بقلم: الدكتور زاحم محمد ألشمري
كتب المستشرق الهنغاري ماروت مكلوش مقالاً نشرته مجلة “الدانوب الأزرق” في عددها 44 يناير 2015، تحدث فيه عن “الربيع العربي” المثلج الذي عم العالم العربي، وما أعقبه من أحداث دامية أدخلت البلدان العربية في صراعات داخلية قضت مضاجع التطور فيها، بل وهدمت كل شيء ايجابي تمتلكه تلك البلدان ابتداءً من التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة وانتهاءً بالتطور الثقافي والحضاري الذي لم يسلم من التخريب المتعمد، حيث دمرت ماكنة الشر والتخلف كل ما هو مبتسم على أديم هذه الأرض الطيبة، وأضحى المسلم فيها يكفر ويقتل بدم بارد أخيه المسلم، والعربي يقتل أخيه العربي الشريك الأزلي في الوطن واللغة والدين والتاريخ، ليس لذنب اقترفه، وإنما لأنه يخالفه في الفكر أو عقيدة الدين والمذهب.
حيث يذكر المستشرق مكلوش بألم أن نسيم “الربيع العربي” المثلج لم يأت بجديد للمنطقة العربية. ففي “ليبيا يتحارب المسلمون ضد بعضهم البعض بسبب اختلافاتهم القبلية، وفي اليمن يقتتل المسلمون العرب بسبب انتماءاتهم القبلية والدينية المذهبية (سنة – شيعة)”، وفي البحرين تحاول الأقلية إيقاف احتجاجات الأكثرية، “وعلى مساحات في سورية والعراق يقوم تنظيم (ما يعرف) بالدولة الإسلامية بعمليات القتل دون تمييز. يقوم بقتل الأكراد لأنهم أكراد والسريان لأنهم سريان والمسيحيين لأنهم مسيحيين والشيعة لأنهم شيعة والسنة لأنهم ليسوا سنة بالقدر الكافي بحسب رأيه. فالعقل هنا قد توقف ولا يوجد أحداً يأمر بعملية إيقاف انتشار هذا الأمر الغير عقلاني.”
يرى مكلوش أن هناك الكثيرين الذين يعملون من خلف الستار لتمويل هذه الإعمال الإجرامية ويمدونها بالمال والسلاح والجنود بهدف استمرار إيقاد نيران الأحداث. “فتنظيم (ما يعرف) الدولة الإسلامية الدموي”، يقول مكلوش، “يحارب بأسلحة أمريكية” رادا على المدافعين “بأسلحة أمريكية أيضاً. لتكون إراقة الدماء والقتل أكثر في الدول العربية، وبنفس الوقت تكون الإفادة المالية أكبر لمصانع الأسلحة الغربية. هذا الغرب الذي امتد بعد الحرب العالمية الأولى متدخلاً بسياسات المنطقة وقام بإيجاد دولاً لم تكن موجودة من ذي قبل وخلق قوميات جديدة تصادمت مع القومية العربية التي تقوم على أساس “الأمة”.” … حيث “قامت القوى الغربية بإيجاد دولة إسرائيل بما يحيط بها من توترات ومآسي إنسانية، ومن ثم تركت كل هذا مع ما ينتج عنها من مشاكل كثقل مليء بالضغوط على العالم العربي حتى يومنا هذا.”
ويشير أيضاً إلى مطامع الاستعمار الغربي في ثروات العالم العربي الطبيعية ومحاولاته الحصول عليها بأسعار زهيدة”، متسائلاً: “هل استطاع العالم العربي في الآونة الأخيرة تمثيل مصالحه بشكل جيد؟” ويجيب مستطرداً: ” … لم تستطيع دول المنطقة اقتصاديا إيجاد ذاتها، لذلك انطلقت الهجرة من منطقة الشرق الأوسط تجاه الدول الأوروبية الغنية … وبسبب الاختلافات الثقافية والدينية الكبيرة لم يستطيع الكثيرين منهم التأقلم بالمجتمع، كان البعض لم يبد رغبته حتى في التأقلم، لذلك انحصروا في محيط مجموعة الساخطين التي تجابه المجتمع، وفي كثير من الحالات أصبحوا الطبقة التي تسبب الفوضى والتي تعبر عن سخطها بعمليات هدم أو أحيانا بالتفجيرات.” ولم يستغرب السيد مكلوش ان “يكون الكثير من بين هولاء المجموعة قد أمّن لهم تنظيم الدولة الإسلامية المغامرة الدولية عن طريق خداعهم وبدون معرفتهم الحقيقية بالإسلام فقاموا بتنفيذ أعمالا تتعارض تماما مع التعاليم الأساسية للإسلام.”
ويؤكد السيد مكلوش على أن الناس في أوروبا يعيشون بتصور خاطئ عن الإسلام، ويكمن خلف كل هذا شعور بالعداء للإسلام في المجتمعات المضيفة، والذي زاد من ارتفاع حدة التطرف، مشيراً إلى إن عملية باريس الأخيرة كانت فرصة لان يجد المتطرفون من كلا الجانبين ضالتهم فيها، وان الإعمال الوحشية التي وقعت في كلا الجانبين تنذر بوقوع أعمال عنف على مجال أوسع.
ويختتم مقاله بالقول: “يقوم كل دين على نية تنظيم العلاقة بين الإنسان وربه، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش بسلام مع ربه إذا لم يستطيع العيش بسلام مع أخيه الإنسان. لعل الآن هي اللحظة الأخيرة”، يقول مكلوش واعضاً، “التي يجب أن يتفهم كلا الطرفين وبمسؤولية أخلاقية واعية مسلمين ومسيحيين أو قادة تقوم أخلاقياتهم على الالتزام بالمبادئ المسيحية لترتيب الأمور فيما بينهم من أجل سحب المبادرة من أيدي القوى المتطرفة غير المسؤولة.”