د. علي رحيم مذكور
أحدث احتلال العراق في نيسان / أبريل 2003م، نقلة نوعية في الوضع اٌلإقليمي لإيران، وأصبحت رقماً صعباً في معادلة الأوضاع في العراق، فإسقاط النظام البعثي في العراق، والنظام الجديد الذي اعتمد بدرجة كبيرة على فصائل وقوى كانت تربطها بإيران علاقات وثيقة أثناء استضافتها لها إبان حكم صدام حسين، والولايات المتحدة أضحت جارة مباشرة لإيران وأصبحت في مرمى صورايخها، إلا أن إيران لم تكن على استعداد لقبول فكرة تواجد القوات الأمريكية على حدودها الغربية ولفترة طويلة، لذلك عملت على توظيف هذه الفرص والمخاطر لخدمة مصالحها وأهدافها فاستمرت وحافظت الجمهورية الإسلامية على علاقاتها بالقوى العراقية التي احتضنتها ودعمتها أيام معارضتها لنظام صدام حسين منذ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي ومروراً بالحكومات المؤقتة فالدائمة، لكنها رأت من الأفضل لتحقيق مصالحها وأهدافها ودرء المخاطر عنها، نسج علاقات مع قوى وتيارات وحركات أخرى على الساحة السياسية العراقية، وهذا ما سنوضحه في هذا المبحث :-
فمنذ الأيام الأولى للاحتلال اعترفت إيران بمجلس الحكم الانتقالي، وزار وزير خارجيتها ( كمال خرازي) العراق والتقى بأعضاء مجلس الحكم، والتقى بأغلب سياسيي العراق الجدد، كما صرح رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ( هاشمي رفسنجاني) في 16 نيسان / أبريل 2003م :” إننا باعتبارنا دولة شيعية، نساعد الشيعة في كل مكان، حتى لو كان حزباً أو قلة برلمانية” ، فقد أضحى من ساعدتهم واحتضنتهم إيران على رأس السلطة الجديدة في العراق خاصة ( المجلس الأعلى وحزب الدعوة) ففي أثناء تولي السيد ( عبد العزيز الحكيم ) رئاسته الدورية لمجلس الحكم ، وفي أثناء زيارته لمدينة النجف الأشرف في الأول من كانون الأول / ديسمبر 2003م، صرح قائلاً: ” إن على العراق أن يدفع لإيران تعويضات عما تكبدته من خسائر عندما غزا صدام تلك البلاد” فعلاقة المجلس الأعلى مع إيران علاقة واضحة ومعروفة ومكشوفة، وفي أثناء مقابلة أجراها الصحفي المصري( محمد الأنور) مع السيد عبد العزيز الحكيم عقب الاحتلال الأمريكي، وسؤاله عن علاقته بإيران، رد قائلاً:” نحن كنا في إيران بعد أن أغلقت الأبواب في وجوهنا، ولم تكن هناك أية دولة عربية أو إسلامية،على استعداد لاستقبالنا”.
ولهذا كان هناك نوع من التقارب الكبير والانسجام مع السياسة الإيرانية من قبل المجلس الأعلى في العراق، خاصة فيما يتعلق، بالرغبة الإيرانية في إقامة إقليم شيعي يضم(9) محافظات في وسط وجنوب العراق، حيث وقف السيد عبد العزيز الحكيم، أمام جمهور حاشد في مدينة النجف الأشراف، وأعلن : ” إذا أريد الحفاظ على التوازن السياسي في البلاد، فإن العراق ينبغي أن يحكم بموجب نظام فيدرالي إلى جانب حكومة مركزية، إننا نرى من الضروري تشكيل إقليم واحد في الجنوب، وكذلك في مسألة اعتبار حزب البعث هو الخطر الأول على العراق، فقد صرح السيد عبد العزيز الحكيم بهذا الشأن بقوله :” إن حزب البعث كان و لا يزال وسيبقى الخطر الأول على العراق والإسلام وكل القيم الإنسانية، أما فيما يخص (منظمة بدر)، وهي الجناح العسكري للمجلس الأعلى والذي كان يسمى قبل احتلال العراق( فيلق بدر) الذي أسسه وأشرف عليه الحرس الثوري الإيراني، ففي مقابلة مع القيادي في المجلس الأعلى (عادل عبد المهدي) مع مجموعة كرايسزز جروب في 18 حزيران/ يونيو 2003م، قال : ” قد تكون المخابرات الإيرانية قد جندت بعض أعضاء منظمة بدر ولكن هذا تم على أساس فردي وبدون موافقتنا وعلمنا، وفي مقابلة أجراها الباحث مع مسؤول العلاقات الخارجية في المجلس الأعلى الإسلامي، في بغداد( أبو أحمد الشويلي)، وسؤاله عن الدعم الإيراني للمجلس ، رد قائلاً : (إن الدعم الإيراني للمجلس الأعلى واضحاً هو ليس خافياً، ولغرض تخلص المجلس من تهمة التبعية لإيران، قام بتغير اسمه من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق إلى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وتماشياً مع الأوضاع السياسية والدينية في العراق تخلى عن مبدأ ولاية الفقيه وأعلن عن أن مرجعيتهم الفكرية والدينية داخل العراق وليس في خارجه، وهكذا الحال مع حزب الدعوة الإسلامية في ظل علاقاته مع إيران على الرغم من عدم اتفاقه مع الجمهورية الإسلامية حول مبدأ ولاية الفقيه، فبناء نظام حكم جديد مستقر في بغداد، تتمتع فيه القوى الصديقة لإيران بمكانة متميزة فرض على إيران تشجيع المجلس الأعلى وحزب الدعوة للاندماج في عملية بناء النظام السياسي الجديد في بغداد، نتيجة لهذا التقارب مع إيران، صرح وزير الدفاع الأمريكي( دونالد رامسفيلد) في 27آيار/ مايو 2003م، قائلاً :” إن الولايات المتحدة لن تسمح لجيران العراق بخلق جمهورية إسلامية على النمط الإيراني، فمستويات التأثير الإيراني تتضمن شبكات واسعة من المخبرين ونفوذ جماعات الحرس الثوري وأرصدة من عوائد النفط للدعاية الدينية، والأكثر أهمية والذي أقلق الولايات المتحدة التأثير في العملية السياسية من خلال تقديم الدعم وتحديداً للمجلس الأعلى الإسلامي وحزب الدعوة ،إضافة لذلك، هنالك بعض القوى والأحزاب الإسلامية ذات الانتماء الشيعي تعتبر إيران بعداً وعمقاً استراتيجياً لها ولنشاطها، فالنشاط الإيراني في العراق هو ليس ظاهرة جديدة، لأن هناك مخبرين سريين لطهران في شمال العراق منذ أيام النظام السابق، فلهم علاقات جيدة مع القادة الكرد، كما تتمتع طهران كذلك بعلاقات حميمية مع القيادات الشيعية العراقية التي أبعد الكثير منها إلى إيران خلال عهد صدام حسين، كم تحدث السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في 22 آب / أغسطس 2003م، عن الدور الإيراني في العراق، حيث اتهم بعض الأطراف الدينية الإيرانية بالتدخل في تعيين المناصب الأمنية في العراق داعياً إياها إلى تركها للعراقيين، وقال أمام آلاف المصلين خلال خطبة الجمعة في مسجد الكوفة :” إن بعض الأطراف من الجمهورية الإسلامية الإُيرانية يأخذون المناصب الأمنية في العراق فنرجو منهم الابتعاد عن ذلك وتركهم العراقيون يشغلون هذه المناصب، كما شهدت هذه الفترة تصاعد وتيرة التهريب عبر الحدود مع إيران التي تصل إلى (1200) كم، واستخدام العراق ، طريقاً لتجارة المخدرات للدول الأخرى، كما صرح مدير شرطة محافظة واسط في 22 تشرين الثاني / نوفمبر 2003م :” إن عناصر من الاستخبارات الإيرانية تسللت إلى داخل العراق، وتم إلقاء القبض على بعضهم، ومعهم سيارات تحمل أسلحة قادمة من إيران، إضافة إلى قيام القوات الأمنية العراقية بإلقاء القبض على متسللين إيرانيين أثناء محاولتهم عبور شط العرب باتجاه الأراضي العراقية، كما أشار لذلك الحاكم المدني الأمريكي في العراق ( بول بريمر) بقوله : ” أنا لا أزال أشعر بالقلق بسبب التدخل الإيراني في الشؤون العراقية ، فالحرس الثوري ووزارة الاطلاعات والاستخبارات الإيرانية يعملان معاً وهم نشطون للغاية في هذا البلد ، ومع تشكيل أول حكومة عراقية ( معينة) برئاسة إياد علاوي، كحكومة مؤقتة، وقفت إيران ضد هذه الحكومة بعد أن وصفها المرشد الأعلى (على خامنئي)، بقوله: “إنها حكومة تأتمر بأمر الأمريكيين لأنها حكومة معينة غير منتخبة))، خاصة مع توجيه أعضاء هذه الحكومة اتهامات وتصريحات وانتقادات أكدت أحياناً التدخل والدور الإيراني السلبي ، ومع شعور إيران أن الولايات المتحدة بتشكيلها لهذه الحكومة تهدف إلى توظيف العراق ليكون ساحة مواجهة وتصعيد أمنى وسياسي مع إيران، من خلال استثمارها لعلاقاتها مع بعض القوى العراقية لتوليد تيار سياسي من داخل الحكومة العراقية، تجنح نحو معارضة أي تدخل وتوجه إيراني في العراق، حيث صدرت تصريحات لوزيري الداخلية ( فلاح النقيب) والدفاع (حازم الشعلان) في حكومة إياد علاوي، بأن إيران هي العدو الأول للعراق، وأنها تتدخل بقوة في شؤونه الداخلية، وأنها تقدم الدعم المالي والسلاح لمنفذي العمليات المسلحة التي تستهدف القوات الأمريكية وتصريح الرئيس العراقي ( غازي الياور) حيث قال :” لسوء الحظ أثبتت الأيام والوقائع وبدون أدنى شك تدخل إيران في شؤوننا بشكل واضح ، عن طريق إرسال الأموال والتدخلات اليومية في شؤوننا وفي محافظات عديدة، مما اضطر الحكومة المؤقتة إلى إرسال وفد إلى إيران في آب / أغسطس 2004م، حيث اجتمع الوفد مع كل من الرئيس الإيراني (محمد خاتمي) وسكرتير مجلس الأمن القومي الأعلى ( حسن روحاني) و وزير المخابرات ( على يونسي)، ووزير الخارجية ( كمال خرازي) ، وقدم الوفد العراقي أدلة على التدخل الإيراني ووجود عناصر تابعة للاستخبارات الإيرانية في العراق، إلا أن الإيرانيين رفضوها كلها، فالنظام السياسي في إيران ليس مؤسسة واحدة، إنما هو مجموعة من المؤسسات ( السياسية والدينية والعسكرية) ، فكلما تمت مفاتحة هذه المؤسسة أو تلك ، أبدت عدم علمها وألقت باللوم على المؤسسات الأخرى، فالقيادة الإيرانية ليست في النسق ذاته من حيث رؤيتها لما يجري في العراق وكيفية التعامل معه، رغم إجماعها حول الخطوط العامة، فهناك مؤسسة تعمل في الاستمرار في نهج التصدي للولايات المتحدة في العراق، من خلال دعم العمليات المسلحة الموجهة ضد القوات الأمريكية، ومؤسسة أخرى ترى أن هذه الأفعال تحرج القيادات العراقية التي تربطها بإيران علاقات جيدة، لذلك انتهجت إيران سياسة مركبة في العراق ، تعتمد على مسارين، الضغط العسكري على الولايات المتحدة بواسطة دعم المقاومة (السنية والشيعية) من جهة، ودعم أصدقائها لاحتلال مواقع مهمة في السلطة الجديدة، فقد كانت إيران تهيء على مدى عقود المجلس الأعلى وفيلق بدر وحزب الدعوة ومجموعة من رجال الدين لمثل هذه اللحظة، وهذا ما يوضحه (جواد الخوئي) .
