الدكتور زاحم محمد الشهيلي
حسب معطيات السياسة الامريكية على ارض الواقع في الشرق الاوسط والعالم وما آلت اليها من احداث منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الان اربكت الوضع السياسي والاقتصادي وزادته تعقيدا وعمقت الفوضى في منطقة الشرق الاوسط خاصة، يؤكد بما لا يقبل الشك بان الساسة الامريكان ينتهجون نهج سياسة العصى الغليضة في التعامل مع حلفائهم واعداءهم على حد سواء في المنطقة، وهذا الاسلوب يعيد الى الاذهان تصرفات وعنجهية عصابات الكاوبوي (رعاة البقر) في تاريخ امريكا، التي مازالت مسيطرة على تفكير الساسة الامريكان في التعامل مع الدول الاخرى، وهذا الاسلوب في طبيعة الحال لا يجعل من الاصدقاء حلفاء حقيقيون يدينون لامريكا بالوفاء، وانما تصنع سياسة لي الذراع الامريكية من الاصدقاء اعداء يتملصون بين الفينة والاخرى من التزاماتهم ويلجاؤون الى اطراف اخرى قد لا تتفق مع السياسة الامريكية (الخشنة) البعيدة عن (النعومة) والتي يعدونها ملاذا امنا او مصدرا للقوة التي تقف بوجه العنجهية الامريكية في المستقبل، وهذا الامر وضع امريكا في حرج كبير على مر تاريخها السياسي وجعلها تتكبد خسائر بشرية واقتصادية كبيرة تقدر بترليونات الدولارات دفع ثمنها الشعب الامريكي ذو الدور المغيب في صنع السياسة الخارجية.
يتضح جليا من خلال المراجعة المختصرة لتاريخ الاحداث التي قادتها امريكا في الشرق الاوسط بعد عام ٢٠٠٣ ان امريكا اباحت المنطقة العربية في سورية والعراق واليمن وليبيا الى تدخلاتها في شؤون تلك البلدان الداخلية ومصادرة قراراها السياسي وتدمير بنيتها التحتية واباحتها للتدخلات الخارجية ايضا ولكل من هب ودب من الحاقدين والمتطرفين في المحيط الاقليمي والدولي، بدل ان تساعد هذه الدول النامية في تاسيس انظمة سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية تدين للساسة الامريكان وللشعب الامريكي بالوفاء والولاء. ان اشاعة الفوضى والتناحر السياسي والعرقي والطائفي في بلدان المنطقة ادى الى نشوء تيارات وحركات معادية لامريكا ونهجها التخريبي في المنطقة بعد ان يأست واقتنعت تماما بان الامريكان لم يحتلوا البلدان من اجل تاسيس علاقات سياسية واقتصادية مشتركة تدر بالخير على الشعب الامريكي والشعوب الاخرى، وانما جاءت بقصد تدمير تلك البلدان واعادتها الى عصر ما قبل الصناعة، الامر الذي دفع شرائح مختلفة من شعوب المنطقة واعطاها المبرر بالانخراط في مقاومة التواجد الامريكي مستعينة بقوى تكاد تكون مؤثر في المشهد السياسي، والذي يهدد بالتاكيد مصالح امريكا في العالم ويولد الكراهية لدى الشعوب تجاه الشعب الامريكي الذي ينفق الاموال من اجل ان يكون الاغنياء الامريكان اكثر ثراء والسياسيون اكثر عنجهية في تدمير البلدان الاخرى.
ان امريكا تتحمل الجزء الاكبر والمهم في خلق الفوضى والدمار في الدول العربية بسبب ما خلفته من خلافات وانقسامات وتدمير للبنى التحتية، وما زادت عليه من دعوتها لـ (تنظيم القاعدة) للقتال في العراق وصناعتها لما يسمى بالدولة الاسلامية في سورية والعراق (داعش) الارهابية وما تبع ذلك من مشاكل وتدخلات خارجية وفساد اداري ومالي ارهق اقتصاد تلك البلدان مخلفا وراءه الفقر المدقع وتفشي الامراض والتراجع الرهيب في كل مؤسسات الدولة الامنية والاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية والثقافية والخدمية، ناهيك عن قتل وتهجير العقول، والهجرة الخارجية والنزوح الداخلي للمواطنين الذين امسوا يفترشون الارض ويلتحفون السماء في تلك البلدان العربية.
والسؤال الذي يطرح نفسه؛ ماذا حققت السياسة الامريكية من شيء ايجابي لشعوب المنطقة في الشرق الاوسط سوى الويلات، واين تقع مصلحة امريكا والشعب الامريكي سياسيا واقتصاديا من هذه التدخلات وخلق الفوضى والتوترات في الدول العربية -تحديدا- التي كلفتها عشرات المليارات من الدولارات؟ وهل ان الشعب الامريكي راض عن ما تقوم به حكومته من سياسة تخريبية في تلك البلدان كلفته مبالغ طائلة دفع تكاليفها من مصروفه اليومي وضمانه الاجتماعي، وهل ستكون له وقفة حازمة وجريئة تجاه ما تقوم به ادارته في الشرق الاوسط؟ كل ذلك يجعل المرء يقول بان الادارة الامريكية تستحق الاهانة في الشرق الاوسط بسبب سياستها الهوجاء والغبية التي لم تغلب مصلحة شعبها الاقتصادية على مصلحة فرض سياستها الخشنة بالقوة في الشرق الاوسط. ولكن لمصلحة من؟ هل ان امريكا تقود حروب بالنيابة في الشرق الاوسط على حساب مصلحة الشعب الامريكي، ام انها تستبيح البلدان لنشر الفوضى ليس الا، والى متى ستستمر بهذا النهج؟ وهل سيقول الشعب الامريكي كلمته الفصل؟