عبدالغني علي يحيى
يتبارئ القادة الأتراك من اسلاميين وعلمانيين هذه الأيام، وتحديداً منذ الزيارة الاخيرة التي نفذها نيجيرفان البارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان العراق الى تركيا والتي توجت بحزمة من الاتفاقيات والمشاريع الاستراتيجية التجارية والاقتصادية بالأخص والتي سال لها لعاب أولئك القادة كونها تدر بالربح عليهم
اكثر مما تدرعلى الكرد، وهذا ما سنأتي على ذكره في سياق هذا المقال. يتبارون في اطلاق الوعود والتصريحات المفعمة بالتفاؤل توحي بحل قريب للقضية الكردية في شمال كردستان، أي كردستان تركيا. فعلى سبيل المثال لا الحصر. قال احمد داود أوغلو وزير الخارجية التركية:( ان المفاوضات بين حكومته وحزب العمال الكردستاني p.k.k بدأت منذ فترة طويلة لحل القضية الكردية في تركيا) واشار الى تنسيق بين الولايات المتحدة وتركيا والعراق للغرض نفسه. فيما قال (بشير أتالاي) نائب رئيس الوزراء التركي لفضائية c.n.n التركية: (ان المفاوضات حول تخلي حزب العمال الكردستاني عن الكفاح المسلح مستمرة) مضيفاً :(هناك قرار مشترك مع القيادة السياسية في اقليم كردستان – اي كردستان العراق).
العلمانيون الاتراك بدورهم سارعوا للأشتراك في المباراة، فلقد دخل حزب الشعب الجمهوري على الخط في قول زعيمه (كمال كليجدار أوغلو) 🙁 لن أتوانى عن بذل الجهود الرامية الى تسوية المشكلة الكردية).
.. الخ من الاقوال والتصريحات التركية الدالة على تعاظم الحركة القومية الكردية في تركيا وضرورة ايجاد حل لها يجني فؤائده الاتراك والكرد على حد سواء.
إن هذه، ليست المرة الاولى، تطلق أفكار لافتة عن عزم القادة الاتراك على حل القضية الكردية في تركيا أو إدعاء حلها ومنذ تسلم حزب التنمية والعدالة ذو التوجه الاسلامي لمقاليد الحكم في تركيا لدورتين انتخابيتين متتاليتين، فأن هذه الافكار تطرح بين حين وحين، والمتتبع لها بدقة يتوصل الى تثبيت عدد من الاراء والاستنتاجات منها:
1- ان الاقوال التركية لأجل تسوية المشكلة الكردية في تركيا. غالباً ما تدلى عند قيام الطرفين التركي والكردي العراقي بتوقيع اتفاقيات تجارية واقتصادية غير متكافئة ولصالح الطرف التركي بدرجة اولى، مثلما كانت الاتفاقيات التي وقعها الاتراك في وقت سابق مع كل من سوريا و العراق لصالح تركيا وبأمتياز.
2- والملاحظ في الصفقات التجارية الكبيرة بين تركيا وبين جيرانها، كردستان، سوريا، العراق، انها تبرم في الاوقات التي تستفحل الخلافات بين الجيران الثلاثة لتركيا، فقبل اعوام وقع الاتراك اتفاقيات تجارية ضخمة مع كل من سوريا والعراق في فترة اشتدت الخلافات والازمات بين الاخيرين، وتكررت الحالة بين تركيا وحكومة كردستان حيث تشهد العلاقات بين حكومة كردستان والحكومة العراقية توتراً وتدهوراً شديدين أديا الى جعل زيارة رئيس حكومة كردستان الاخيرة الى انقرة زاخرة بالاتفاقيات التجارية والمشاريع الاستراتيجية تمثلت بالدعوة الى فتح معبرين حدوديين بين تركيا و كردستان العراق، حيث كان هناك وما يزال معبر واحد الا وهو معبر (ابراهيم الخليل) الذي ظل المعبر الوحيد بين البلدين لعقود من السنين، فالأتفاق بمد انبوبين للنفط والغاز الكردستانيين عبر الاراضي التركية الى اوروبا مع تصفية النفط الكردي في المصافي التركية واعادة مشتقاته فيما بعد الى كردستان، ان هذه التطورات في العلاقة بين أربيل وانقرة ان دلت على شيئ، فانما تدل على الحجم الكبير الذي بلغته التعاملات التجارية والاقتصادية بين البلدين وحجم الاستثمارات التركية في جنوب كردستان (كردستان العراق).
