فؤاد علي أكبر
تواتر الحديث عن الجرائم الكبيرة والحقيرة والبشعة التي تطال العراقيين كل يوم جعل منها حقائق تدمي وتشوه وجه التاريخ البشري وتعبر عن أقبح فصوله المظلمة على الأطلاق. فهي تعطي تصوراً حقيقياً مؤلماً وبشعاً ومفصلاًعن كل ما توصلت اليه النفس البشرية المريضة من قدرة على القتل والتدمير والأجرام وتسلط الضوء على مساحة موبوءة واسعة تحيط بالجريمة وبجوانبها العديدة التي لا تقل بشاعة عن الجريمة ذاتها. فالجرائم الهمجية التي ترتكب في العراق لا تعبر فقط عن بشاعة مرتكبيها ومموليها والمخططين لها وأدواتهم وحاضناتهم الفكرية والأجتماعية المريضة بل تتعدى ذلك الى الحكومة وأجهزة الدولة التي تعاني من أختراقات أمنية خطيرة وعجز واضح في حماية الأبرياء، والمهتمة بحماية نفسها فقط وراء السدود الكونكريتية الضخمة ومئات الآف من جنود القوات العسكرية والأمنية من أبناء الشعب العراقي المظلوم من الذين دفعهم شغف العيش والبطالة للتطوع في اجهزتها، متجاهلة لمعاناة شعب كامل يتعرض للقتل والأبادة الجماعية دون أن يعتريها أدنى شعور بالمسؤولية أو بالحياء والخجل. وكذلك الكتل والأحزاب والجماعات السياسية المنشغلة بأقذر وأبشع عمليات الصراع على المال والسلطة والتي تستثمر مثل هذه الجرائم الحقيرة بوسائل أحقر لتمرير أجنداتها ومصالحها السياسية والطائفية المتخلفة والرخيصة. بالأضافة الى أعداد كبيرة من الخرس الشياطين ما بين شامت وحاقد على العراق والعراقيين بسبب نزعة عدوانية في نفسه أو مصلحة مادية خسرها وبين خانع ذليل أمام كل مايجري على العراق والعراقيين وأرتضى لنفسه العيش على مايحصل عليه من فتات ملوث بالخوف والدم والمهانة. أن حقيقة ما يجري بحق العراق والعراقيين الأبرياء في غاية البشاعة بكل تفاصيلها وبكل جوانبها وما يحيط بها من قريب أو بعيد فدماء العراقيين الأبرياء التي تلطخت بها أيدي البعثيين المجرمين تتلطخ بها اليوم عقول وعيون وأفواه وبطون الكثيرين ممن يتغافلون أو يساهمون بصورة أو بأخرى في هذه المشاهد الدموية الرهيبة التي فاقت كل التصورات المعقولة واللامعقولة في فهم وتحليل الجريمة ودوافعها ومسبباتها. فلقد أصبح من السهل علينا أن نفهم أن هناك شخص ما مصاب بعاهة نفسية وأخلاقية تجعله يستلذ بقتل الناس الأبرياء وأيذائهم وتدمير حياتهم وممتلكاتهم وخلق الرعب في نفوسهم. وليس عسير على الفهم كذلك أن تكون هناك مجموعة ضالة يقعون تحت تأثير فكر أو عيقدة دينية أو سياسية أجرامية منحرفة تدعو الى قتل وألغاء وأقصاء الآخرين ممن يخالفونهم في العقيدة والرأي. كما ليس بالعسير أيضا أن نفهم أن هناك جهات قد تمارس سياسات أجرامية خبيثة تتخذ من العنف والجريمة والأرهاب منهجاً لها للوصول إلى غايات معينة كخلق الفتنة وزعزعة الأوضاع وربما يتسنى لمثل هذه الجهات أن تجند نفر من المجرمين وذوي النفوس الضعيفة لتبعث برسائل سياسية معينة. لكن ما نشهده اليوم من أعمال أجرامية واسعة تبعث على الحيرة لفداحة حجمها ولكونها تفتقر لأي مبرر سياسي أو غير سياسي سوى القتل من أجل القتل وبث الرعب والدمار في العراق وفي نفوس العراقيين وقد شملت العاصمة بغداد والعديد من المحافظات العراقية والتي إستهدفت العراقيين بجميع شرائحهم وإنتماءاتهم. فهي تعطي وبلاشك مؤشر خطير لتحالف أجرامي داخلي وأقليمي ودولي منظم ودقيق ومتوغل في معظم مرافق الدولة