يشهد العراق بؤساً سياسياً وفوضي مسلحة داخل السلطة وخارجها، وتطبيق قانوني معكوس وانتقائي يستنزف كيان العراق ويغيب المواطنة ويصادر الحريات المنصوص عليها في القوانين الدولية والدساتير الوطنية، ويعصف به مناخ الطائفية الأصولية ومافيا السياسية الفاسدة، مصحوبا بزوابع الأزمات المفتعلة وعواصف التقسيم المفدرل لتفكيك الجيوبولتيك العراقي، ويلوح في الأفق السيادي شبح الحرب الطائفية بركائزها المليشياوية الزاحفة إلي غالبية الدول العربية انطلاقا من العراق الديمقراطي لطوئفة المنطقة في حرب المائة العام القادمة.
تؤكد القيم القانونية والمفاهيم الدولية أن الدستور العراقي فاقدً للشرعية الدولية والأهلية الوطنية، لعدم اتساقه بالقواعد الآمرة للقانون الدولي وتغيب محركات أعداد الدستور:
1 ــ وجوب تكليف جمعية تأسيسية منتخبة لإعداد الدستور.
2 ــ لا وجود للقانون الدولي إذا لم تكن هناك دولة.
3 ــ لا وجود للقانون الدستوري قبل قيام الدولة ونشأتها.پ
تلك القواعد الآمرة أعلاه غير متوفرة عند إعداد الدستور العراقي، لان الدستور (Constitution?) هو “القانون الأعلي الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة” حيث جري التحايل علي القاعدة الأولي “تكليف جمعية تأسيسية منتخبة لإعداد الدستور” وتم انتقاء أعضاء صياغة الدستور من الأحزاب الانفصالية المرتبطة بشركات النفط القابضة، والأحزاب والمليشيات الوافدة من إيران والتي خاضت حرب جيوش لثماني سنوات وحرباً باردة تجاوزت العقد، وكذلك جري التحايل علي القاعدة الثانية والثالثة أعلاه حيث جري تفكيك الدولة ومؤسساتها وإلغاء كيان العراق ومحي تاريخ إنشاء الدولة العراقية، وبذلك لا شرعية لدستور ليتسق مع القواعد الآمرة في القانون الدولي، كون العلاقة بين القانون الدستوري والقانون الدولي العام “كلاهما يشتركان بكونهما من فروع القانون العام وعندما يتعارض قوانين لدستور مع القانون الدولي يعتبر غير شرعي”.
غيب الدستور الهوية الوطنية الشاملة وأذكي حرب الهويات الفرعية لتستهدف وحدة العراق وتمزق نسيجه الاجتماعي، وذهب لتوثيق الفدرالية الطائفية والعرقية، وسلخ المحافظات المتنوعة لتكريدها وأبرزها المادة 140 والمرحلة من قانون إدارة الدولة الذي فرضه الحاكم العسكري برايمر، وتشرعن المادة التهجير بما يتنافي مع نص الماد (23) من الدستور نفسه:
أولا: الملكية الخاصة مصونة ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها في حدود القانون.
ثانيا: لا يجوز نزع الملكية إلا لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل، وينظم ذلك بقانون.
ثالثاً: أ: للعراقي الحق في التملك في أي مكان في العراق، ولا يجوز لغيره تملك غير المنقول إلا ما استثني بقانون. بــ: يحظر التملك لأغراض التغيير السكاني وتؤكد علاقة القانون الدستوري بالقانون العام أحقية الفرد العادي بمقاضاة دولية أذا انتهكت حقوق وحريته. جميع التجارب الفيدرالية والتي تحصي بـ 14 تجربة لتتسق مع الفيدرلة العراقية المعكوسة قانونيا، لان الفيدرالية تعني جمع دول أو إمارات متفرقة تشترك بالتاريخ والموقع والعرق واللغة في فيدرالية وطنية موحدة وفق هندسة سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية ناجعة، ولعل أقربها للعراق دولة الإمارات العربية كتجربة ناجحة، وعلي العكس في العراق تستخدم الهندسة القانونية والسياسية والاجتماعية المعكوسة لتفكيك كيان العراق إلي أقاليم وفيدراليات بعد صناعة بيئة التقسيم وتهيئة أدواتها السياسية وتمويل منظوماتها الإعلامية، وأكد الانكليزيين “ألبرت دايس” و”جيمس برايس” وهم يصنفون الفيدرالية كشكل من أشكال الحكم تكون فيه السلطة موزعة بين الحكومة المركزية ووحدات اصغر (الأقاليم) يعتمد بعضهما علي الآخر، وحددا شرطين أساسيين لتشكيل الفيدرالية وهي:
1 ــ وجود عدة دول وثيقة الارتباط ببعضهما محليا وتاريخيا وعرقيا لأجل ان يقبل سكانها هوية وطنية واحدة ــ أي لا يجوز تفكيك دولة إلي فيدراليات.
2 ــ الرغبة الوطنية في الوحدة الوطنية والتصميم علي المحافظة علي استقلالها ضمن الاتحاد ــ أي ليجري تمزيق الوحدة الوطنية وفق فلسفة الهندسة القانونية المعكوسة.
يمارس النظام السياسي المتصدع في العراق الهروب إلي الأمام، ويذهب إلي تصدير الأزمات لصرف أنظار الرأي العام عن الفشل السياسي الناتج عن عدم شرعية الدستور ومخالفته القواعد الآمرة في إعداد القانون العراقي الأعلي الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة، اذن يعد الدستور لحماية كيان العراق “الأرض الشعب الدولة” وخلافا لذلك يعد باطلاً، ونشهد غياب الحياة الدستورية في العراق عبر سلوك وممارسات السلطة التي صنعت بيئة الاحتراب والتقسيم عبر ممارسي التكفير المهني والطائفي والسياسي لاحتكار السلطة، إضافة إلي ازدواجية المجتمع الدولي ودوره السلبي في تمزيق العراق بعيدا عن القيم القانونية والمفاهيم السياسية والأبعاد الاستراتيجية، وتركه فريسة لممارسي الهندسة المعكوسة الساعية لتقسيم العراق، وبذلك لابد من وقفة جادة لصياغة استراتيجية مسؤولة تحشد الشعب العراقي لحماية كيانه الممزق، وإعادة رسم الخارطة السياسية والقانونية، لإخراج العراق من الفوضي المسلحة الشاملة، بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي السريع وملء الفراغ الإيراني الأسرع وتهريب الأسلحة المتعاظم للمليشيات الطائفية، والذي سيقود العراق إلي الصدام المسلح الوشيك وحرب الإبادة الطائفية التي تلوح في الأفق.
حمي الله العراق والعراقيين من البطش المطلق والطائفية الأصولية ودعاة التقسيم
الفيدرالية والتقسيم
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا