عقيل الموسوي
كم كنّا فرحين ونحن نحفظ عن ظهر قلب عوامل الوحدة العربية من تأريخٍ ولغةٍ وجغرافيةٍ وأهدافٍ ومصالح مشتركةٍ ودينٍ واحدٍ .. وكم كنّا فرحين ونحن نحلم بتحقيق حلم الوحدة العربية مرددين نشيد بلاد العرب اوطاني ناسين أو متناسين أعترافنا بأنه ( حلم ) بل هو أضغاث أحلام حاولوا أيهامنا بتأويله رغم أنهم بتأويل الاحلام ليسوا بعالمين .. لندّكر بعد أمةٍ بأننا كنا مغفّلين حين أكتشفنا أن عوامل الوحدة العربية ومقوّماتها لم تكن سوى فبركة ساقها علينا البعض من القومچية وجعلوا منها صورةً جميلة للغد المشرق ليصلوا من خلالها الى مآربهم في التسلط على رقابنا وخيراتنا ومن ثم أتقنوا فن لعبتها حين جعلوا منها باقة حشيش علقوها أمام ناظرينا تتدلى من عمود شجّوا به هاماتنا ونحن نجدّ السير ونسرع الخطى لاهثين وراء تلك الباقة الذابلة دون اكتراث لدمائنا النازفة ظناً منا أنها ساقية خيرٍ ستطرح وروداً تملأ الدنيا بشذى عطرها الفوّاح
وكم كانت صدمتنا كبيرةً حين أكتشفنا أن لكلٍ منا تأريخاً يتغنّى به مختلفا عن تواريخ الاخرين , فهذا يتغنّى بتاريخ الفراعنة وأهراماته وذاك يتفاخر بتاريخ الرومان ومدرّجاته وحلباته القتالية وآخر يتغنى بتاريخ سومر وزقّورته وبابل وجنائنه بل ويتفاخر بالسبي البابلي لليهود رغم أن اليهودية حينها كانت تمثل رسالة الحق المختومة بختم السماء , لنجد أن الأختلاف في تواريخنا كالاختلاف بين الكتابة المسمارية والخط الهيروغليفي أو كالأختلاف في تواريخ مواليدنا , وكذا الامر حين أكتشفنا أننا لا نملك لغة مشتركة ففضلا عن وجود لغات لأقليّات حاولنا طمسها بأسم القومية والدين فقد وجدنا لهجاتنا متباعدةً أكثر من المسافات التي تفصل بيننا أضافة الى تمسّك الكثير منّا بلغة البرستيج وألقاء اللائمة على المستعمر ولولا القران لما وجدنا انفسنا افضل حال من الهنود الحمر , ولا يختلف الامر كثيرا في الجغرافية المشتركة حين ادركنا أننا نقع في قارات مختلفة وان ما يفصلنا عن بعضنا البعض الآخر لايختلف عما يفصلنا عن جيراننا , وأما الولوج في الأهداف والمصالح المشتركة لسبر أغوارها فأنها تكاد تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ففي الوقت الذي نادى أو نافق فيه البعض في حقيقة الامر بضرورة الوحدة راح الآخر الى حد التطرّف في واقع التفرقة بل راح يصرف المليارات من اموال الفقراء والمساكين من اجل ترسيخ واقع التقسيم والتشرذم , وليت شعري قد توقّف الأمر عند هذا الحد ولم نصرّح بأننا على دين واحد , دين جعلنا منه ستارا وعنوانا للتمذهب ضمن فرقٍ متناحرة يكفّر بعضها البعض الآخر حتى وصل الأمر الى مساندة أسرائيل ضد حزب الله لأنه ينتمي الى مذهبٍ آخر , هذا فضلا عن فتاوى التكفير وأباحة القتل وأستباحة العرض لمن هو اخ لهم في الدين ونظير في الانسانية … تلك هي عوامل الوحدة العربية التي أزهقوا من أجلها الأرواح وأهدروا الأموال زورا وبهتانا ودجلا ونفاقا .. الوحدة العربية التي لم نشاهد لها تطبيقا حتى على الخارطة الصماء والتي بقيتُ أنا شخصيا أجهل معنى الضفة والقطاع لأعتقادي بأن الدول العربية تضع أسم فلسطين على الخارطة كاملة ألى أن أكتشفتها وأنا في منتصف العقد الرابع من العمر أثناء أقامتي في الاردن ” الشقيق ” ومن ثم أوضحتها لنا الفضائيات المنادية بالعروبة وفي مقدمتها قناة الجزيرة والذين يضعون اسم اسرائيل على الخارطة في وقت يستنكرون فيه علينا تسمية خليج البصرة وهو الاسم الحقيقي للخليج العربي قبل ان يصبح اسمه الخليج الفارسي عالميا , بقي أمر واحد قد يراه البعض احد مقومات الوحدة لكني اراه غير ذلك وهو وجود الجامعة العربية , هذا الكيان الذي أنتحل صفة الجامعة وهو لايتعدى المدرسة الابتدائية في مستواه ككيان من واجباته لمّ الشمل العربي ورتق الفتق في خيمته وأصلاح ما فسد من شأنه , الّا أنها وبحكم ما تنتهج من سياسة عرجاء قد اصبحت واحدة من نقاط التفرقة وليس الاجتماع , فلا زالت أمانتها العامة حكراً على موظفي الخارجية المصرية على اعتبارها الاخت الكبرى رغم تجاوز الاخت موزة التي احصنت فرجها سن المراهقة فنفخ فيه اليهود من روحهم بعد ارتباطها بعلاقة عشق عذري مع تل ابيب صار نتاجها رحمة للعالمين ومنهم الشعوب العربية بربيعها بشكل خاص وصار الجميع يناديها ( أبله موزه ) , كما أنها ( الجامعة ) لازالت ألعوبة بيد فراعنة العرب وقوارينهم يشرعنون من خلالها ما يتماشى مع رغباتهم وطموحاتهم ويحرمون ما يتنافى مع ذلك , لذا لا أرى ضرورة لأستمرار هكذا كيان لا يعود علينا الاّ بخناجر تطعن ظهورنا بعد سرقة ما في جيوبنا من حقوق لفقرائنا وايتامنا المساكين والألتفات الى الانضمام الى المنظمات العالمية في مجالات التجارة والأقتصاد وتبادل العلوم والمعرفة بما ينفعنا اقتصاديا وعلميا وأداريا