د. عماد الدين الجبوري
كلما أقترب موعد إنعقاد القمة العربية في بغداد بتاريخ 29-3-2012، تجد أن عاصمة الرشيد تزداد تقطيعاً وتشطرياً في نقاط السيطرة والتفتيش لمئة ألف جندي على الأرض، وعشرات الطائرة في الجو؛ حتى أصبح البغداديون يعيشون في معكسر إعتقال جماعي لم يألفوه منذ الغزو الأمريكي عام 2003. ناهيك بذكر الإعتقالات والمداهمات العشوائية واليومية للعديد من المناطق السكنية. وكذلك حالة الرعب والخوف والقلق من جهة، والسأم والضجر والضيق تجاه شدة القيود الأمنية من جهة أخرى .
وإذا ظنت حكومة الاحتلال الخامسة إن ما تفعله هو مجرد إجراءات وإحترازات أمنية مُسبقة من أجل القمة المزعومة. فقد أثبتت سلسلة التفجيرات في شهري 23 شباط/ فبراير، و 20 آذار/مارس التي طالت العاصمة والعديد من المحافظات، وراح ضحيتها نحو تسعين قتيلاً وخمسمئة جريحاً؛ فأنه لا يعكس الفشل الداخلي فقط، بل والعربي أيضاً. إذ أن الجامعة العربية تتحمل جزءً من هذا الإجرام الذي يجري على الساحة العراقية. وإلا كيف نفسر تقريرها الذي أشارت فيه بإمكانية إنعقاد هكذا قمة؟ أليست هذه شهادة زور باطلة؟ بل أن إستمرار سكوتها على ما يجري الآن، هو إستمرار الجامعة العربية بؤد نفسها بنفسها. كونها صارت تهتم بالجانب الإداري والتقليدي والشكلي أكثر من أهتمامها بالجانب القومي والإنساني.
ثمة أمر آخر، أن إصرار حكومة المالكي على عقد القمة، والإنفاق الهائل عليها، وقبول الحكومات العربية لها، والحضور القصير فيها، هي أيضاً من بين الأسباب التي ستزيد من حتمية فشل هذه القمة. ونورد منها:
أولاً: يحاول المالكي إضفاء صيغة شرعية لحكمه ولو بشكل مُهلهل وصوري. حيث أن إنعقاد المؤتمر بحد ذاته يُعدّ مكسباً سياسياً للمالكي، يمكن توظيفه إعلامياً بغض النظر عن عدد الروؤساء الحاضرين والنتائج والمقررات التي ستتمخض عنه.
ثانياً: لقد أنفقت حكومة المالكي أكثر من أربعمئة مليون دولار بغية الإعداد والتهيأة اللازمة للقمة. في حين أن لقمة العيش ما تزال عسيرة الحصول لدى المواطن العراقي. وأن سكوت الجامعىة العربية عن هذا الوضع وتأييدها المتواصل لإقامة القمة العربية في بغداد يُعتبر مشاركة سلبية بحق العراقيين.
ثالثاً: أن ما نسمعه ونشاهده على بعض القنوات العراقية من شكوى وتذمر مريرة يعانيها أهل بغداد في حياتهم وأعمالهم بسبب إجراءات إنعقاد القمة، جعلت بعضهم يقول: “هذه نقمة وليست قمة”! فهل أصبحت شكلية إنعقاد القمة أهم من عقلية ونفسية مواطنيها؟ ومن أجل مَنْ تُعقَدّ القمة أصلاً؟
رابعاً: عندما تشير معظم وكالات الأخبار على أمرين أثنين:
أ- سيتغيب عن حضور القمة الكثير من الملوك والروؤساء العرب الذين لهم وزنهم وحجمهم القومي والإقليمي والدولي، وأن مَنْ سيحضر يكون أقل منهم قوة وفاعلية.
ب- أن الحضور القممي سيكون لمجرد ساعات قليلة، ما بين ثلاث إلى خمس ساعات لا أكثر. وأن الإنعقاد سيتم في أحد القصور الرئاسية بمنطقة الرضوانية قرب مطار بغداد الدولي.
تُرى هكذا قمة سريعة وخاطفة يحضرها ثلة قليلة الثقل، هل سيصدر عنها قرارات تاريخية هامة وخطيرة؟ أم أن التاريخ سيكتبها بأنها أفشل قمة على الإطلاق؟
وإذا كانت القضية السورية على رأس القضايا التي ستُطرح. فهل سيلتزم المالكي بالنهج العربي الذي تقوده السعودية وقطر في إسقاط النظام السوري؟ أم أنه سيتبع النهج الصفوي الإيراني الداعم للنظام ضد ثورة الشعب؟ علِماً أن المالكي في شهر أيلول/سبتمبر 2010 قد طالب مجلس الأمن بعقد محكمة، حيث أتهم النظام السوري بتصديره الإرهاب للعراق. وبعد الثورة السورية في منتصف آذار/مارس 2011 إنقلب المالكي على موقفه مؤيداً خامنئي بدعم النظام ضد الشعب. أن هذه الأمور وغيرها سيكشفها قادم الأيام، ويثبت للجميع أن قمة بغداد هي أفشل القمم العربية على مدى تاريخها.