محمد شمس الدين بريفكاني
تحت ضلال الرايات الإسلامية الخضراء والسوداء، وعلى صيحات ألله أكبر ولا إله إلا الله، قامت يوم أمس الثلاثاء مجموعات كبيرة من الغوغاء والجهلة والمخربين، وبدعم وتحريض من بعض قياداتهم الإسلامية السياسية المشبوهة،
بمسيرة جاهلية غير مرخصة، في بعض مناطق العاصمة أربيل، إحتجاجا على نشر إحدى المجلات الكوردية مقالا لكاتب مغترب، إعتبرته بعض الأطراف السياسية مسيئا للإسلام، وعملت على إستغلاله للهجوم على حكومة أقليم كوردستان، من خلال تهييج السذج من الجماهير، والعملاء والمخربين من داخل تنظيماتهم الدينوسياسية التي تلبس عباءة الإسلام، ودفعهم إلى التظاهروالقيام بأعمال تخريبية ضد برلمان أقليم كوردستان وبعض المؤسسات والممتلكات الحكومية والأهلية، ملحقين الكثير من الأذى بعاصمتنا الهادئة الجميلة وبسكانها الآمنين، بالرغم من أن حكومة الأقليم ليست لها أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بموضوع المقال أو نشره، بل بالعكس فقد إستنكرت الحكومة ذلك المقال وأغلقت المجلة وتوقفت عن الصدور، وأعتقد بن الأمر كان يجب أن ينته عند هذا الحد، ولا مانع أن توجيه بعض الإنتقادات البناءة، أو القيام بتظاهرة سلمية مرخصة، أوإسداء النصائح والإرشادات من قبل بعض الأطراف السياسية والدينية، للتشديد على مراقبة المواد والمقالات قبل نشرها، يكون الهدف منها الإصلاح وتجنب نشر مثل هكذا مقالات مسيئة مستقبلا، إحتراما للقيم والمشاعر الدينية. سيما وإن دستور أقليم كوردستان قد أعطى حق وحرية النقد والتظاهر والإحتجاج للجميع منظمات وأحزاب وحتى أشخاص، شريطة أن تكون بطريقة شفافة وديمقراطية، تهدف إلى خدمة المصلحة العامة وإصلاح الأخطاء.
لكن قادة الإسلام السياسي الذين يتلقون التعليمات والتوجيهات من خارج حدود الأقليم، وكما هو معروف عنهم يحاولون دائما الإصطياد في الماء العكر، وإستغلال أية فرصة تتاح لهم تمكنهم من وضع العصي والمعوقات أمام عجلة التطور والنمو التي تجري في أقليم كوردستان، والوقوف بوجه التحولات السياسية والديمقراطية الكبيرة والناجحة التي تحدث في الأقليم، خدمة لأسيادهم في الخارج وتحقيقا لأهدافهم الخيانية والتخريبية ضد الوطن والمواطن الكوردستاني، ومحاولة منهم في نشر آيديولوجيا سلفية مرتبطة بالفوق السماوي والرموز الدينية الأرضية، وتعميم ثقافة الخوف والترويع وإلغاء الآخر، فقد سارع منظموا تلك المسيرة والتظاهرات إلى تغيير مسارها السلمي الذي بدت عليه في بادئ الأمر، لتنزلق بعد ذلك وبسرعة إلى مسار العنف والتخريب. ولأن المظاهرة لم تكن أصلا ردا أو إحتجاجا على المقال المنشور فقد تحولت وكما هو مخطط لها إلى مظاهرة مدمرة، أو غزوة إسلامية جديدة ضد مواقع الكفر وأعداء الله في أربيل، وأحدثت هذه الغزوة {غزوة أربيل} الكثير من الفوضى، وخلفت وراءها الكثير من الدمار، وعددا من الجرحى من بين المواطنين ورجال الشرطة والأمن، الذين يسهرون على راحة وأمن وسلامة سكان أربيل، والذين أبدوا مشكورين أقصى درجات الحرص والإنضباط في التعامل مع الحدث، وتحلوا بالروح الوطنية وعملوا بشعور وإلتزام عال بالمسؤولية، من أجل السيطرة السلمية على الوضع وإستيعاب الموقف.
لا أعلم بأي منطق وبأي فكر، ووفقا لأية نظرية يقوم البعض الخبيث بمثل هذه الأعمال الشنيعة والشريرة ضد شعبه ووطنه وممتلكاته!!
وأية نفوس ضعيفة، بل مريضة تكمن داخل أجساد من يقومون بمثل هذه الأفعال المخزية أو يأمرون بها!!
