جمال جصاني
الربيع الذي نتحدث عنه هو ذلك الذي تلقفت ثماره شركات الإسلام السياسي العابر للجنسيات، بعد أن اقتحمت شرائح من الأجيال الشابة صمت وخنوع المصائر المرسومة لسكان هذه البلدان .
وفي إقليم كردستان، حيث التجربة السياسية تدخل عقدها الثالث، شاهدنا مؤخراً مشاهد تعيد للذاكرة ذات السيناريو الذي تم تنفيذه في بلدان الربيع العربي، شاهدنا أحد فرسان تلك الشركات يطلق إشارة بدأ موسم الغزوات على معسكر الخارجين عن لائحة (الحلال والحرام) ليندفع مئات من الشباب دون سن العشرين الى حيث ساحات التدريب الأولية التي تسبق ساعة الفتح المبين. لا يمكن أن يكون أمر اختيار مدينة زاخو محض صدفة لانطلاق عجاج أول غزوة للمحتسبين الجدد في الاقليم، كما لم يكن أمر مثل تلك الغزوات في مصر وغيرها من الأمصار التي تعيش فيها ملل متعددة من عيال الله. في (أم الدنيا) اجتهد الرئيس (المؤمن) محمد أنور السادات في تكتيكاته للهروب من الأسباب العضوية للفشل السياسي والاقتصادي، بارتداء جلباب الإيمان لمواجهة خصومه اليساريين والليبراليين، لكن لم يمر وقت طويل حتى قتل (الرئيس المؤمن بالرصاص الأشد ايماناً)، ليبدأ عصر المخلوقات والحشود الأشد ايماناً.
ماحدث مؤخراً في مدينة تضم ملل متعايشة ومسالمة عبر الحقب والعصور، هو مؤشر على درجة التدهور ومستوى الاحتقان الذي تراكم في العقود الاخيرة، وما مشهد صغار الشباب المنطلقين من (بيوت الله) الى حيث مواقع (أعداء الله) التي حددها لهم جنرال يوم الجمعة، الا دليلاً على عمق الأزمة والمأزق الذي وصلت اليه التجربة الرائدة في إقليم كردستان. وبغض النظر عن ذلك الواعظ وحقيقة دوافعه وارتباطاته الفعلية، حيث مازالت السلطات الأمنية هناك تعتقل الشباب المغرر بهم، من دون أن تقدم على إزعاجه ولو بتوضيح يبعثه لهم من خلال الانترنيت… فإن واقع الأمور يشير الى ذات المسار الذي تتهادى إليه جميع التجارب في هذه المنطقة، حيث لا بنية إنتاجية حقيقية ولا قوى اجتماعية مناصرة لقيم الحداثة والحرية والتعددية، ليس سوى عمليات متواصلة لإعادة إنتاج سلالات جديدة من القراصنة وترميم متواصل لمنظومة (الغنيمة والفرهود) وهذا ماشاهدته الأجيال (فرسان غزوة زاخو) التي ولدت بعد تحرير كردستان من قبل قوى (الاحتلال) عام 1991 حيث شرع ببناء أول تجربة للحكم الفيدرالي في العراق قبل سقوط النظام المباد. في مثل هذه التجارب ونتائجها الوخيمة على الناس تستثمر شركات الاسلام السياسي، خاصة وهي الأكثر ادراكاً لواقع البؤس والتخلف الذي تعيشه قطاعات واسعة منهم، لذلك تلقفت ببراعة ولع وشراهة القطط السمان للعصر الفيدرالي، واندفاعهم لتقليد اثرياء القرية الكونية، ومنها مراكز (التدليك والمساج) والتي تحولت الى قميص عثمان لممثلي تلك الشركات العابرة للمشاريع الوطنية لتفصح عن غاياتها الحقيقية.
باكورة الغزوات هذه، تعلن بوضوح عن جدية المخاطر التي تواجه تجربة إقليم كردستان، وكما حصل بعد النتائج الأخيرة لما عرف بالربيع العربي، سيتكرر ذلك في جميع مجتمعات (الرعية والراعي) حيث لا خيار أمامها سوى الاصغاء إلى مؤسسات الوعظ ودكاكين الدين السياسي وكبسولاته الأيديولوجية التي تقيهم شر الشيطان الرجيم واتباعه من أنصار التجارب (العلمانية) المارقة، والتي جرفتها رياح التغيير، ولن تكون تجربة إقليم كردستان بمنجى عن ذلك المصير.