أمريكا – إيران والسعودية وحرب النجوم الكونية
بقلم: الدكتور زاحم محمد الشمري
حين نتحدث عن حرب النجوم الكونية فإننا نستحضر بذلك أحداث أساطير الخيال العلمي في زمن سحيق جداً جداً، والتي تحكي قصة انهيار “الجمهورية القديمة” وصعود “الإمبراطورية الكونية” التي استطاعت أن تحكم المجرات الفضائية في حقبة زمنية موغلة بالقدم. بعد ذلك تدور رحى الحرب بين الإمبراطورية وفريق من المتمردين عليها، وتنتهي بقتل الإمبراطور وإعلان “الجمهورية الجديدة”. ومن ابرز سمات حرب النجوم الكونية إنها جمعت بين الدين والعلم والسياسة، كما احتوى الكون مترامي الأطراف على أحداث وقعت في عالمنا، ومازالت تنجب المآسي في عالم الشرق – العربي، والتي تنذر بانهيار تام في المنظومة الاجتماعية والجيوسياسية.
وبناءً على هذا التوصيف شرعتْ الولايات المتحدة الأمريكية في حرب النجوم الكونية على الأرض لتحول الخيال العلمي إلى حقيقة، بعد أن خلقت لها أعداء افتراضيين تحت مسمى طالبان أو القاعدة وداعش. وبدأت تحارب خارج مجرتها مجموعة من المتمردين المتبعثرين بين الدول، في كهوف الجبال النائية والأزقة والبيوت وتحت الصخور، لوأد الخطر في مهده قبل أن يصبح حقيقة تهدد الأمن الداخلي للمجتمع الأمريكي، أي نقل الحرب من الداخل الأمريكي إلى ابعد نقطة نائية في الخارج، وعلى غرار حرب النجوم والمجرات الكونية.
وتأسيساً على ذلك فقد حددت أمريكا، تحت شعار “الذي ليس معنا فهو ضدنا”، محاور الصراع، كمحور الخير المتمثل بحلفائها الغربيين ودول الخليج مثل السعودية وغيرها من الدول المرتبط وجودها بالوجود الأمريكي، ومحور الشر الذي يمثله العراق وإيران وسورية وكوريا الشمالية حسب وجهة النظر الأمريكية، لتبدأ سلسلة غزو الكواكب كما هو الحال في أفلام الخيال العلمي لحرب النجوم الكونية التي ابتكرها جورج لوكاس.
وفي خضم هذه الأحداث ظهرت دويلات لها ثقلها الديني والجيوسياسي، مؤثرةً ومتأثرةً في هذا الصراع مثل السعودية وإيران، الغريمين التقليديين، على الساحة الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط، اللذان يتنافسان على الزعامة في المنطقة بعد أن أفل نجم القاهرة وبغداد!
السعودية، التي أمستْ متهمة من قبل دول غربية وأخرى شرقية بدعم القاعدة والتطرف الديني في العالم برضا أمريكي خجول، والذي أصبح وابلاً عليها بعد أن شُوهتْ صورتها عالميا بدعم الإرهاب، تحاول اليوم بشتى الطرق والوسائل أن تبعد شبح الحرب الداخلية عنها على غرار حرب النجوم الأمريكية. حيث قامت في الوهلة الأولى بفتح حدودها لهجرة الإرهابيين للقتال في دول أخرى مثل أفغانستان والعراق وسورية وليبيا، وأخذت دون جدوى تتدخل في شؤون الدول العربية لتغيير أنظمتها حسب المزاج الأمريكي بهدف المحافظة على سلطانها. ولكن رغم كل ما قامت به لم تحض المملكة العربية السعودية برضا الإمبراطورية الكونية الأمريكية بشكل كامل لأسباب عدة، منها الضجة الإعلامية العالمية ضد السعودية واتهامها بدعم الإرهاب والتطرف الديني العالمي، وتقاطع المصالح بين ما تطمح إليه أمريكا وما ترغب به السعودية، ناهيك عن رغبة الولايات المتحدة، التي تلوح بها بين الفينة والأخرى، بتغيير النظام السياسي في السعودية حين يتوفر البديل المناسب والظروف المؤاتية لذلك. وحين اهتز عرش المملكة السعودية، وشعرت بأنها باتت مهددة بحرب إرهاب داخلية، ومن اجل كسب ود الأمريكان، الذين باتوا اقرب إلى إيران مضموناً وابعد إليها شكلاً، أعلنت إنشاء التحالف الإسلامي بزعامتها نهاية العام 2015، واستعدادها مع عدد من دول الخليج للمشاركة بقوات برية في الحرب ضد (داعش) الإرهابية في سورية، بعد أن عجزت عن حسم المعركة في اليمن ضمن التحالف العربي، والتي خلفت وراءها الكثير من الضحايا والمشردين حسب إحصائيات منظمات الإغاثة الدولية.