إن إيران تؤثر في الأحزاب الشيعية العراقية، ولكن ارتباط هذه الأحزاب وحتى بعض الشخصيات السياسية غير المرتبطة بالأحزاب تأتي على درجات، فهناك من ارتبط بالمؤسسات الإيرانية من بوابة السياسة وآخرون من البوابة الأمنية، وهناك من ارتبط من بوابة المذهب، وهذا ما ينطبق على مسألة الدعم الإيراني المقدم، فهناك جهات ومؤسسات مختلفة في إيران تدعم هذا الحزب أو ذاك، فهناك دعم من المؤسسة العسكرية، وآخر من وزارة الخارجية، وهناك دعم من المؤسسة الدينية (المرشد الأعلى) ، وكل مؤسسة تدعم جهة من أجل مصالحها، مع وجود جهات عقلانية تدعم شخصيات عراقية لأغراض إقامة الحوار والوقوف بوجه العنف، وجهات تؤسس لعلاقة من أجل إقامة خطوط دفاعية لإيران داخل العراق، كما أن الدعم الذي تقدمه هذه المؤسسات للأحزاب والقوى الشيعية العراقية يتوقف على الظروف والوقت وطبيعية ما هو مطلوب من كل حزب، مع اختلاف درجة الدعم، وهذا ما يفسر بناء إيران لعلاقات و روابط مع قوى وتيارات جديدة على الساحة السياسية العراقية خاصة الجماعات والتيارات، المناوئة للاحتلال الأمريكي مع الاحتفاظ بعلاقاتها وتأييد حلفائها في السلطة، ولعل موقف إيران من السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري يوضح جانباً من طبيعة الدور الذي تقوم به إيران في احتواء الشيعة العراقيين،فعلى الرغم من أن مقتدى الصدر كان متمرداً على المواقف الشيعية الرئيسية، ووالده قبل إغتياله سنة 1999م السيد محمد صادق الصدر لم تكن علاقته جيدة مع إيران، إلا أن الأخيرة تعاملت معه واحتوته واستقبلته، لأنها تحتاج لهذا التنظيم في وقت ما لتنفيذ سياسة ما، وعززت علاقاتها مع التيار الصدري رغم صراعه مع المجلس الأعلى ودخوله في صدامات مسلحة مع المجلس الأعلى ومنظمة بدر ، هذا بالإضافة إلى أن التيار الصدري يطالب دائماً بخروج القوات المحتلة من العراق وهو تيار لم يأت مع الاحتلال، فأصبح الأفضل لإيران من القوى الأخرى، على الرغم من علاقاتها مع القوى الشيعية المنضوية في العملية السياسية، فحظي بالدعم التسليحي والمخابراتي والمالي والصحي من إيران، خاصة بعد انخراط التيار الصدري في مقاومة عنيفة ضد القوات المحتلة في أغلب مناطق العراق، حيث دعمته من خلال تدريب رجاله و إرسال معونات إنسانية ، إضافة إلى وقوفها إلى جانب السيد مقتدى الصدر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق آية الله السيد كاظم الحائري المرجع الديني للتيار الصدري المقيم في مدينة قم الإيرانية باعتباره مقلداً للسيد الحائري، وبعد أن أصدر السيد كاظم الحائري مرسوماً دينياً في مطلع نيسان / أبريل 2003م ، يقول فيه :” نحيط علماً بأن السيد مقتدى الصدر هو نائبنا وممثلنا في كل شؤون الفتوى وأن مكانته من مكانتي” ، لكن في نيسان / أبريل 2004م، قال المتحدث باسم السيد الحائري : ” ظن الناس أن كل شيء قاله السيد مقتدى الصدر يأتي رأساً من أية الله السيد الحائري، لكننا قلنا إن هذا غير صحيح، علماً بأن السيد مقتدى الصدر قد زار إيران في حزيران / يونيو 2003م، والتقى برئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام (هاشمي رفسنجاني) وشخصيات بارزة أخرى في طهران وقم ، وعرضوا عليه تقديم الدعم إليه مقابل أن يتبنى النموذج الإيراني في الحكم (ولاية الفقيه) في العراق ولكن السيد مقتدى الصدر، رفض ربط الدعم بهذا الشرط ، لكن رغم هذا فقد دعمته إيران مادياً ولوجيستياً كما تلقى أعضاؤه تدريباً في معسكرات الحرس الثوري الإيراني وخاصة دعمها له في مواجهاته العسكرية مع القوات الأمريكية في النجف سنة 2004م ، حيث أصدر آية الله السيد الحائري بياناً قال فيه : ” إن المسلم الذي يشترك في هجوم على مرقد الإمام علي ( عليه السلام) يكون مصيره جهنم وبئس المصير” بمعنى إن هذه الفتوى حرمت على القوات العراقية مشاركة القوات الأمريكية بالهجوم على مدينة النجف الأشرف التي يوجد فيها مرقد الإمام علي (عليه السلام) ، وكان التوجه الإيراني في دعم التيار الصدري واضحا من خلال ما قاله المرشد الأعلى (على خامنئي) عقب الاحتلال مباشرة : ” إن إيران لن تقف على الحياد في العراق و ستكون إلى جانب المقاومة ضد الاحتلال، وكذلك ما قاله في هذه الفترة أيضاًَ بالتحديد في 11 نيسان / أبريل 2003م، : ” أن الأحلام الأمريكية والبريطانية في العراق لن تتحقق بسبب المقاومة التي سوف تظهر، وما ذكره (هاشمي رفسنجاني) في نيسان / إبريل 2004م ، “على النقيض من تلك الجماعات الإرهابية في العراق، هنالك هيئات قوية تساهم في أمن تلك الأمة، ومن بينها جيش المهدي ، المؤلف من شباب متحمسين وأبطال، ودعوته في نفس السنة : ” إن على العراقيين أن يلقنوا الوحش الأمريكي الجريح درساً لئلا تغامر الولايات المتحدة بمهاجمة بلد آخر” ، وما قاله كذلك نائب وزير الخارجية الإيراني ( محمود واعظي ) أثناء معارك النجف 2004م ” إننا لم نفعل أي شيء لإثارة القلاقل، لكننا نعبر عن شكرنا للعراقيين لقيامهم بتلقين الأمريكيين هذا الدرس” مما دفع الناطق الرسمي للقوات المتعددة الجنسيات في العراق الجنرال (وليم كالدويل)، بالتصريح : ” إننا نعلم أن مجموعات شيعية متطرفة قد تلقت تدريباً عن طريق طرف ثالث له علاقة بإيران، وإننا نعلم أن أسلحة كانت قد قدمت لها.
