النزوح و استمرار الحياة
مخيم إيسيان Esyan Camp نموذجا
عايده بدر
النزوح :
الحياة تستمر رغم الفواجع التي مُني بها أخواننا الايزيديون منذ عامين و تحديدا بعد كارثة اجتياح شنكال و القرى الايزيدية المترامية و النزوح الكبير لأهالي هذه المناطق ، تم تخصيص العديد من الأماكن داخل إقليم كوردستان الذي فتح ذراعيه مستقبلا عددا يفوق المليون و نصف المليون نازحا طبقا لإحصائيات دائرة الهجرة و المهجرين لعام 2014 في اإقليم كوردستان بما يعني تضاعف الخدمات و تزايد عدد الإدارات التي يمكنها مواجهة هذا العدد الضخم في مساحة تكاد تكون ثابتة ، و رغم توزيع عدد المهاجرين و النازحين على محافظات الإقليم الثلاث أربيل و السليمانية و دهوك إلا أن الأخيرة منها حظت بالنسبة الأكبر لعدد النازحين
و عن تنوع الانتماء العرقي و الديني لهذا العدد و طبقا لنفس الإحصائية فإن أكثر من 500 ألف عربي و540 ألف كردي لجأوا إلى كردستان بالإضافة إلى 255 ألف فيلي وحوالي 7200 تركماني وأكثر من 5000 أشوري أما عدد الكلدان النازحين إلى كردستان بنحو 14000 ألف شخص والسريان42000 نازح في حين يقدر عدد الشبك الذين نزحوا بنحو 47000 شخص و أغلب المسيحين والشبك من محافظة نينوى .
مخيم إيسيان :
تتنوع الكامبات و المخيمات طبقا لتنوع النازحين الذين لم يتمكنوا من السكنى داخل المدن و بين كامبات ضمت الايزيدين من شنكال أو نازحي بعشيقة و بحزاني و غيرها في ختاري و شاريا و أخرى ضمت النازحين السوريين في دوميز و غيرها ما خصص للنازحيين المسلمين و المسيحيين ، و كان ضمن هذه المخيمات أو الكامبات الخاصة بالأخوة الايزيدية مخيم إيسيان والذي تم انشائه يوم 7 -12- 2014 الواقع على طريق الشيخان – باعدري ، و داخل المخيم الذي أتاح لنا الأستاذ ديار حجي مدير الكامب و المسؤول الأول عنه زيارته و التنقل بين وحداته المختلفة حيث تشتعل الحياة على أرض النزوح فلم تتوقف يوما و لعلك في سيرك داخل المخيم تتساءل كيف استطاعوا النجاة بحياتهم بعد قضاء أصعب أيام حياتهم هروبا من سيف مسلط على رقابهم فقدوا معه الأمان و تركوا خلفهم حياة كاملة كانت مستقرة آمنة فضلا عن فقدهم البيت و الأرض و الأغراض فقد كانت حياتهم الثمن الأول الذي ضحوا به حتى يتمكنوا من الفرار من قبضة داعش ، و إن كان هذا الفرار راح ضحيته الكثير ممن تم اختطافهم عوائلا بأكملها فقدت عاد منهم القليل و بقى الكثير تحت سطوة تجار الدين الجدد و المهربين من الجهتين ممن يمكنك المقايضة معهم على السماح بتهريب مختطفة إذا استطعت جمع ما يطلبون من فدية و استطاعوا هم تحديد مكان من تطلب فديته
في مخيم ايسيان طالعنا إحصائية شاملة قام الاستاذ ديار مدير الكامب بتسويتها مبرزا فيها أهم الأعداد التي يضمها المخيم بين جنباته و مفرزا فيها عدد الرجال عن النساء و الأطفال ، استطعنا من خلالها الإلمام سريعا بعدد الأسر الموجودة ضمن المخيم و التي تضم نحو 15000 خمسة عشر ألف فرد ، أهم ما جاء في الإحصائية هو دور المنظمات الاجتماعية و الحقوقية التي تتولى شأن المخيم سواء التابعة للأمم المتحدة أو التابعة لإداة الإقليم و المكلفة من قِبل الحكومة بتولي مسؤولية تقديم الخدمات الصحية و النفسية و البيئية و التعليمية لهم ، عددا من الأفراد أصحاب الاحتياجات الخاصة تساعد في تدبير أمورهم المنظمات الصحية المختلفة ، كذلك فهناك ما يقرب من ثلاث منظمات تتولى شؤون المرأة من الناحية الصحية و الصحية النفسية خاصة للعائدات من جحيم داعش فضلا عن المنظمة التي يقوم السيد نيجرفان برزاني بادارتها و تتولى أمر المختطفات ، تقدم الدعم المادي و المساعدات المالية في تخليص أكبر عدد من منهن مقابل فدية يقوم المكتب الخاص بالمنظمة بتولي الدفع عن الأسر الفقيرة و التي تحتاج إلى موقف داعم في استعادة المختطفات على وجه أخص .