وتشكيلاتها الأمنية والأدارية بحيث تمتلك القدرة على جمع المعلومات والتغطية وتأمين الحواضن والأوكار والخلايا، وتجهيزها مادياً ولوجستياً بكل أحتياجتها، وحرية الحركة والمبادرة وأختيار الزمان والمكان والتنفيذ دون أي عائق حقيقي يذكر قياساً للحجم الهائل من الأجهزة الامنية والدفاعات التي تمتلكها الحكومة. ولأيجاد تفسير منطقي وواقعي لما يحدث في العراق ومن يقف وراء هذه الاحداث الدامية ولأنصاف الأعلام الرسمي العراقي فلابئس أن نردد معهم أن وراء هذه العمليات هم بقايا البعث والقاعدة ولكن السؤال الحقيقي هو أي بعث و أية قاعدة فمعظم هؤلاء قد تركوا المناطق النائية والمخابئ البعيدة لتنفيذ جرائم الذبح والقتل وهم اليوم يحتلون مراكز ومواقع مهمة في السلطة والمجتمع. فالحقيقة علاوة على ما حصل عليه هؤلاء من دعم أقليمي ودولي واضح فهم يمتلكون قطاعات أقتصادية واسعة ويمارسون نشاطات مشبوهة وغير مشبوهة في هذا المجال كما يتمتعون اليوم بدعم وحماية الحكومة نفسها فهم متوغلون في معظم الأحزاب السياسية الدينية والعلمانية الحاكمة وفي معظم المؤسسات الرسمية والأعلامية والرياضية ومنظمات المجتمع المدني والأهم من كل هذا وذاك أنهم يسيطرون اليوم على الكثير من المفاصل والمواقع الأمنية الحساسة وبمباركة وعلم الحكومة وبدونها. وهذا بلاشك يقودنا لفهم حقيقتين مهمتين لطريقة أدارة الوضع في العراق بالأضافة الى الحقائق الواضحة والمعروفة الأخرى التي تظهر بجلاء في المشهد العراقي العام. الحقيقة الأولى هي أن أغلب القادة السياسيين والأحزاب السياسية في العراق الجديد لا يمتلكون كوادر حزبية واعية وكافية ولا قواعد شعبية حقيقية فقاموا بأستغلال الظروف الغير أعتيادية التي مر بها العراق، والتي ساعدت على تسلمهم السلطة بعد سقوط النظام البائد على أثر التدخل العسكري الخارجي، وعملوا على الأستقطاب العشوائي للكثير من الأفراد بأستخدام سياسة الأغراء بالسلطة والمال بعد شرعنتهم لسرقة المال العام وتوظيفه لخدمة أحزابهم وأغراضهم الشخصية مما مهد الطريق للكثير من المجرمين والمتملقين والفاسدين والسراق للدخول في هذه التنظيمات فمن الطبيعي أن ليس بمقدور أحد من العراقيين البسطاء والشرفاء وضحايا النظام السابق ممن حرموا من فرص الحياة والأقتصاد والصحة والتعليم من منافسة أصحاب النفوس المريضة والشريرة والوصولية من البعثيين الذين أنتجتهم الماكنة الأجرامية البعثية وعلى مدى عقود من الزمن. والحقيقة الثانية أن الكثير من القادة السياسيين والمسؤولين وتحت عناوين مختلفة كان هدفهم الأساس هو السرقة وإساءة الأستفادة من مراكزهم في السلطة ومن الطبيعي أيضاً أن مثل هؤلاء لايريدون ولايروق لهم بأي حال من الأحوال العمل مع الشرفاء والمخلصين من العراقيين.فلذلك كله لم يعد هناك مكان لغير الرعاع والمجرمين الذين لايجيدون سوى إستنزاف أرواح وثرواة وطاقات العراق والعراقيين. وهكذا يمر العراق اليوم بمأزق خطير يدفع ثمنه الأبرياء والمساكين العراقيين ويترك وراءه الآلاف من صور البؤس والدمار والفقر والتخلف وآلاف الضحايا من الشهداء والمعوقين واليتامى والأرامل وأن حجم الجريمة والكارثة في العراق لا يستثني أحد من تحمل المسؤولية القانونية والشرعية والأخلاقية مهما كانت المبررات والأعذار. وعذراً يا عراق فليس لك سوى الله… وحديثنا المتواتر عن آلآمك ومأساتك والعبرات!