وكان أغلب هذا الدعم المقدم يأتي من خلال جمعيات خيرية وإنسانية تقوم بتجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى إيران للتدريب ، كما أشار قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال (رايموند أوديرنو)، إلى : ” أن إيران تمول مليشيات لضرب القوات الأمريكية، وأبرزها كتائب حزب الله و عصائب ” أهل الحق” كما نجحت إيران في الاتصال بالجماعات المسلحة داخل العراق وهذا ما يستدل عليه من خلال الاتهامات الأمريكية لها بدعم الجماعات المسلحة (الشيعية والسنية)، بالمال والسلاح عن طريق الحرس الثوري الإيراني، فقد أعلنت بعض الشخصيات والتنظيمات الإيرانية المتشددة عن قيامها بتدريب عناصر للقتال في العراق، الذي اعتبرته ساحة لمقاتلة القوات الأمريكية، ومنها (المنظمة الإُيرانية للدفاع عن القيم الإنسانية)، التي صرح رئيسها ( فرون راجيفار) في 9 آب / أغسطس 2009م، بأن هناك ( 15) ألف تطوعوا لتنفيذ عمليات في العراق دفاعاً عن الإسلام، ولهذا يؤكد الجيش الأمريكي ومسؤولون أمريكيون أن قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني تقوم بإمداد المليشيات الشيعية والسنية بالقنابل الانفجارية الخارقة والقنابل ذات الدفع الصاروخي وصواريخ الكاتيوشا، مما دفع الجنرال ( ديفيد بترايوس)، قائد القوات الأمريكية إلى القول :” إن إيران مسؤولة عن تزويد الأسلحة وتدريب وتمويل وفي بعض الحالات توجيه العمليات التي قتلت بالتأكيد جنوداً أمريكيين، ليس هناك شك في وجود صلة بين إيران وهذه العناصر والهجمات التي قتلت جنودنا، وبهذا قلبت إيران النتائج السلبية التي تمثلت بالوجود الأمريكي في العراق إلى نتائج إيجابية بحيث استطاعت أن تستفيد من كل الفرقاء العراقيين بما فيها المقاومة العراقية المناهضة أصلاً للنفوذ الإيراني في العراق، أما وبعد اقتراب نهاية ولاية الحكومة المؤقتة برئاسة إياد علاوي، وبدأ الاستعداد لإجراء انتخابات كانون الثاني / يناير 2005م، غيرت إيران من سياساتها تجاه العراق من ضبط الفوضى إلى دعم الاستقرار، وكان المنطق الذي استند عليه هذا التغيير، هو أنه إذا جرت انتخابات تشريعية، فإن المتغير الديموجرافي سيحسم نتيجتها، أي سيحوز الشيعة الأغلبية البرلمانية ويشكلون الحكومة في نظام يعد رئيس الوزراء رمانة الميزان، وجاء هذا الموقف على لسان وزير الخارجية الإيراني ( كمال خرازي) لدى حضور مؤتمر شرم الشيخ في تشرين الثاني / نوفمبر2004م بقوله : ” إن بلاده مع ضرورة تشكيل حكومة عراقية وطنية منتخبة تلتزم بتعهداتها الدولية” ، فدعمت تشكيل ائتلاف للقوى والأحزاب الشيعة وهو ما تحقق فعلاً، حيث تم تشكيل الائتلاف العراقي الموحد) الذي ضم أغلب القوى الأحزاب والقيادات الشيعية، وأهمها المجلس الأعلى وحزب الدعوة والتيار الصدري وحزب الفصلية، ويذكر هنا أنه كان لإيران دور مباشر في إقناع التيار الصدري للانتقال من المقاومة المسلحة إلى المقاومة السلمية والدخول والاشتراك بالعملية السياسية، فجاء إعلان 25 تشرين الأول / أكتوبر 2005م ، المفاجئ بانضواء التيار الصدري تحت خيمة الائتلاف العراقي الموحد) لخوض الانتخابات، وبهذا نجحت إيران في إعادة التيار الصدري للتحالف مع القوى الشيعية الأخرى، وفي هذه الأثناء قام السيد مقتدى الصدر بزيارة لإيران ، أعلن خلالها أنه سيقف إلى جانب الجمهورية الإسلامية إذا تعرضت للاعتداء، خاصة مع ذروة التهديدات الأمريكية بإحالة الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن الدولي، ورحبت إيران واعترفت بنتائج هذه الانتخابات التي أسفرت عن فوز (الائتلاف العراقي الموحد) بالأغلبية، فتوالت الزيارات المتبادلة بين الجانبين، وأهمها زيارة وزير الدفاع العراقي (سعدون الدليمي) في 7 تموز / يوليو 2005م، وصرح قائلاً : (جئت لإيران لطلب الصفح عما ارتكب صدام حسين، وتم انتخاب ( إبراهيم الجعفري) رئيساً للحكومة الإنتقاليه فرغم فوز الائتلاف العراقي الموحد، وتشكيله حكومة مؤتلفة مع الأكراد الحليف الأخر لإيران، إلا أنها استمرت في دعم أعمال العنف والمجموعات المسلحة ، حيث عثرت القوات الأمريكية