المنظمات التابعة للأمم المتحدة تتولى هناك الجانب التعليمي بانشاء ثلاث مدارس تشمل على وجه التقريب جميع الصفوف الدراسية ما قبل الجامعية بداية من الصفوف الابتدائية الأولية ة المتوسطة و الاعدادية و تقدم خدماتها للأطفال النازحين و الشباب في سن الدراسة فضلا عن اعتماد بعض أهالي قرية الشيخان على هذه المدارس في المخيم بالالتحاق بها لتقديم الخدمات التعليمية التي تنقص القرية .
رغم وجود مركز صحي واحد داخل المخيم إلا أن خدماته الصحية تتجاوز أفراد المخيم ذاته لتمتد و تشمل تقديم الخدمات الصحية للقرية حولهم و من يقصدهم طالبا تقديم المساعدة .أما من جهة الإطعام و المواد الغذائية و المساعدات التموينية فيتم تقديمها بواقع مرتان شهريا من خلالهما يتم تقديم المواد الغذائية الجافة التي تساعد هذه الأسر المنكوبة في استمرار حياتهم و متابعتها . و من خلال جولة سريعة داخل المخيم فقد استطاع البعض الاستفادة من حالة الاستقرار النوعي الذي يعيشه حاليا في افتتاح أنشطة تجارية بسيطة لا غنى لأي تجمع بشري عنها و بنفس الوقت تساعد في نفقات المعيشة المرتفعة هنا .
النجاة من قبضة داعش :
بعيدا عن الإحصائيات و الأرقام فالبشر ليسوا مجرد أرقاما نكتبها لكن الحياة داخل المخيم و بعيدا عن الأرض التي ننتمي إليها تكون من الصعوبة التي بحيث تؤلم الكتابة عنها و الوقوف على مشكلاتها الحياتية اليومية إلا بالحضور الدائم بينهم .
حلم العودة لأمان الأسرة ، النظر إلى حالتها و بطنها الصغير الذي لم تكتمل الحياة بداخله أكثر من شهرين قبل الاختطاف ، التفكير الدائم بكيف تتخلص من أسر وقعت فيه و كيف تنجو بطفل لم يخرج للحياة بعد ؟ ، ماذا حدث لأسرتها و كم بقى منهم على قيد الحياة ؟ و هل ظلت أختها المختطفة في ذات المكان الذي تم إرسالها إليه ؟ لاشك كانت أسئلة كثيرة تدور في عقلها ، أعتقد أن عمرها كان ثمانية عشر عاما و قد تزوجت من شهرين اثنين فقط و في زيارتها لبيت أسرتها في شنكال كان موعدهم مع قدر أسود ، خرج الجميع يحمل ما استطاع حمله من أفراد أسرته و بعض ما استطاع النجاة به فارين نحو الجبل ، استطاع الفرار من استطاع و بقوا نحو سبعة أيام بالجبل لا مال يعوض قطرة ماء أو كسرة خبز أو سترة تقي الجسد و أقدام أعياها النزف و التورم ليصلوا حتى حدود سوريا و ينجوا بأنفسهم ، لكن كثير أيضا سقطوا في الطريق و استطاعت يد الراية السوداء ملاحقتهم و أخذهم عنوة ، من ضمنهم كانت مضيفتي الصغيرة عمرا الكبيرة تجربة و وعيا و التي لم أملك أمام نظرتها الوادعة المنكسرة و ووجها الطفولي و هدوء صوتها و حركتها القليلة ، قد لا تشعر بحضورها الهادئ جدا و الصامت جدا ، استضافتني لبعض ساعات في خيمتها بكامب ايسيان و أحدث من عاد من جحيم داعش بعد ان استطاعت أسرة زوجها أن يجمعوا ما طلب منهم