق الأوسط ألا يعولوا كثيرا على قرب بوادر الانسحاب الامريكي أو انهيار الإمبراطورية الأمريكية في الشرق بعد أزمة “وباء كورونا” نتيجة للركود الذي سيشهده الاقتصاد العالمي لمدة سنتين او اكثر على اقل تقدير وستشهده الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا، والذي سيصل إلى نسبة انكماش (-٥٪) تقريبا وعجز في الميزانية الأمريكية يصل إلى اكثر من (٤) ترليون دولار، ذلك لان تعافي الدول النامية ودول الخط الثاني سوف لن يكون بمنعزل عن مساعدة الدول العظمى وفي مقدمتها امريكا والصين، ناهيك عن ان الدول العربية ودول الاقليم الاسلامية في الشرق الاوسط لم تفكر لحد هذه اللحظة بآلية حقيقية لتعدي الأزمة الحالية ومعالجتها مستقبلا، بسبب ان هذه الدول اضحت فاقدة للإرادة وليس لديها القدرة على ان تصنع تكاملا اقتصاديا فيما بينها او انتاج سياسة اقتصادية حقيقية مستقلة تدافع عنها بالقوة في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، وإنما اعتادت على انتاج سياسات صدامية انهزامية متخلفة ستجعلها ارضا خصبة للصراعات التي ستكون بمثابة حجج جاهزة للتدخلات الخارجية اقليما ودوليا، والذي سيجعلها الخاسر الأكبر دائما في المعادلة السياسية والاقتصادية العالمية.
5- ان امريكا أحييت الأطماع التاريخية لدول الاقليم في المنطقة العربية، وعمقت الخلافات السياسية القومية والعرقية والدينية والطائفية، وهيأت فصائل مسلحة متطرفة عقائديا، وأنشأت منظمات ارهابية كـ”القاعدة” و”داعش” ذات الفكر الديني المتطرف العابر للحدود الوطنية والإقليمية والدولية، والتي ستكون مستعدة لملء الفراغ السياسي في حال انسحاب امريكا من مناطق تواجدها في الشرق، والذي سينذر بنشوب حروب اقليمية توسعية وحروب أهلية قومية وعقائدية تحرق الاخضر واليابس، وتحيي صراعات دامية للاستحواذ على السلطة، الامر الذي سيجعل التواجد الأمريكي مدفوع الثمن وضرورة لا يستغنى عنها لكثير من الأطراف والدول في المنطقة.
6- كذلك فان تراجع الأمريكان عن الشرق باتجاه القارة الباردة سيجعل الامن القومي الأوروبي والاسرائيلي مكشوفا امام التحديات الجديدة بعد جائحة “كورونا”، ويقوض عملية السلام المزعومة في الشرق الأوسط، وسيقطع المساعدات الأمريكية لمصر، وسيجعل دول الخليج وغرب اسيا عرضة للغزوات من قبل دول الجوار الإقليمي العربية والأجنبية، وتعم الفوضى والصراعات العرقية والطائفية وتزداد ضراوة التدخلات الأجنبية الإقليمية في العراق وسورية وليبيا واليمن ولبنان والسودان، وهذا الامر سيجعل الانسحاب الأمريكي او اعادة تموضع القوات خارج منظومة هذه الدول مرفوضا من قبل جميع الأطراف، إلا في حالة حدوث انهيار حقيقي لأمريكا يبدأ من الداخل الأمريكي وينتهي بمستعمراتها في الخارج، وبذلك تدخل منطقة الشرق الأوسط في فوضى عارمة لا يمكن لروسيا أو الصين التدخل او الدخول اليها باعتبارها بيئة ملتهبة غير صالحة للاستثمار.
7- وهنا لا بد من تذكير الدول المهزومة أمام الآلة الحربية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي لم ترتق بعد إلى مستوى العمل المؤسساتي السياسي والاقتصادي الناجح، ان تعي حجمها وحقيقة الصراع العالمي بعيون مفتوحة لاتنام، وتتصرف بحكمة عقلاء القوم ومحنكي السياسة في كيفية التعامل مع الأحداث السياسية والعنجهية الأمريكية وصبرها الطويل، مستفيدة في ذات الوقت من تجربة المحميات الخليجية، لكي تستطيع ان توفق بين المحافظة على استقلالها الرمزي، وتحقيق الأمن والاستقرار والبناء والأعمار والاستثمار والتنمية الاقتصادية والبشرية قدر الإمكان، وإلا فستتوالى عليها الويلات والمصائب الواحدة تلو الأخرى وستضطر الى التعاقد مع قوات مرتزقة اجنبية لحماية أمنها الداخلي والخارجي… لكنه يبقى “حل الفرصة الأخيرة لدول الشرق الأوسط” الاختيار الامثل للجميع فإما الانتصار او الانهيار بإرادة حرة.