على مخبأ للأسلحة في منطقة أبو غريب غرب بغداد، التي يسيطر عليها المتشددون السنة وكانت هذه الأسلحة مصنوعة في إيران، وتقول الولايات المتحدة : إن الأسلحة الإيرانية وصلت للمتطرفين السنة من خلال بيعها في السوق السوداء، ففي تقرير نشرته مجلة ( التايم الأمريكية) في 14 آب / أغسطس 2005م، الذي استند إلى وثائق استخباراتية أمريكية، فإنه ثمة نشاط ودور تمارسه إيران في العراق على المستويين السياسي والعسكري، إلى الدرجة التي تحدث فيها التقرير عن حرب سرية تجرى في العراق بين إيران والولايات المتحدة، ويشير التقرير إلى أن قوات الحرس الثوري الإيراني نجحت في تشكيل شبكة من المسلحين يرأسها شخص يدعى ( مصطفى الشيباني) وهي تتألف من حوالي ( 280) شخصاً ، ما بين صانعي قنابل وفرق الموت، وقام هؤلاء بما يقارب من ( 37) عملية تخريبية ضد القوات الأمريكية في بغداد وحدها، وأشار التقرير إلى أن أعضاء هذه الشبكة تلقوا تدريبات في لبنان والعراقوفي 6آب/ أغسطس 2005م، خرج تصريح لوزارة الدفاع الأمريكية يروى منه معلومات تفيد بأن الانفجارات الموجودة في العراق تمت بواسطة معدات لم يعرف العراقيون استخدامها منذ 9 نيسان/ إبريل 2003م، وقد استخدمت لتدمير آليات أمريكية معروفة بقدرتها على تحمل الانفجارات بالعبوات المصنعة محلياً، والتي تركز على زيادة الشحنة المتفجرة، أما ما رصد فإنها قد استخدمت تقنيات متطورة لا تستطيع المنظمات غير الحكومية تصنيعها وإنما يستلزم لأمر وجود إمكانيات لدولة ما ، ومصدر هذه المتفجرات هي إيران، كما أن كمية من هذه المتفجرات رصدت قرب الحدود العراقية- الإيرانية ، ومع كل هذه التصريحات والتأكيدات يأتي الرد العراقي على لسان رئيس الوزراء ( إبراهيم الجعفري ) ، حيث ينفي التدخل الإيراني في شؤون العراق، ويؤكد أن العلاقات العراقية الإيرانية في أحسن أحوالها، ويكذب التصريحات الأمريكية ، كما أن الحكومة العراقية لم تتخذ موقفاً رسمياً واضحاً من التدخل الإيراني، مع انقسام القوى العراقية على نفسها حول ما إذا كان هناك تدخل أم لا ، كما نفى وزير الأمن الوطني (عبد الكريم العنزي) أي دور لإيران في الإرهاب أو التدخل وصرح بأن العراقيين لم يوقفوا إرهابياً إيرانياً واحداً، ومع اقتراب انتخابات مجلس النواب العراقي الدائم في كانون الأول/ديسمبر 2005م، بدأت إيران حركة مكثفة من أجل إعادة الاعتبار للأئتلاف العراقي وإن كان بصيغ جديدة، وهو ما من شأنه الحفاظ على صيغته الطائفية ، التي تضمن حصصاً لجميع القوى الشيعية ، كي لا تحدث مواجهات سياسية تهدد بفرط عقد المنجزات التي حققها الائتلاف في انتخابات كانون الثاني / يناير 2005م ، وبعد إجراء الانتخابات تم تشكيل حكومة إتلافيه من الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني وقوى سنية أخرى ، وتم انتخاب ( نوري المالكي) رئيساً للوزراء بعد فترة ليست بالقصيرة من المفاوضات والاستقطابات السياسية، وكان لإيران دور في هذه السجالات والاستقطابات السياسية، وهذا ما أكده المحلل السياسي الإيراني ( سيد ضياء الدين احتشامي) ، في صحيفة (إيران)، في حزيران / يونيو 2006م بقوله : ” إن حماية حكومة نوري المالكي تعد أهم المحاور الإستراتيجية للسياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة ، فاستمرت في سياسة دعمها للقوى السياسية الصديقة لها، مقابل زيادة الاتهامات الأمريكية والعراقية للدور السلبي لإيران للتدخل في الشأن العراقي، حيث قال مستشار الأمن القومي العراقي( موفق الربيعي) : ” إيران تصدر الموت الأحمر للعراق، ولها نشاطات كبيرة عندنا، ثقافية ومذهبية واقتصادية ودينية وسياسية” بينما يخرج الناطق باسم الحكومة العراقية ( على الدباغ) ليقول :” إن حكومته لا تمتلك أي دليل على تورط إيران في العراق أو توريد أسلحة للمليشيات ورفض السيد عبد العزيز الحكيم الاتهامات الأمريكية لإيران بالوقوف وراء التفجيرات التي حدثت في بغداد أواخر 2006م، في حين تؤكد القوات الأمريكية ذلك و تعرض الفضائيات صوراً لأسلحة وصواريخ ذات منشأ إيراني تم العثور عليها في عدد من المحافظات العراقية.