من مال طبعا بمعاونة الأهل و الأقارب حتى يتم فديتها ، الزوج الذي كان يعمل بأحد الشركات في السليمانية و ترك عمله و انضم للبيشمركة بعد حدوث الكارثة ووقوع زوجته و أسرتها بأكملها ضمن المختطفين .. أسرة الزوج التي لم تهدأ حتى استطاعت تجميع المال و افتداء كنتهم و العودة بها لخيمتهم بعد ما يقارب العامين من الخطف ، انتقلت مع من اشتراها منهم إلى الرقة في سوريا فظلت ما بين العراق و سوريا و هناك وضعت وليدها الصغير ، أمام هذا الحضور الصامت قد تتداعى لك الكثير من الاسئلة التي تريد معرفتها لكن نظرتها تجعلك تصمت أيضا و حركة الطفل الصغير أيضا ، في سؤالي لها عن الأحداث التي مرت بها جاءت كلماتها قصيرة لم تفصح عن الكثير غير أنها انتقلت بين أكثر من مكان و أن حملها لم يشفع لها بينهم ، و تفكيرها في أسرتها التي لا تزال تحت أيديهم و عدم الاتصال بينها و بينهم ما يجعلها تتصور ألف نهاية سيئة لهم خاصة و أن أختها المختطفة و التي فصلوها عنها لا تعلم إذا تزال موجودة بالموصل أم لا و هل بامكان تحرير الموصل أن يفرج عن وجود الكثير من المختطفين بينهم ؟ كلها اسئلة تدور برأسها و على لسان أسرة زوجها التي وصفت حالتها النفسية بالسيئة جدا حيث تأكل القليل و تتحدث بالقليل و كثير من الأعراض النفسية التي أثرت على جسدها أيضا بعد تجربة مريرة كهذه ، بسؤالي عن وضعها حين عودتها و كيف كان استقبال أسرة زوجها لها ؟ أشاروا إلى أنها كانت عزيزة لديهم قبل الكارثة و أصبحوا أكثر اعتزازا بها بعدها ، فطوال فترة غيابها كان شاغلهم معرفة مكان تواجدها و جمع ما يلزم من مال لفديتها و أشاروا إلى دور المكتب التابع للسيد نيجرفان برزاني في مساعدة المختطفات و صرف ما يلزم لأهلهم لاستعادتهم . كان لهم طلبا لدى ادارة المخيم حيث طلب الزوج أن يكون له خيمة منفصلة مع زوجته و اختيه نظرا لكبر عدد الاسرة و قد استجاب على الفور الاستاذ ديار مدير الكامب لطلبهم اعتزازا بهم و بدورهم في تقدير هذه العزيزة العائدة من قبضة داعش …..
بعد يوم في مخيم إيسيان قد تدرك كيف يعاني النازحون من معيشة مهما كانت مستقرة لكنها ليست كمثل ما تركوه خلفهم ، لكنك أيضا عندما تسمع شهادتهم على أيام سوداء قضوها تحت رحمة الله وحده متنقلون بلا أمل في النجاة بين شعاب جبل كان أرحم عليهم كثيرا من قلوب و عقول بشر أدعوا أنهم يرفعون راية الدين لإعادة تنظيم الكون وفقا لرؤيتهم الذاتية ، تدرك معها إلى أي قدر انحطاط وصل بنا هذا العالم و أي سواد خيم علينا بظهور هؤلاء الأدعياء تجار الجنس و الدين ، يراودك أمل و أنت ترى قوات البيشمركة هنا و هناك تحاربهم و تعيد الأمان لكثير قرى تحررت بانتظار تحرك إداري مسؤول لعودة الخدمات إليها ليعود أهلها النازحين لسكنى أرضهم و إعادة الحياة لها
عايده بدر
3-10-2016