الدكتور زاحم محمد الشهيلي
استغلت الاجهزة الاستخباراتية الغربية وعلى راسها وكالة المخابرات الامريكية بعض الافكار المنحرفة المستلة من الموروث التاريخي لبعض الجهلاء والمحسوبين على المؤسسة الدينية الاسلامية ووضفوها سلبا لضرب الاسلام في الصميم من خلال بعض الشخصيات المصابة بداء الفكر المتطرف البعيد عن كل القيم الانسانية الاسلامية السمحاء، لتنجب حركات متطرفة في الشرق الاوسط مثل (القاعدة وداعش) المدعومة من قبلها لوجستيا وفكريا، والتي اتت على الحرث والنسل في البلاد الاسلامية ومازالت وستبقى اثارها تؤلم الجسد العربي والاسلامي الى حين.
وبعد الاجتياح الامريكي للعراق في ٢٠ اذار ٢٠٠٣ وسقوط بغداد في ٩/٤/٢٠٠٣ واصدار الامم المتحدة لعدة قرارات من ضمنها القرار رقم (١٤٨٣) في ٢٢/٥/٢٠٠٣، والذي اعترفت بموجبه – الفقرة ١٣ – بان امريكا وبريطانيا دولتي احتلال للعراق تحت سلطة واحدة، اصبحت بذلك الادارة الامريكية مسؤولة عن ادارة شؤون العراق الادارية والاقتصادية والسياسية امام المنظمة الدولية، وامسى الامريكان مسؤولين قانونا عن كل ما يجري في العراق من سوء ادارة وخروقات امنية بعد اصدار المجتمع الدولي لهذا القرار، وعلى المتضرر من العراقيين ان يلجأ الى القضاء الدولي للمطالبة بحقوقه.
لكن الامريكان – الذين يساهمون باكثر من 75% في تمويل ميزانية الامم المتحدة – لم يكترثوا الى ما جاء في محتوى القرار الاممي، فبدل ان يعيدوا اعمار العراق واعادة لحمة المجتمع العراقي، الذي اعيته الحروب والحصار، عملوا على اذكاء العرقية والطائفية فيه وجعلوا العراقيين يقتل بعضهم البعض، وحدث ما حدث منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الان، بعد ان استغلت امريكا سايكلوجيا الخوف والرغبة في الانتقام، وكذلك الجزء الجائع او الشهوة للمال والجاه في جسد وشخصية الانسان الشرقي وفتحت لها المجال لكي تكون متخمة بالفساد والموبقات والظلم والطغيان بحيث لا تستطيع التراجع او اصلاح ذاتها وواقعها المرتبك.
لم تكتف امريكا – التي تمثل رأس الافعى للشر في الشرق الاوسط – بإذكاء الطائفية فقط في العراق، بل عملت ايضا جاهدة على نشر الفساد الاداري في مؤسسات الدولة من خلال مستشاريها في الوزارات العراقية، بحيث كانت لجنة اعادة اعمار العراق الامريكية بمثابة مدرسة تخرج الفاسدين، كما كانت سجونها تخرج المتطرفين الاسلاميين، والدليل ان اللجنة الامريكية لاعادة اعمار العراق انحلت ولم تضع طابوقة واحدة على الارض او تعيد بناء مؤسسة او مدرسة او تعبد طريقا او جسرا كانت قد دمرته سُرَف المزنجرات الامريكية، وبذلك اسست لمملكة الفساد والرعب والقتل.
وبدل ان تحمي الولايات المتحدة حدود العراق حسب التكليف الاممي قامت بحل المؤسستين الامنية والعسكرية وفتحت الحدود العراقية لدخول القاصي والداني من الحاقدين والمخربين من (القاعدة وداعش) ودول الجوار، وحولت العراق الى ساحة لتصفية الحسابات، بحيث خسر العراق خيرة ابناءه من العلماء والمفكرين والاطباء والمهندسين والقانونيين ورجال الدولة الاكفاء، وبذلك استطاعت امريكا ان تقضي على المنظومة المؤسساتية الادارية والقانونية للدولة العراقية واسست بدلها منظومة رعب وفساد مؤسساتية متكاملة الجوانب يصعب السيطرة عليها من قبل الحكومات المتعابقة.
لم تكتف امريكا بالقدر الذي ذكر من الدمار والخراب الاداري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي للدولة العراقية، وانما سعت بكل قوتها الى تهجير اكثر من اربعة ملايين ونصف عراقي خارج البلاد واكثر من خمسة ملايين بين نازح ومهجر ومشرد داخل البلاد وتخريب مدنهم بمساعدة صنيعتها (القاعدة وداعش) الارهابيتين، وعملت الى جانب ذلك على اذكاء الصراع الطائفي المسمى (السني – الشيعي) والصراع القومي (الكردي – العربي) وعمقته، والذي راح ضحيته الالاف من العراقيين، وهيأت جميع الاطراف للاعتراف والتوقيع على مشروع تقسيم البلاد، (مشروع بايدن) سيء الصيت، والذي اسقطته ارادة العراقيين الشرفاء الى الابد.
لقد هيأ الامريكان الوضع في العراق الى مرحلة جديدة تعدت مراحل الطائفية والعرقية و(القاعدة وداعش) وهي مرحلة “التصادم مع الذات” نتيجة لتراكمات كثيرة من اهمها استشراء الفساد الذي اقر به الجميع وتفشي البطالة بعد تعطيل الحياة الصناعية والزراعية، اي مرحلة الصراع (الشيعي- الشيعي) وربما (السني- السني) و(الكردي-الكردي) كنتيجة حتمية، بعد ان اخذ المواطن يشعر بانه فقد (الوطن والامل والعمل)، وهذا ما تريد الوصول اليه امريكا لضرب الاسلام السياسي وتصفية الطبقة الحاكمة واعادة البلاد الى المربع الاول من المأساة الانسانية التي وضعت العراق فيها منذ احتلاله عام ٢٠٠٣، ولذلك كان خروج الفئآت العمرية المختلفة من الشباب عفويا للمطالبة بتغيير الواقع المؤلم الذي تمر به البلاد بعد ان انتهى والى الابد مفعول حقن التخدير الطائفي والعرقي الامريكي للعراقيين.
فالامريكان اليوم مصابين بداء الصدمة والصم والبكم وخيبة امل كبيرة امام اعادة وحدة العراقيين بشكل عفوي وبكافة اثنياتهم وعرقياتهم وطوائفهم، واضحى الساسة الامريكان يدسون رؤسوهم في الرمال لكي لا يروا ما لا يريدون ان يروه، فهم حيارى الان ومعهم (الصهيونية) العالمية والمتربصين والحاقدين على العراق امام هذه الارادة الفذة التي سطرت اروع الامثلة للشعوب الحية في استعادة (الوطن والامل والعمل)، ومن المؤكد ان هناك خطة امريكية بديلة لتدارك الوضع في العراق لتوجيه بوصلة الاحداث لصالحها، وعليه يجب على جميع العراقيين (الطبقة الحاكمة، والمرجعية، والشعب) ان يكونوا قدر المسؤولية في اعادة بناء البيت العراقي بصدق لكي يفوتوا الفرصة على اعدائهم من خلال توحدهم من الفاو الى زاخو وسماع الاخر بحيث تكون مصلحة الوطن والمواطن فوق كل المصالح، وقبل فوات الاوان حين لا ينفع العض على النواجد.