كما كشفت تقارير صادرة عن القوات الأمريكية في العراق أنها صادرت بنادق نمساوية الدفع عددها (100) بندقية نوع ( أتش أس 50) في بغداد، تم تصديرها لإيران كجزء من (800) بندقية صدرتها شركة إنتاج الأسلحة (شتير مانليشر) النمساوية إلى إيران سنة 2006، التي كانت مخصصة أصلاً للشرطة الإيرانية المكلفة في مكافحة تهريب المخدرات، وفي آب / أغسطس 2006م، أجرى المعهد الملكي للشؤون الدولية في بريطانيا دراسة، خلصت إلى نتيجة مؤداها: ” إن النفوذ الإيراني بات أقوى من نفوذ الولايات المتحدة، وهذا كذلك ما انتهت إليه مجموعة دراسة العراق( بيكر – هاميلتون) التي شكلها الكونغرس الأمريكي في آذار / مارس 2006م، بشأن الإستراتيجية الأنسب للإدارة الأمريكية الواجب اتباعها في العراق، حيث أشار التقرير في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2006م, إلى التدخل الإيراني في العراق ودعمها للمليشيات، وذهب في التوصية.رقم (8) بوجوب إجراء محادثات دبلوماسية مكثفة وموضوعية تتضمن قدراً من توازن المصالح مع إيران وسوريا ، لتحقيق الاستقرار في العراق مما يساعد القوات الأمريكية على الانتقال من الوضع القتالي الذي هي عليه منذ 2003م، إلى وضع إسناد القوات العراقية في حفظ الاستقرار المطلوب، وفي هذا السياق شهدت سنة 2007م أول مباحثات ثنائية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بعد( 27) سنة على انقطاع العلاقات بين البلدين، وسبق هذا اللقاء الثنائي عدداًَ من اللقاءات الأمريكية والإيرانية المتعددة المستويات، أبرزها مؤتمر بغداد في آذار / مارس 2007م، ومؤتمر العهد الدولي و دول الجوار في شرم الشيخ في آيار / مايو 2007م ، كما عقدت جولة ثانية من المباحثات في تموز/ يوليو 2007م، الرسمية ، والمباشرة رفيعة المستوى وبحضور السفير الأمريكي في بغداد (رايان كروكر) والسفير الإيراني (حسن كاظمي قمي) ، حيث وصف كلاهما الاجتماع بكونه أول خطوة إيجابية بين الطرفين في سبيل العمل على استقرار العراق، وصرح كاظمي قمي قائلاً :” ربما سيكون هناك اجتماع متابعة في غضون شهر في حال حصل على الموافقة من طهران، لكن الولايات المتحدة لم تتوقف عن إرسال رسائل لإيران مفادها عدم موافقتها على الدور السلبي الذي تقوم به في العراق, ففي شباط / فبراير 2007م، اعتقلت القوات الأمريكية ( عمار الحكيم) نجل السيد (عبد العزيز الحكيم) لمدة تزيد عن (22) ساعة، عندما كان قادماً من إيران ، كما أوقفت اثنان من أعضاء الحرس الثوري الإيراني في مقر المجلس الأعلى ببغداد في كانون الأول/ ديسمبر 2007م، حسب ادعاء القوات الأمريكية وفي كانون الثاني يناير 2007م، أغارت القوات الأمريكية على مجمع تابع للمجلس الأعلى واعتقلت إيرانيين اثنين ، أفرجت عنهما فيما بعد، بعد اتهامهما بالانتماء إلى فيلق القدس الإيراني، كما قامت القوات الأمريكية في كانون الثاني / يناير 2007م، باعتقال (5) إيرانيين في القنصلية الإيرانية في أربيل متهمة إياهم بالانتماء للحرس الثوري الإيراني، كما ردت إيران بسلسلة من الاعتقالات لأمريكيين تحت ذريعة أنهم قد دخلوا الحدود الإيرانية لغرض التجسس، أو أنهم تجاوزوا الحدود، كما اتهمت واشنطن ، في نيسان / أبريل 2007م، المخابرات الإيرانية بشكل علنى بدعم جماعات سنية متطرفة، وقال الميجور ( وليم كالدويل)،” لدينا الآن معلومات تؤكد أن جهاز المخابرات الإيراني يقدم دعماً لبعض الجماعات السنية المتطرفة ، وعندما أعلن رئيس الوزراء العراقي( نوري المالكي)،عن انطلاق خطة ( فرض القانون) في عموم العراق لفرض القانون والقضاء على المسلحين، والمليشيات، قامت القوات الأمريكية بتنفيذ خطة زيادة قواتها في المدن العراقية، فتعرض جيش المهدي لسلسلة مستمرة من الهجمات على معاقله الرئيسية في بغداد والمحافظات الجنوبية، خاصة في مدينة البصرة، وبعد اشتداد المواجهات بين القوات الأمنية وجيش المهدي، وعدم تمكن القوات الأمنية من حسم المعركة لصالحها، زار وفد من كبار قادة الائتلاف العراقي، ومنهم النائب على الأديب وهادي العامري، والشيخ خالد العطية، إيران للقاء السيد مقتدى الصدر والقادة الإيرانيين للتباحث معهم حول أزمة البصرة، وخلصت اللقاءات إلى إعلان السيد مقتدى الصدر وقف القتال مقابل عدم ملاحقة جيش المهدي، فكان لإيران دور مهم في إقناع السيد مقتدى الصدر لوقف إطلاق النار في مدينة البصرة ، مما حدا بالحكومة العراقية إلى الإعلان على لسان الناطق باسمها ( على الدباغ) في نيسان/ أبريل 2007م، : ” إن العراق يرفض التدخل في شؤونه الداخلية ، وأن الحكومة العراقية تشعر أن العلاقة مع إيران تحتاج إلى وضع النقاط على الحروف، ولا نريد من إيران أن تتدخل في دعم أية جهة ، لكن عادت وتدخلت ثانية في أثناء الإعداد لتوقيع (اتفاق أمني) بين العراق والولايات المتحدة، حيث شنت هجوماً شديد اللهجة، وهاجمت الاتفاقية بشدة، معللة ذلك، بأن هذه الاتفاقية، لم تحدد تاريخاً واضحاً لخروج القوات الأمريكية، والحصانة القضائية التي يتمتع بها الجنود الأمريكيون، والسماح باستخدام الأراضي العراقية في حال بروز أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق، أو وقوع عدوان عليه من شأنه انتهاك سيادته واستقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه الجوية أو قابلية مؤسساته الديمقراطية للبقاء يشرع العراق في التداول الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، وتتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة ومنها الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي مزيج منها لمواجهة هذا الخطر، حيث صرح آية الله السيد كاظم الحائري في بيان له : ” نحن مدركون أن هذا الاتفاق سيؤدي إلى ضياع السيادة العراقية وإذلال العراقيين” ووصف الاتفاق بـ ” المذل ” وقال ( أحمد جنتي) رئيس مجلس صيانة الدستور : ” أخيراً تم التصديق على هذه الاتفاقية رغم المشكلات التي تنطوي عليها، فهذا التوقيع أشبه بشخص يقف وعلى رأسه شخص حاملاً سيفاً” ، أما ( علي لاريجاني) رئيس البرلمان الإيراني فقال: ” يجب أن تدرك الأمة العراقية أن وقت المقاومة لم ينقض بعد ، على هؤلاء ألا ينخدعوا بشعارات الاتفاقية والبند المرتبط بجدول الانسحاب، أما الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) ، فقال : ” إن الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة والعراق يهدف إلى إبقاء العراق ضعيفاً، وإلى مساعدة واشنطن على نهب هذا البلد، ونتيجة لهذا الرفض الإيراني العلني ذهب رئيس الوزراء العراقي ( نوري المالكي) إلى طهران ، لاطلاع القيادة الإيرانية على بنود الاتفاقية، وتعهد بأن ينص الاتفاق على منع القوات الأمريكية من شن أية هجمات ضد إيران انطلاقاً من الأراضي العراقية، كما تعهد بإنهاء وجود ( منظمة مجاهدي خلق) المعارضة داخل الأراضي العراقية، ووقع على اتفاق استراتيجي مع إيران يشبه كثيراً اتفاق الشركة الإستراتيجية الذي وقعه مع تركيا، أما وبعد التوقيع على الاتفاقية، اختلف الخطاب الرسمي الإيراني، حيث صرح(أحمد جنتى) قائلاً : ” نأمل أن تكون لهذه الاتفاقية نتائج إيجابية”، أما (علي لإريجاني) فقال : ” لو عملت الولايات المتحدة بالتزاماتها بشأن إخراج العراق، من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة فبالإمكان اعتبار الاتفاقية المبرمة بين البلدين اتفاقية مؤثرة ، وفي محاولة من رئيس الوزراء العراقي (نوري المالكي)، وبعد تراجع نفوذ ودور المليشيات والجماعات المسلحة، الظهور بمظهر الرافض للنفوذ الإيراني في العراق، أمر في آيار / مايو 2008م ، بتشكيل لجنة عراقية إيرانية ، تقوم بجمع الحقائق حول تدخل إيران في العراق، وصرح الناطق باسم الحكومة ( على الدباغ) : ” بأن العراق شهد تدخلاً إيرانياً في الماضي، ولكنه أيضاً شهد دوراً إيجابياً من إيران، إلا أنه في 18 كانون الأول / ديسمبر 2009م، قامت إيران باحتلال البئر رقم (4) من حقل الفكة في محافظة ميسان جنوب العراق ورفع العلم الإيراني عليه، فجاء الرد العراقي على لسان وزير الخارجية (هوشيار زيباري) عندما قال : ” إن احتلال البئر الرابع في حقل الفكة تسبب في إحراج الحكومة العراقية، وبعد جهود دبلوماسية عراقية انسحبت القوات الإيرانية من الحقل المذكور في 27 كانون الثاني / يناير 2010م، وبعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات وفوز قائمة رئيس الوزراء (نوري المالكي) بأغلبية المحافظات في 2009م ، وبعد أن ثبت أن حزب الدعوة الإسلامية له ثقل أكبر في المحافظات العراقية، مدت خطوط التعاطي معه بصورة أساسية ، وأصبح في مقدمة التنظيمات الشيعية التي تحظى بالدعم الإيراني، ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في آذار/ مارس 2010م، أصدرت (هيئة المساءلة العدالة) قائمة ضمن أسماء ( 570) من المبعدين بتهمة علاقاتهم بحزب البعث والترويج له ، وكان من أبرزهم المرشحين ( صالح المطلك) رئيس الجبهة العراقية للحوار الوطني و(ظافر العاني) القيادي في جبهة التوافق العراقية، مما دفع بتوجيه الاتهامات لإيران بتدخلها في هذا الموضوع خاصة بعد أن صرح الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) في الذكرى الحادية والثلاثين للثورة، بالقول :” إن الغرب يسعى إلى إعادة البعثيين مجدداً على الشعب العراقي، إلا أنه لن يتمكن من إعادتهم أبداً هذا ما علق عليه (صالح المطلك) قائلاً : ” إن القرار صدر في إيران وعبر عنه الرئيس أحمدي نجاد خلال الاحتفالات بالثورة الإيرانية، كما قال الجنرال (راي أوديرنو) قائد القوات الأمريكية في العراق ” أن إيران لديها تأثير واضح على (علي اللامي) الرئيس التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة و(أحمد الجلبي) رئيس المؤتمر الوطني العراقي وأضاف : ” إن اللامي والجلبي شاركا في عدة اجتماعات عقدت في إيران مع أحد المعاونين المقربين من قائد قوة القدس” ، يذكر أن الجلبي لم يقطع علاقته مع إيران، فقد كانت علاقاته طويلة الأمد وعميقة أيضاً، إضافة إلى الأخبار والتقارير التي تسربت من وكالة الاستخبارات الأمريكية، مفادها أن الجلبي قد زود إيران بمعلومات حساسة عن مخططات الولايات المتحدة السياسية في العراق، وبعد إعلان نتائج هذه الانتخابات وحصول القائمة العراقية على (91) معقداً برئاسة (إياد علاوي) وائتلاف دولة القانون على (89) معقداً برئاسة المالكي، شهدت الساحة السياسية العراقية جدلاً سياسياً واسعاً حول أحقية أي كتل بتشكيل الحكومة وبلغ حجم التدخلات والتأثيرات