حسن حاتم المذكور
القومي الكوردي لا يختلف عن نظيره العربي , كلاهما يرى الآخر باللون الذي لا يعجبه, يكتسبان من بعضهما خصائص الشوفينية وتفصيلات الظلم والمظلومية , اشكالية دمرت العلاقات الأنسانية بين الشعبين واثرت سلباً على مجمل العلاقات بين مكونات المجتمع العراقي .
من رحم الفكر القومي تتبلور النخبة ( الحزب ) وعبر تزاوج التنظيم مع العقيدة يولد القائد الذي يختزل في شخصيته حاضر ومستقبل الأمة , هنا تفقد الشعوب خياراتها لتذوب فيه او مدافعة عن نفسها تحت قيادته .
الحالة العراقية لا يمكن لها ان تكون استثناء , ولا يمكن لها ان تتجنب ضريبة نلك الحتمية .
عندما نطق صدام حسين حربين مدمرتين , نطق العراق معه واحترق , ومثلما للفكر الشوفيني العربي صدامه , ففي احشاء الفكر الشوفيني الكوردي صدامه ايضاً, قوى مشبعة بالثأر والأحقاد والكراهية , تلك الثقافة الموروثة تشكل الآن عاهة عراقية لا يمكن تجاوزها الا عبر معجزة تغييرات هائلة شاملة .
نتذكر في بداية الستينيات عندما رفعت القيادة الكوردية السلاح بوجه ثورة 14 / تموز / 1958 التحررية وحكومتها الوطنية , خرجت الجماهير العراقية غير منحازة وفي جميع المدن في تظاهرات مليونية تدعوا الى ايقاف الأقتتال بين الأخوة والجلوس حول طاولة مباديء السلم والحوار الأخوي , وعندما عاد المرحوم السيد مصطفى البرزاني من منفاه استقبل بحفاوة على الصعيدين الشعبي والرسمي , مثل هكذا امر لم يحدث وسوف لن يحدث على المدى القريب في تركيا وايران وسوريا .
اكثر من 70 % من بنات وابناء العراق , رحبوا واستبشروا عندما اصبح السيد جلال طالباني رئيساً لجمهورية العراق وليس العروبي الشوفيني الأرهابي طارق الهاشمي , والسيد هوشيار زيباري وزيراً للخارجية وليس البعثي المخضرم صالح المطلك .
لو لم يكن العراقيون شعباً اكثر انفتاحاً وتسامحاً واممية, والقضية الكوردية جزء من حراك الوعي العراقي لما اصبح الشعب الكوردي افضل حالاً واكثر مكاسباً من اشقاءه في تركيا وسوريا وايران , تلك الحقيقة قد يتجاهلها الغرور القومي لكن القفز عليها غير ممكناً .
القائد القومي , وبعد ان يصنع منه الحزب المؤدلج والجماهير المستسلمة, الرمز والقائد والمنقذ , وكل ما فيه عظيماً , ووحده يمتلك كامل الحقيقة ’ يصعد به الغرور القومي وسذاجة الوهم والأفراط في الثقة عالياً حتى نقطة السقوط فتسقط معه القضية .
ان محاولة اختزال القضية الكوردية في شخص السيد مسعود البرزاني , جلعت من المتضامنين مع الشعب الكوردي في مأزق الخلط بين قضيته وقيادته بعد ان اصبحت شروط التضامن محكومة بالبدء من الرئيس والأنتهاء بـه ,فاصبحوا ضحية بين مطرقة المنافع الشخصية وسندان سقوط القيم , انها معاناة مواقف لا يمكن اخفائها بأطنان التبريرات .
تستطيع القيادات الكوردية تجميع العشرات من التجمعات العربية للتضامن مع قضيتها , لكن مثل تلك التجمعات التي لم تنفع يوماً قضيتها العراقية سوف لن تقدم نفعاً للقضية الكوردية , انه المنزلق الذي لا يسير عليه من يحترم قناعاته ومواقفه وانتمائه , حالة اغتصاب تمارسها القيادة الكوردية مع قضية شعبها وتستأجر التجمعات العربية شهود زور لعملية الأغتصاب .
ان مأزق التضامن مع القضية الكوردية يمكن تفسره بثلاثة اسباب .