3- وفي تطرقهم الى الافكار بشأن حل المسألة الكردية في تركيا، نجد الاتراك يبرزون الدور الكردي لكرد جنوب كردستان لغرض حل هذه المسألة، وكأن الكرد العراقيون طرف رئيس فيها، واحياناً توحي تصريحاتهم وكان حكومة كردستان ضالعة في المخطط التركي للقضاء على p.k.k أو تحميلها في أن مسؤولية اتخاذ p.k.k من أراضي جنوب كردستان قواعد انطلاق لقواته ضد تركيا ، وواضع كم من مرة وعلى امتداد الاعوام الماضية دعت فيها تركيا حكومة كردستان للضغط على p.k.k لكي ينهي تواجده في قواعد عسكرية له على الشريط الحدودي بين كردستان العراق وتركيا. واللافت ان حجم الوعود والتصريحات التركية لحل القضية الكردية في تركيا مواز لحجم الصفقات التجارية والاقتصادية بين البلدين تركيا وجنوب كردستان والتي تعد تركيا بمثابة المستفيد الاكبر من ورائها كما قلنا. ولما كانت الزيارة الاخيرة للبارزاني الى تركيا قد توجت بصفقات نوعية كما بينا، فان سيل الدعوات والوعود التركيا بحل القضية الكردية لم ينقطع لأيام عدة.
4- ولا يغيب عن البال، أن تركيا في كل انفتاح مزعوم لها على القضية الكردية في شمال كردستان، كردستان تركيا، فأنها تجعل من موضوعة تخلي حزب العمال الكردستاني عن الكفاح المسلح وبالتالي القائه للسلاح كشرط لحل تلك القضية ، مطلباً رئيسياً لها. ولا شك ان هكذا مطلب منها سيجابه برفض قوي من لدن الوطنيين الكرد أينما كانوا ووجدوا. هنا نجد كيف ان الحكومات العراقية الحالية والسابقة تقدمت على الحكومة التركية في التعامل مع الحركات الكردية المسلحة والسلاح الكردي، ففي الماضي دخل الكرد عام 1963 مع انقلابيي 8 شباط وفي مطلع عام 1964 مع حكومة عبدالسلام عارف وفي 1967 مع حكومة عارف البزاز وفي 1970 مع حكومة البكرفي اتفاقيات بهدف حل القضية الكردية في العراق، إلا أن أي بند في تلك الاتفاقيات لم ينص على إلقاء الكرد لسلاحهم. ليس هذا فحسب، بل ان اتفاقية اذار لعام 1970 بين الثورة الكردية والحكومة العراقية اجازت لقيادة الثورة الكردية الاحتفاظ ب 20000 مسلح. وبعد سقوط النظام العراقي عام 2003 اصبحت قوات البيشمركه الكردية جيشاً رسمياً مكملا للجيش العراقي ويتمتع بميزانية من قبل الحكومة الاتحادية.
لما تقدم، يتبين ان التصريحات التركية لحل القضية الكردية شكل من اشكال مواصلة القتال ولكن بشكل اخر يرمي الى تجريد الحركة التحررية الكردية في تركيا من سلاحها ومن ثم القضاء عليها، وبدلاً من ذلك، نرى ان على تركيا ان تقدم بصدق نحو حل جذري للقضية الكردية يتضمن الابقاء على السلاح الكردي فالتعامل مع قوات (الكريلا) الكردية هناك، كجيش رسمي يتمتع بميزانية على غرار تمتع قوات البيشمركه الكردية بها في العراق، وان ينظر اليها، الكريلا، النظرة الى الجيش التركي من حيث الامتيازات وعلى قدم المساوات وفي حال اقرار الحكومة التركية بهذا المبدأ فان مكانتها تتعزز وتقوى في حلف شمال الاطلسي ويسهل امر دخولها في الاتحاد الاوروبي الذي تحلم به ليل نهار. وإذا امعنا الفكر اكثر، لوجدنا بأن على الحكومة التركية ازالة مظاهر التسلح في بلادها وان تقدم على الغاء قواعدها العسكرية في شمال كردستان العراق وتوقف للفور قصفها شبه اليومي لقرى واراضي كردستان العراق، وتكف عن مواجهة التظاهرات الكردية السلمية بقوة السلاح، ان الذي يعيق التوصل الى اتفاق بين الحكومة التركية والثوار الكرد، ليس (الكريلا) او القوات الدفاعية الكردية في كردستان تركيابل الممارسات والمواقف التركية حيال المطاليب القومية الكردية، اذ ما برحت تركيا تتصرف تصرفا نعاميا ان جازالتشبيه تجاه القضية الكردية وتنطلق من العنجهية والتعالي في التعامل معها، وبات مؤكداً لدى الجميع ان حل القضية الكردية في شمال كردستان لن تتعدى الاقوال المعسولة والمخدرة والدعوة الفارغة لحلها لدى القادة الاتراك.
5- تختزل الحكومة التركية الى هذه الساعة المطاليب القومية الكردية في حقوق ثقافية واعلامية ضيقة مثل تأسيس اذاعة أو فضائية تلفزيونية كردية أو السماح بتدريس اللغة الكردية في المناطق التي يطالب الكرد بتدريسها.. الخ. من غير ان يعلموا ان جهاتاً اخرى سبقت الاتراك باشواط في مجال تأسيس الاذاعات والفضائيات باللغة الكردية. علماً ان تجارب الماضي علمتنا كيف ان من السهل جداً التراجع عن تلك الحقوق حين تسنح الفرصة للحكومات للانقلاب عليها، الحقوق، ومصادرتها. وليعلم القادة الاتراك، ان الحل الجذري للقضية الكردية في شمال كردستان يكمن في الاقرار بصيغة للحكم ترضي الكرد، كأن تكون فيدرالية أو كونفيدرالية وحتى الدولة المستقلة، وان تأجيل هذا الحل سيدفع بالاتراك والكرد معاً الى الغرق في بحار من الدماء والدموع. وان السبب هم القادة والحكام الاتراك بدرجة رئيسة بل اولى وأخيرة.
6- ومما تتوخاه الحكومة التركية من التنسيق مع الحكومات: الامريكية والعراقية والكردستانية لحل القضية الكردية هو إظهار هذه الحكومات بأنها معها وعلى p.k.k على الرغم من ان مجرد القول (التنسيق مع هذه الحكومات) يعني تدويلاً للقضية الكردية في شمال كردستان.
7- ولا شك ان الاستعانة بجهود تلك الحكومات وغيرها لحل تلك القضية، ستكون جد مقبولة ، في حال كرست للتقريب بين الاتراك والكرد على اساس الاعتراف بالحقوق القومية العادلة للشعب الكردي في شمال كردستان، واعتبار تلك الدول شهوداً ومراقبين على اية اتفاقية توقع بين الترك والكرد، وهنا لا مناص من القول ان تركيا في اشراكها دولاً اخرى لحل القضية الكردية تتقدم على الحكومات العراقية والسورية والايرانية الرافضة سيما بالنسبة للأخيرتين التفاوض مع الكرد أو الاستعانة بالجهود الدولية. وفي كل الاحوال ما على تركيا إلا ان تعلم ان حل القضية الكردية في تركيا يأتي عبر الاتفاق مع ممثلي الشعب الكردي هناك وبالاستناد الى مبادي حق تقرير المصير وحقوق النسان بدل العزف على الوتر الخارجي واظهار الاطراف الخارجية المعنية بالأمر وكأنها حليفة للحكومة التركية ومؤيدة لها في صراعها ضد الكرد.
من جانب اخر على القوميين الكرد وعلى الاخص الكرد في العراق، ان لا يثقوا بالاستثمارات التركية الهائلة في كردستان العراق ولا بكثرة الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الموقعة معهم في ان تفضي الى احداث تغيير ايجابي في الموقف التركي من القضية الكردية في كردستان تركيا خاصة وفي الاجزاء الاخرى من كردستان الكبرى عامة، وليضعوا نصب أعينهم كيف ان الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الضخمة التي وقعت بين تركيا وبين كل من سوريا والعراق، لم تمنع الاتراك من الانقلاب عليها بسرعة، وأثروا مخاصمة الاخيرتين: سوريا والعراق لأجل الحصول على ربح اكبر في المدى المنظور أو البعيد بعد سقوط نظاميهما، عليه و استناداً على هذه الحقيقة فان الاتراك لن يترددوا على الانقلاب على الكرد ايضاً في حال اذا رأوا في ذلك منفعة لهم وربحاً، وليضعوا نصب اعينهم ايضاً، ان ما يقارب ال 8 سنوات من تولي حزب التنمية والعدالة للحكم في تركيا، فان الحكومة التركية لم تخطو ولوخطوة واحدة باتجاه حل القضية الكردية في تركيا، وكل ما أقدمت عليها لم يتعدى الاقوال والوعود، في وقت تفيد التجارب في حل القضايا القومية ان اياماً وبضعة اسابيع قد لا تتجاوز اصابع اليدين، كافية لايقاف القتال وحقن الدماء والاعتراف بحقوق الغير.
ان مايجري على الارض من قتل يومي للكرد في تركيا و اعتقالات بالجملة لنشطائهم والتي طالت قبل ايام مسؤولي بلديات كردية ومواصلة قصف السلاح التركي لأراضي كردستان العراق فتصميم تركيا على انجاز السدود على نهري دجله والفرات، دليل قاطع على عدم حصول اي تحول نوعي في السياسات التركية العنصرية ازاء الكرد وشعوب المنطقة كافة.
• رئيس تحرير صحيفة راية الموصل- العراق.