مير عقراوي / كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية
[ إنهم – أي العرب – يعارضون الإستعمار اذا كان موجها ضدهم ، ويؤيدونه اذا كان منهم على غيرهم ]! علي الوردي
في زيارته أمس الى أربيل عاصمة إقليم كوردستان إلتقى السيد مقتدى الصدر مسؤول التيار الصدري رئيس إقليم كوردستان السيد مسعود البارزاني وسلّمه ورقة سياسية مكوّنة من ثماني عشر نقطة تتعلق بالوضع العراقي وتصوراته نحو القضية الكوردية في العراق . كما إلتقى السيد الصدر في نفس اليوم ، وفي العاصمة أربيل أيضا بالرئيس العراقي السيد جلال الطالباني .
يبدو واضحا – للأسف الشديد – إن الحكومة العراقية الحالية ، ومعها الأحزاب والتيارات السياسية بمختلف مناهلها الفكرية والعقدية ، ومعهم كذلك غالبية المثقفين العراقيين لم يطرأ عليهم أيّ تغيير إيجابي وعادل حيال القضية الكوردية . إذ أنهم كالحكومات العراقية السابقة منذ تأسيس العراق على يد الإنجليز ككيان سياسي في عام ( 1921 ) من القرن الماضي ، حيث إلحاق جنوب كوردستان عنوة وقسرا بالعراق الوليد الجديد يومها ، حتى عام ( 2003 ) حيث سقوط حكومة حزب البعث العراقية يرفضون الاعتراف بالحقوق الكوردية المسلوبة في إقليم جنوب كوردستان ، وانهم مازالوا يحاولون على هضم
وقضم المزيد من الحقوق الكوردية الواقعة في دائرة الغصب والاحتلال الحرام ! .
إن القادة والمثقفين العراقيين في الماضي والحاضر ، والعرب منهم عموما علاوة على إغتيال مبدأ العدالة والمساواة فإنهم يبنون مواقفهم السياسية على السياسة الدولية الجائرة نحو القضية الكوردية ، لا في العراق الذي يحتل الجزء الجنوبي من كوردستان ، بل في جميع أجزاء كوردستان المحتلة أيضا . وفي هذا الإتجاه ، وفي إتجاهات أخرى أيضا فإن السياسة الدولية هي سياسة سلبية خاضة لأِبشع أنواع الاستخدام اللاإنساني بالنسبة للشعوب المظلومة والمضطهدة ، بل يمكن القول إنها سياسة قذرة ولاأخلاقية بكل المعايير والموازين للأسى البالغ ، إذ يبدو جليا إن هذه الساسة فاقدة لقيم
العدل والمساواة والكيل بمكيال واحد ، وبميزان واحد ، وبقانون واحد ! .
على هذا الأساس الفاسد والباطل ، وعلى أساس موروثات وتأريخ وثقافة وسخافة سايكس – بيكو تؤسس الحكومات المحتلة لأجزاء كوردستان ، مضافا غالبية مثقفيهم ومتعلميهم رؤاهم ومواقفهم وتصوراتهم ورهاناتهم . وهذا لعمر الحق فاسد أساسه وجائر بنيانه وباطل قياسه ومزيف تأريخه ويا { ليت قومي يعلمون } ! .
كنا فيما مضى ننتظر أن لايسلك الاخوة الاسلاميون والحركات والأحزاب الاسلامية العراقية والسورية ، ومعها طبعا الايرانية والتركية أيضا هذه السياسة الفاقدة لقيم العدالة والانسانية والقانونية والشرعية ، لكن إنتظارنا كان عبثا في عبث ، وإنه لم يكن في محله على الاطلاق . إذ لافرق بين الاسلاميين وغيرهم في المواقف السياسية تجاه القضية الكوردية ، حيث الكل مُشتركون ومُجْمِعون ومُتّفقون على النفي والرفض والانكار الفاضح والفضيع لحقوق الأمة الكوردية المجزأة ، بالاضافة الى كيل الاتهامات الجائرة للكورد من كل صنف ولون . ومن المفارقة والدهشة إن الحكومات
الجارة والمحتلة لأِجزاء كوردستان لايتحدون ولايُجمعون ولايتفقون على شيء إلاّ على ضرب الكورد وكوردستان سياسيا وإعلاميا وعسكريا وإقتصاديا ، داخليا وإقليميا ، ثم على مستوى العالم كله ! .