هل هم وكلاء الله على الأرض؟ أم جنوده وصحابة رسوله؟ وهل لا زلنا نعيش عصر الغزوات والفتوحات الإسلامية؟ بعد أن قطع العالم أشواطا بعيدة من التقدم والتطور والرقي، في كافة المجالات، خاصة في مجال إحترام حرية وحقوق وكرامة الإنسان،
ألا يعلم هؤلاء المرضى بأن ما تحقق في كوردستان من تقدم وإزدهار، وحالة الأمن والسلام التي تسود الأقليم، وأجواء الحرية والديمقراطية والإنفتاح التي نعيشها اليوم، لم تأت من العدم، ولم تمنح لنا كمكرمة من أحد، ولم يستوردها شعبنا أو قادتنا من خارج الحدود،!! بل هي وكما يعلم الجميع، ثمرة طيبة لنضال سياسي وعسكري طويل ومرير خاضه شعبنا ضد أعتى أنواع الدكتاتوريات في العالم، ثمرة لتضحيات ومآسي شعبنا لعقود طويلة من الزمن، تخضبت بالدماء والدموع والآلام، راح ضحيتها على طريق المجد والحرية، مئات اللآلاف من الشهداء الأبرار، الذين ضحوا بأرواحهم الزكية الطاهرة ليصبحوا كواكب منيرة وزاهية في سماء كوردستان، لينيروا لنا طريق الحرية والحياة الكريمة التي نعيشها اليوم.
فكيف يجرأ البعض على الإستهانة بكل هذه التضحيات! وبدماء الشهداء وأنين الأمهات! وبدموع الثكالى والأيتام.
والله إن كلمة خائن للشعب والوطن، هي أقل ما يمكن أن يقال بحق كل من يستهين بهذه المقدسات، ويمد يده بسوء إلى أرض وشعب كوردستان مهما كان، ومن كان، وإلى أية جهة دينية أو سياسية كان إنتماءه.
إن ما حدث في أربيل، وقبلها في زاخو وسميل ومناطق أخرى، هو إعلان حرب بين قوى الجهل والتخلف الظلامية التي ترفض الديمقراطية والمدنية من جهة، وبين المفاهيم والقيم والمبادئ الإنسانية والديمقراطية من جهة أخرى، حرب يراد منها تدمير كوردستان من الداخل بأيدي قذرة ونفوس ضعيفة، بعد أن عجزت قوى الشر المعادية لحقوقنا وتطلعاتنا القومية المشروعة من إلحاق الأذى بكوردستاننا من الخارج، فسخرت فايروساتها الخبيثة لتنخر في الجسد الكوردي من الداخل، ضنا منها بأن النجاح سيكون حليفها، وإن الشعب الكوردي ستنطلي عليه هذه الدسائس والمؤامرات الرخيصة المختومة بإسم الدين، والتي تأتي غالبا كفتاوي دينية ملغومة ومبطنة، يطلقها بعض رجال الدين المتخلفين، لتحل حسب غبائهم محل القوانين المدنية الإنسانية والديمقراطية، التي وضعتها حكومة أقليم كوردستان. وقد فاتهم وغاب عن أبصارهم وبصيرتهم بأن الشعب الكوردي أذكى من ألاعيبهم وفتاويهم بكثير، وإنه لن يضحي بما تحقق له من مكاسب وحقوق قومية وإنجازات وطنية كبيرة، لأية أسباب وتحت أية شعارات وآيديولوجيات.
كوردستان تمر اليوم بمرحلة حرجة وحساسة وخطيرة أيضا، حيث تمر بمرحلة المخاض والتحول من الفدرالية إلى الدولة المستقلة، بعد أن إقتربت فيها الكثير من العوامل الذاتية والموضوعية التي تقوم عليها الدول الحديثة إلى درجة الإكتمال، من بنية تحتية وإدارة ذاتية سياسية وإقتصادية ناجحة، وعلاقات دبلوماسية واسعة ومتشعبة مع الكثير من دول العالم، التي أصبحت لديها مكاتب وقنصليات في عاصمة الأقليم.
لذلك واجب علينا نحن الكورد كمواطنين، أن نكون حذرين وحريصين لتشخيص مثل هذه الحالات والفتاوي، وفضحها وتعرية أهدافها، وأن نكون يدا واحدة وصفا واحدا ضد كل المخططات الشريرة التي يراد منها المس بأمننا وسلامتنا، وإلحاق الأذى بتجربتنا الوطنية الديمقراطية.
ومطلوب من حكومتنا أن تضرب بيد من حديد كل عناصر التآمر والتخريب العميلة، التي تحاول الإساءة إلى الشعب والوطن الكوردستاني، خاصة المحرضين، سواء كانوا سياسيين أو رجال دين، وأيضا العمل بجد ومصداقية ومسؤولية، على إعداد وتهيئة أجيال جديدة مخلصة من الأساتذة والفقهاء ورجال الدين، يؤمنون بالعلم والديمقراطية، ويحترمون القوانين المدنية التي يتساوى أمامها جميع مواطني كوردستان بغض النظر عن إنتماآتهم الدينية والقومية وحتى الفكرية. لكي نسير بثقة وثبات نحو بناء دولة المؤسسات التي عليها ستقوم دولتنا الكوردية المستقلة.
المانيــــــــــــا