حسن الخفاجي
أليس غريبا ان تشكل خارطة الدول التي سقطت أنظمة الحكم فيها بفعل الثورات العربية ؟هلالا يحتضن البحر الأبيض المتوسط … طرفه في تونس وطرفه الآخر في تركيا . الكل يعرف ما للهلال من رمزية؟
من يعود لتاريخ ومسار الثورات العربية … يجد ان أول الداعين لمراقبة هلال الثورات العربية … كان السلطان العثماني اوردغان حين دعا من مقر السلطنة العثمانية … من بابها العالي في اسطنبول إلى تثبيت الرؤية الشرعية لهلال الثورة التونسية .
شجعت أحداث الثورات العربية السلطان اوردغان مدفوعا بمواقف عربية رسمية وشعبية مدعومة بتخاذل عربي … اعتبر مسار السفينة التركية … التي أبحرت لكسر الحصار عن غزة انتصارا عمد بدم الأبرياء الأتراك. شجعت كل تلك الأحداث نزعات الزعامة والوجاهة والحنين للعودة لماضي أجداده السلاطين العثمانيين . لقد تشجع الحفيد لان يمضي في مشواره نحو القمة .كانت إنذاراته للحكام العرب مترددة بين صعود ونزول … كأنها مؤشر بورصة تتحكم بقوة مؤشرها الأحداث على الأرض .لقد نجحت إنذاراته ونصائحه لحاكم مصر … غادر مبارك على عجل . لقد كان موقف اوردغان مرتبكا من ثورة ليبيا في أول الأمر … حسمه الدعم الغربي … وتوسل الثوار الليبيين واستجدائهم لمواقفه … ومظاهرات لبعض الليبيين … الذين نددوا بتصريحاته المتخاذلة من ثورتهم .هكذا فرضت الأحداث ان يكون باب السلطنة القديم في اسطنبول مقر الوافدين والطامحين للوجاهة والأضواء … كأن التاريخ عاد مئات السنين إلى الوراء … عندما كان أذلاء العرب يستجدون ويتوسلون رضا السلاطين العثمانيين عنهم حتى ان تركيا استضافة مؤتمرا للمنظمات الإرهابية والأحزاب والجماعات العراقية … التي تعمل بالضد من تجربة العراق الديمقراطية !.
لقد انهار نظام القذافي واكتمل رسم الهلال … لكن شرخا سوريا عند الحافة الشمالية يقطع الهلال في دائرته الأخيرة … هو ما يؤرق اوردغان . بسقوط النظام السوري سيكتمل رسم الهلال … الذي يحتضن البحر الأبيض … ويبعد الثورات العربية من التمدد نحو دول الخليج !!.تركيا وقطر تلعب لعبة خطرة ستتضح نتائجها لاحقا
من يريد فك الشفرة الوراثية للتدخلات وانتقائية المواقف التركية وتدخلهم بشؤون المنطقة العربية … ما عليه إلا ان يرقب تحركات وزير خارجية تركيا دوود اوغلو … الذي استعاد دور مبعوث السلاطين العثمانيين … ل(مخاتير واختيارية) المناطق ورؤساء القبائل العربية … حضوره اجتماعا وزاريا لوزراء الخارجية العرب … اثبت دون أدنى شك ان السلطنة العثمانية تريد العودة إلى للحياة من خلال هلال أسلامي متحزب (اخوان مسلمين وسلفيين) … حتى ان مسميات الأحزاب العربية الإسلامية الفائزة في الانتخابات التونسية والمصرية تشبه اسم حزب اوردغان. ظهرت بوضوح ملامح الهلال الاخواني … الذي يطمح اوردغان قيادته بعد نتائج الانتخابات في المغرب وتونس ومصر … التي فاز الإسلاميون فيها … تساندهم سيطرة الإسلاميين المتشددين في ليبيا
هل للشعوب العربية الثائرة مصلحة في عودة عقارب الساعة والعودة لزمن السلطنة وحكم الطرابيش !؟.
هبت شعوب البحرين وعمان واليمن والأردن معتمدة على قواها الذاتية طامحة بتغير واقعها السياسي المزري وحكامهم الطغاة . كانت شعوب تلك الدول تعتقد … ان ساسة الغرب واوردغان سيساندونهم مثلما ساندوا الليبيين والمصريين والتونسيين … لقد كانت التصريحات الرسمية الغربية خجولة وبلعت الشعوب المقلب الغربي مثلما بلعه العراقيون من قبل في انتفاضة العام 91 … حينما وعدهم الرئيس بوش الأب بالقيام بثورة ضد نظام صدام وتخلى عنهم .امتدت ثورات الشعوب المظلومة إلى العمق … الذي لا يرغب الغرب ان تثار فيه سحب الأتربة وعواصف التغيير … بعدما امتدت بعيدا عن هلال البحر المتوسط … وتمددت نحو الخليج والبحر الأحمر .حينها نامت عيون السلطان اوردغان والساسة الغربيين … عن القمع الذي تعرض له ثوار البحرين … فاستفرد حمد البحرين بمساعدة وتدخل سعودي عسكري بالشعب البحراني … واستفردت دبابات وطائرات وقناصة على عبد الله صالح بالشعب اليمني وهو يلاقي الدعم والرعاية من ملك السعودية … وخنقت ثورات وانتفاضات الأردنيين والعمانيين بمهدها !.
خط الثورات العربية يراد له ان يبقى يحتضن البحر المتوسط بعيدا عن منابع النفط !.
زعماء الخليج واوردغان يغذون المخدرين بهوس الطائفية ويبشرون بسطوع نجم خلافة إسلامية جديدة … يقودها سلطان عثماني عصري يلبس الملابس الغربية … لذلك يطمح الجهلة والمتخلفين لعودة هلال الخلافة!.عودة الخلافة وان كانت غير معلنة وغير رسمية وان كانت على شكل أحلاف وتكتلات ذات صبغة طائفية ستؤدي لاحقا الى إشعال فتيل حرب طائفية لا مصلحة للمسلمين فيها … الرابح الأكبر من يغذي هذه الصراعات عن بعد وعن سابق إصرار. الفائز من هذا الصراع -ان حدث- من يبقى على التل ينتظر ان يحسم احد الطرفين الصراع لصالحة . بعدها سيخرج هذا الفائز من الصراع منهكا وسيقبل بشروط الطرف القوي … الذي خطط وأوعز لهم بالتنفيذ حينها سيسلم “المنتصر المنهك”كل ما غنمه وما عنده ويكتفي بتنفيذ الأوامر الخارجية
السيناريو القادم يراد له ان يكون: أفول دور الأمراء والسلاطين وملوك النفط … وعودة الأضواء لحكم دولة الخلافة العثمانية ولو بشكل غير رسمي .عندها سيتحقق طموح اوردغان … في ان يكون أميرا للمؤمنين وسلطانا في ان واحد !!.
إذا تحقق هذا السيناريو- لاسمح الله – سيكون الصدام القادم عثمانينا إيرانينا مثلما خطط له بعناية وبمباركة غربية … عندها سيخسر الجميع وسيخر العرب كرامتهم ودولهم واستقلالهم .
وقتها ينطبق عليهم المثل العراقي (اليجي من أيده الله يزيده)
(عندما تخلو الجبال من النمور يكون القرد ملكا)