ضمن هذا المخطط ، وضمن هذا التصور ، ومن خلال هذه المدرسة السياسية الجائرة تم صياغة ورقة السيد مقتدى الصدر ذو الثماني عشر مادة فيما يتعلق بالقضية الكوردية لإقليم كوردستان الذي وهبه جنابي سايكس – بيكو للعراق في إتفاقيتهما المعروفة بإسميهما ، في عام ( 1916 ) من بدايات القرن العشرين المنصرم . !
في ورقته السياسية اللاعادلة هذه لم يذكر السيد مقتدى الصدر مرة واحدة ، ولا في مادة واحدة من مواده الثماني عشر القضية الكوردية ، ولا حقوق الشعب الكوردي المسلوبة أبدا ، بل إنه صاغ مواده بشخصية الآمر والناهي ، إذ إنه بدأ مادته الأولى بلفظ ؛ [ يجب ] . تقول المادة المقتدائية الأولى ؛ [ يجب تقديم مصالح العراق على على المصالح الحزبية والطائفية والعرقية ] . وبحسب هذه المادة والمادة الثانية التي تليها من المواد الواردة في ورقة السيد مقتدى الصدر التي تقول ؛[ التأكيد على وحدة العراق وسلامته وإستقلاله ] ، فإنه ستعاد القضية الكوردية في إقليم كوردستان والعراق
الى المربع الأول ، و( تعال فَهّمْ أحمد آغا ) كما يقول المثل الدارج بالعامية العراقية ! .
إن السيد مقتدى الصدر ، كما الحكومات الأخرى المتقاسمة المستعمرة لأجزاء كوردستان لم يبن تصوراته ولا ورقته السياسية على أساس القرارات الواردة في الشريعة الاسلامية ، ولا على أساس القرارات والمواد الواردة في مقررات الأمم المتحدة اللتين تُحَرِّمان وتمنعان وتمانعان وتُنَدِّدان بالاحتلال والغصب لأِراضي الشعوب ، أو الاستمرار في الاحتلال والغصب ، أو العدوان عليهم بأيّ شكل من الأشكال . وفي هذا الأمر إن أردتم الإحتكام الى الشريعة الاسلامية ، أو الى شِرْعَةِ منظمة الأمم المتحدة ومقرراتها فأهلا وسهلا ، وهو عين الصواب أيضا . أما بغير ذلك كما هو الحال مع
هذه الورقة المقتدائية اليجبية ، أو كما هو الحال مع مواقف وتصرفات الحكومات الأخرى المحتلة لأِقاليم كوردستان فستظل القضية الكوردية بدون حل عادل ومشروع . وفي هذا المُفترق العصيب للشعب الكوردي كل الحق والمشروعية في المقاومة ، وفي النضال بجميع السبل المشروعة دفاعا عن مغدوريته التاريخية وحقوقه المغصوبة وحريته السليبة ، ومن أجل تقرير مصيره السياسي والكياني والوطني والقومي بنفسه بعيدا عن التبعية والاحتلال والآمرية ! .
وفي المادة السادسة من ورقته يصف السيد مقتدى الصدر إسرائيل بأنها كيانا إرهابيا غاصبا ، لكنه لكل الأسف لايتغاضى عن غصب إقليم كوردستان وحسب ، بل إنه يُبَرِّرُ غصب الاقليم الكوردي والاستمرار في الاحتلال والغصب الحرام والمُحَرَّمِ تحريما قاطعا في الشريعة الاسلامية . والغصب في ميزان الشريعة الاسلامية ممنوع وحرام سواء مَنْ قام به مسلم ، أو غير مسلم ، وسواء صدر الغصب من كوردي ، أو عربي ، أو غيرهما من الشعوب ، أو حتى فرد من الأفراد ، ولا فرق في ذلك في العقيدة والديانة ، أو في الأرومة والجنس والقومية واللون ! .
وفي المادة الثانية عشر يقول السيد مقتدى الصدر بأن [ العراق مهبط الكثير من الأديان والأنبياء والرسل ، فعليه أن يكون الحاضنة لكل الأديان …] . العراق ليس وحده المهبط للأنبياء والرسل الكرام عليهم السلام ، بل إن بلدان العالم كافة هي مهبط للأنبياء بنص القرآن الكريم ؛ { ولقد أرسلنا في كل أمة رسولا أنِ آعبدوا الله وآجتنبوا الطاغوت } النحل / 36 . فمثلا كوردستان كانت مهدا ومستقرا لنوح وابراهيم ويونس ودانيال وأصحاب الرس وزرادشت وغيرهم عليهم السلام . نحن نقرّ بأن العراق وفلسطين وغيرها هي المهد والمستقر للأنبياء والأديان ، فلماذا أنتم لاتعترفون بالمقابل بأن
كوردستان هي أيضا مهد الديانات والأنبياء الكرام والحضارات !؟