الإيرانية خلال هذه الفترة، حداً لم يجد منه أعضاء ائتلاف دولة القانون والتحالف الوطني العراقي، مانعاً من إرسال وفد إلى إيران للتباحث في شكل التحالف بينهما والاتفاق على تشكيل الحكومة، كما مارست إيران ضغوطاً كبيرة على التيار الصدري للتراجع عن اعتراضه المعلن على المالكي، وإعلان تأييد رئاسته للحكومة لولاية ثانية ، بعدها دعا السيد مقتدى الصدر أنصاره لدعم الحكومة الجديدة برئاسة نوري المالكي، وإمهالها بعض الوقت أثناء خطاب ألقاه في النجف الأشراف، هو الأول له بعد عودته من إيران في كانون الثاني / يناير 2004م، بعد أن كان رافضاً رفضاً قاطعاً إعادة انتخاب (نوري المالكي) لرئاسة الحكومة، ترافق مع ذلك تصريح (محمد رضا رؤوف) مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الشرق الأوسط، بقوله:” إن انتخاب المالكي في الظروف القائمة يعد من الخيارات المناسبة لإدارة شؤون العراق لتجاربه الطويلة في إدارة شؤون البلاد والظروف الحساسة التي يمر بها هذا البلد، خاصة بعد حصول ائتلاف المالكي على مقاعد أكثر من التحالف الوطني العراقي، الذي تراجع أمام الكتل الأخرى، بالمقابل أعلن (إياد علاوي) : ” إن إيران وضعت عليَ خطوطاً حمراء حول تسنمي منصب رئاسة الوزراء، وهو كلام ليس من الشارع، بل كلام قادة دول خبرونا بموقف إيران وطلبنا منهم التوسط لدى إيران، وقلنا لهم نحن نريد علاقات جيدة مع إيران لكننا لا نسمح بتدخلهم بالشأن العراقي، إضافة لهذا كله، عملت إيران على ترسيخ علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع العراق، فبعد سقوط النظام السابق، تزايدت التجارة بين العراق، و إيران، وكانت مراكز الحدود في مهران والمنذريه والشيب تكتظ بالسلع الإيرانية المصدرة للعراق، وفي تشرين الثاني / نوفمبر 2003م، قال وزير التجارة الإيراني أمام وفد عراقي زائر : ” إن التجارة بين العراق وإيران بلغت مليار دولار على أساس سنوي”، إلا أن سلطة الائتلاف المؤقتة لم تكن راضية عن هذا، بل أنها لم تفسح كامل المجال لإيران للاشتراك في مشتريات القطاع العام العراقي، لاسيما مشتريات المواد الغذائية واستمر هذا الحال طوال ولاية السلطة المذكورة، لكن رغم هذا فقد تم توقيع عقود مع إيران لشراء مواد كهربائية بعد أن تفاقمت أزمة الطاقة الكهربائية في العراق، كما شاركت إيران بالجهد الدولي لإعادة أعمار العراق بنحو 650 مليون دولار، أي الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث المبلغ، مع اشتراطها أن تصرف جميع هذه الأموال من خلال تعاقدات تقوم بتنفيذها شركات إيرانية، مما يساهم في تحريك عملية الاقتصاد الإيراني الحكومي والخاص ، إضافة إلى وجود قرض إيراني بقيمة مليار دولار جرى الاتفاق عليه من حيث المبدأ ، ويعتبر العراق السوق الرابعة للمنتجات الإيرانية غير النفطية، كما وقعت بين البلدين ( 110) وثائق اقتصادية ، وتم الاتفاق كذلك على زيادة حجم الطاقة الإيرانية المصدرة للعراق من ( 400) ميغا واط إلى ( 1000) ميغا واط ، كما انتعشت السياحة الدينية من خلال قيام حوالي مليون أو أكثر عراقي بزيارة العتبات المقدسة في مشهد وقم، وزيارة مثلهم للنجف وكربلاء و الكاظمية من الإيرانيين، إضافة إلى اتفاقات عقود تجارية تمت بين شركات ورجال أعمال إيرانيين مع بعض محافظي المحافظات العراقية، واستخدام الموانئ الإيرانية و مرافق الشحن للسلع القادمة للعراق، إضافة لذلك إقامتها علاقات اقتصادية مع إقليم كردستان العراق، حيث أغرقت الأسواق في شمال العراق بكميات هائلة من المنتجات الإيرانية، كما أخذت الاستثمارات الإيرانية في شمال العراق بالنمو السريع، من خلال توقيع عشرات العقود خاصة في مجال الإنشاءات والاتصالات، فإيران تتمتع بعلاقات وثيقة مع الأكراد العراقيين منذ عقود طويلة وإلى الحد الذي اعترضت فيه حكومة إقليم كردستان على اعتقال القوات الأمريكية لبعض الإيرانيين في شمال العراق في ايلول/ سبتمبر 2007م، إذ طالب الرئيس العراقي (جلال الطالباني) بإطلاق سراحهم، رغم الامتعاض الكردي من تصريحات الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) في كلمته التي ألقاها في مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في داكار عاصمة السنغال في آذار / مارس 2008م، بقوله :” يجب على الدول الثلاث (إيران وتركيا والعراق) أن تتعاون إذا أريد هزيمة الانفصاليين الأكراد” ، مما يؤشر إلى خشية إيران على أكرادها من أن تؤدي الأحلام الكردية بالانفصال عن العراق إلى تشجيعها على مثل هذه المطالب ، إلا أن الموقف الإيراني واضح من خلال دعواتها الحفاظ على الوحدة العراقية ومنع تفككه ودعم مطالب الفيدراليات في العراق وبالذات بالنسبة للأكراد للحيلولة دون دفعهم إلى فرض التقسيم والاستقلال عن الدولة العراقية كأمر واقع، وفي أثناء زيارة الرئيس الإيراني للعراق في آذار / مارس 2008م، أعلن عن أنه تم التوقيع على (7) مذكرات لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع العراق ، وإقراض العراق مليار دولار ، وحسب تصريح الملحق التجاري بالسفارة الإيرانية ببغداد و (مهدي نجادي) أعلن أن حجم التبادل التجاري مع العراق بلغ (7) مليارات دولار لسنة 2010م
د. علي رحيم مذكور الساعدي
الرباط
2012