1 ـــ انتفاء حاجة القضية الكوردية الى ضرورة التضامن معها, حيث لو قارنا ما هو عليه الآن المكون الكوردي في العراق وبما عليه المكونات العراقية الأخرى وكذلك اشقائه في ايران وسوريا وتركيا , لوجدناه يحظى بوفرة انجازات وفائض مكاسب .
2 ـــ بعد ان ابتلعت شخصية السيد مسعود مجمل القضية الكوردية , ولا تقبل صيغ التضامن معها الا اذا مرت عبر بوابة المديح والثناء والأعجاب المنافق تبريراً للحضوة بمكرماته الشخصية , وهذا قد يفعله بعض الأستثناء , لكنه غير مقبولاً بشكل عام , وهنا اوقع القوميون الأكراد قضيتهم في مفترق لا يسير فيه من يحترم مواقفه وقناعاته وانتماءه .
3 ـــ كانت الدولة البعثية تمارس ارهاباً واضطهاداً وانفلة وابادات جماعية بحق الشعب الكوردي , الآن وبعد سقوط النظام البعثي في عام 2003 , اختلفت الصورة وانقلبت الوظيفة واصبحت حكومة الأقليم ــ متحالفة مع فلول ذات النظام الذي ارهب واضطهد شعبها ــ تمارس تنكيلاً واضطهاداً للدولة العراقية واذلالاً لكبرياء العراقيين , وبمزاجية عشائرية تحاول اسقاط حكومة انتخبها عرب العراق ومكوناته الأخرى دون ان تجد صوتاً كوردياً في صناديقها , وبكل بساطة ورهاوة يضع السيد مسعود السرج على ظهر القضية العراقية ليتجول بها بين بزارات واشنطن وانقرة وطهران والرياض وعواصم خليجية واخرى كارهة للمستقبل العراقي , يرخصها متوهماً انه اصبح مالكها .
الأخطر ما في الأمر , ان السيد مسعود والقوميين الأكراد , يساعدون الآن على اعادة خلق نقيضهم في الطرف الآخر , مع ان مصالح الشعبين الشقيقين العربي والكوردي على نقيض من تلك الثقافة المدمرة , تلك الحقيقة , لا يستوعبها الفكر القومي المتشنج , ولا ينفع معها ترحيلها خارج اطارها الكوردي , وبدلاً من ان تقوم القيادات القومية الكوردية بمراجعات نقدية الى مسؤوليتها عن الأحتمالات غير السارة التي سيسببوها لقضيتهم , تهرب الى الأمام بأتهام غيرها بالعنصرية والشوفينية , انه امر سهل لكنه ليس مخرجاً .
لو قدر لي زيارة الأقليم , لذهبت فوراً الى اقرب مقهى شعبية لأقدم لهم التهاني على المكاسب التي يحضى بها شعبهم , ودعوتهم للتضامن مع اشقائهم في مدن الجوع والحرمان والتخلف المزمن , وطلبت من اربيل استقطاع القليل من فائض حصتها من خزينة الدولة لتقدمها ـــ قرضة حسنة ـــ لشقيقتها البصرة , لا ان اثير السخرية والأشمئزاز وادعي على اني هنا للتضامن مع قضيتهم , انه المأزق الذي لا زال يعاني منه اليسار العراقي ويدفع ضريبته مكلفة .
القوميون الأكراد اختزلوا القضية الكوردية بمصالحهم الطبقية المتنامية في ظل الرئيس القائد وحمايته , يكذبون على انفسهم ويضللون شعبهم ولم يعودوا ذاك الوجه المقبول للقضية الكوردية , السيد مسعود البرزاني , القائد والرمز , اخطأ في التعامل مع القضية العراقية , وفقد مصداقيته امام الرأي العام العراقي واصبح اصلاح الأمر واستعادة الثقة على المدى القريب غير وارد , العراقيون ورغم خيبة املهم , سيحتفظون باواصر المحبة والأخوة والصدق في رغبة التعايش السلمي مع اشقائهم الكورد وجميع المكونات العراقية , وتركوا المبادرة لأستعادة ما كان الى قوى التغيير الديمقراطي من داخل الأقليم , تلك عملية تحدي للقائد والسلطة والمال والأعلام قد تكون مكلفة لهم , لكنها خيارهم الوحيد لأسترجاع دور شعبهم والوجه الوطني لقضيتهم .