أما إيران المحصنة بخبرة الحرب العراقية – الإيرانية، والتي وضعت في خانة محور الشر كما أسلفنا، فقد استعدت بشكل جيد لمواجهة المارد الأمريكي بحنكتها السياسية التي لا تؤمن بالمغامرة والدعاية الهوائية، حيث استطاعت، وعلى غرار حرب النجوم الكونية، أن تقلب الطاولة على أعدائها برضاهم ومباركتهم، حين جعلت الساحة الإيرانية بمنأى عن ساحة الصراع الأمريكية في المنطقة العربية، ابتداءً من الحرب العراقية – الأمريكية عام 2003، والنفوذ الإيراني في المنطقة الذي بات ينافس النفوذ الأمريكي المدجج بالحديد والنار، وانتهاءً بالملف النووي الإيراني والوضع الحالي في سورية، التي أدت بالنتيجة إلى ترويض المارد الأمريكي، واستجابته في نهاية المطاف إلى تحقيق أهداف وأماني السياسة الإيرانية في المنطقة والانفتاح على الغرب الذي صار متعطشا لفتح أبواب قنوات العلاقات السياسية والاقتصادية على مصراعيها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال الزيارات التي قامت بها الوفود الأوروبية إلى إيران بعد توقيع الاتفاق النووي وغلق الملف، والاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم والعقود الضخمة التي أُبرمتْ مع كبريات شركات الدول الأوروبية في مجالات النفط والغاز والبنى التحتية، تزامناً مع الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى مجموعة من الدول الأوروبية، والتي تقدر بمليارات الدولارات. وبذلك انهارت أمامها الإمبراطورية الكونية محققةَ الانتصار للجمهورية الإسلامية الجديدة، كما هو الحال في حرب النجوم سالفة الذكر.
ولكن رغم كل ذلك فإن التطورات السريعة بعد عملية الشد والجذب القوية بين إيران والغرب تطرح عدة تساؤلات منها: هل من المعقول أن تكون ابتسامة الغرب العريضة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدون ثمن تدفعه لاحقاً؟ هناك حقيقتين لابد من التطرق إليهما، والتي من الممكن أن تناغي موقف الغرب تجاه إيران:
أولاً: إن طبيعة المجتمع الإيراني تختلف تماماً عن طبيعة المجتمعات العربية التي تربت على ثقافة النفور من الثقافات الأخرى، وخاصة المسيحية واليهودية بسبب تراكمات نفسية دينية وسياسية تاريخية كثيرة معروفة للجميع، كذلك غياب المؤسساتية والحرفية في العمل الإداري بأغلب البلدان العربية، بالإضافة الى انعدام الأمن والمحسوبية والفساد الإداري والاقتصادي الذي ينخر في جسد تلك البلدان. وعليه من الصعوبة أن تجد الشركات الأجنبية العملاقة بيئة استثمارية صالحة في العالم العربي على مر الزمن، وعلى عكس ما ترى من إيجابيات الاستثمار في إيران، خاصة في فترة حكم الشاه، وهذا مؤشر ايجابي في العلاقة الحالية، حيث لم يلاحظ الغرب أن هناك ردة فعل سلبية أو عدائية تجاههم من المجتمع الإيراني، كذلك لم يعكس الإيرانيون الذين يعيشون في أوروبا ويعملون في مختلف الاختصاصات صورة سلبية عن مجتمعهم، على عكس ما يقوم به العرب المقيمون هناك من أعمال خارج إطار القانون والأخلاق، إلى جانب التطرف الديني الذي شوه صورة الإسلام والمسلمين في نظر المواطن الغربي، الذي يعتبر العرب الممثلين الحقيقيين للإسلام كونه انطلق من مضاربهم ليجتاح العالم، ويعد الإسلام أيضا الماركة التي تعرف بالعربي أينما كان بغض النظر عن المسلمين الآخرين الذين تنطق ألسنتهم غير العربية.
ثانياً: أما الحقيقة الثانية فتتعلق بعمل الغرب على إدامة الصراع في منطقة الشرق الأدنى، المنطقة العربية، لاستنزاف مواردها المادية والبشرية وتعطيل التنمية الاقتصادية والبشرية فيها. وهذا هو هدف العولمة في صناعة الأسواق الأكثر استهلاكاً للسلعة الحربية غالية الثمن وذات المردود المالي الكبير. ولذلك فإن التطور العمراني وتنمية المشاريع المستدامة وخاصة الإنتاجية منها في سورية والسعودية ودول الخليج العربي الأخرى، وكذلك الاكتفاء الذاتي الصناعي والزراعي في إيران، لا يخدم إطلاقاً هذا التوجه.
وعليه من المحتمل أن يكون هناك عزف غربي على أوتار توتر العلاقات السياسية بين السعودية وإيران بشكل خاص، ودول الخليج وإيران بشكل عام، لشعل فتيل حرب أقرب إلى الطائفية منها إلى الإقليمية بينهما، وعلى غرار حرب الثلاثين عاماً التي حدثت في أوروبا في القرون السابقة. فسوء العلاقة السطحي بين السعودية وأمريكا حالياً لعدم تحقيق رغبات الأول في المنطقة، وتحقيق الأمريكان لمطالب إيران على عكس ما يتمناه السعوديون ودول الخليج المتحالفة معهم، يهدف إلى جعل إيران تثق بالغرب أكثر فأكثر، ليكون الداعم لها في تنفيذ أجندتها في المنطقة، والتي ستقودها في نهاية المطاف إلى الاصطدام بالسعودية وحلفاءها، وتنشب حرب لها أول ولكن ليس لها آخر شبيهة بالحرب العراقية – الإيرانية، تستنزف الطاقات الكامنة لإيران والبلدان العربية المجاورة لها، بعد أن يقوم الغرب بإدامة وإطالة أمد الحرب من خلال الدعم اللوجستي للطرفين ومدهم بالسلاح والمال بحكم العلاقة الطيبة بينهما.
لذلك فإن أي تهور من احد الأطراف يهدف إلى إشعال حرب في المنطقة سيكلفها خسائر جسيمة، ويجعل أطراف الصراع يعضون إصبع الندم في وقت لا ينفع فيه جلد الذات. وعليه يجب على جميع دول المنطقة وبالتخصيص السعودية وإيران أن تعي دروس التاريخ وحجم المؤامرة التي تتعرض لها دول إقليم الخليج العربي، وتعود إلى رشدها في تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية بينها، وبما يخدم الشعوب الإسلامية التي تطمح أن يعم ربوعها السلام والأمان والتعايش السلمي القائم على أساس احترام الآخر. وبهذه الطريقة سوف تنتهي حرب النجوم، ويحجم تمدد الإمبراطورية الكونية الأمريكية بانتصار المتمردين عليها. (وجهة نظر شخصية)