الدكتور زاحم محمد الشمري
مما لاشك فيه ان الهيمنة الفعلية للغرب المتطرف على الوطن العربي والعبث بأرضه وثرواته الاقتصادية والبشرية ومصادرة قراره السياسي بدأت بمعارك طاحنة تمثلت بالحروب الصليبية وانتهت بالحربين العالميتين الأولى والثانية التي نتج عنهما وضع وتنفيذ اتفاقية سايكس-بيكو عام ١٩١٦ التي قسمت نفوذ السيطرة الغربية على المنطقة العربية “الشرق الاوسط” من خلال إيجاد أنظمة عربية تابعة لها تعمل ضمن اجندة وفلك السياسة الغربية السلبي في المنطقة العربية على وجه التحديد الرامية الى إذلال شعبها بعد ايمان الغرب بصعوبة التعامل مع العقلية العربية “البربرية” كما يسمونها التي جعلتهم يحسبون لها الف حساب على مر التاريخ والمآثر.
فأسست أنظمة دكتاتورية ذات حكم استبدادي طويل الأمد، ومكنتها من تصفية خصومها الذين اصبح الغرب وبعض الدول المجاورة ملاذهم الآمن للعيش الرغيد ولترتيب أفكارهم وإعادة إنتاجها على المستقبل البعيد دون النظر الى ما آلت اليه الأمور ووصلت اليه الامم والشعوب من تطور سياسي وحضاري وتكنولوجي. ان الأنظمة الدكتاتورية لم تنظر الى الجانبين العلمي والثقافي لشعوب البلدان العربية ولن تهتم بهما، انما اهتمت بمسألة فرض الأمن بقسوة على مواطنيها مما زاد من حدة التوتر وولد شرخ في المجتمع الواحد بإنقسامه الى صفين متضادين الاول يمثل النظام الضاغط بغطرسته والكابت للحريات، والثاني الرعية المدافعة عن حقوقها التي اعياها الاستبداد والتخلف. ومنذ ذلك الحين تحولت وجهة الصراع الى تصادم بين الرئيس والمرؤوس الذي أدى بالنتيجة الى طغيان الظلم والتخلف في بلدان المنطقة العربية، وهذا ما يطمح ويُخطط اليه أعداء الأمة في خلق صراع داخلي مستمر بين أبناء الشعب الواحد يتعدى كل الحدود والالتزامات القانونية والاخلاقية ويتغذى من الشعارات الطائفية والعرقية والاثنية الأخرى التي امست مصدر تشريعه الاول والاخير بعيداً عن الولاء للوطن والمواطن والامة الواحدة التي انجبت تأريخاً تحلم به الشعوب والأمم الاخرى.
ان الغرب يعرف جيدا بأن مساحة تفكير العربي المسلم لا تتعدى الحيز الذي يتواجد فيه او أوسع بكثير من مقدرته الفكرية والفنية الضيقة المتعلقة بآلية التطبيق المحدودة جداً. وهنا يكمن الفشل الذي يعول عليه الغرب يقابله الإصرار وعدم التراجع لدى العربي في تنفيذ ما يدور في خلجانه وما تربى عليه رغم انه يعرف جيدا بانه يسير بمحظ إرادته الى الانتحار والفشل، وهذا حال كل الانظمة المتعاقبة. وهنا لا نلقي باللوم على شرطي المنطقة الغربي وإنما على العقلية العربية التي تحاول اعادة انتاج الأفكار البالية التي لا تتلائم وروح العصر والتطور الذي تشهده البلدان الغربية وشرق اسيا حالياً حين حولت المنطقة العربية الى سوق استهلاكية للبضاعة الغربية والفكر الديني والثقافي المتخلف.
ورغم اصطدم هؤلاء الذين احتضنتهم مؤسسات الرعاية الغربية لسنين طويلة بواقع اجتماعي صحي آخر لم يألفوه، لكنهم لم يتعلموا منه شيئأً، مع بعض الاستثناءات، ولن يعملوا على طرح أفكارهم أو إعادة صياغتها وإنتاجها بما يتناسب والمصلحة العامة للمجتمعات العربية لكي يعم الخير على الجميع، وذلك حين توفرت لهم فرصة اعتلاء كرسي الحكم، إنما جاءوا محملة صدورهم بالبغضاء والكراهية وطلب الثائر من أبناء جلدتهم المتهمين بالتآمر ليس لجرم ارتكبوه وانما بحجة بقائهم تحت حكم الانظمة المستبدة، التي اضحى الناس يترحمون على زمانها بسبب ما ذاقوه من مرارة العيش والفوضى في الوقت الحاضر وبالشكل الذي يُديم ويغذي الصراع والاقتتال الداخلي بين ابناء الوطن الواحد تحت ذرائع مختلفة بعيدة كل البعد عن الروح الوطنية ومبدأ المواطنة.
وهنا أخذت الأنظمة العربية التي جاءت من رحم ما يسمى بثورات الربيع العربي والتدخل الغربي المباشر لتغيير الانظمة الدكتاتورية السابقة تنفذ أفكارها التي يكتنفها الخوف من المجهول، والتي أكل الدهر عليها وشرب ولم تعد صالحةً للاستهلاك المحلي والدولي ولا تتماشى مع الواقع، والى درجة ان اخذتها العزة بالإثم في آلية التطبيق، رغم المعرفة الجيدة بأن ذلك يعد طريقاً للفشل والانتحار معاً كسابقاتها، بعد ان تولدت لديها الفكرة واقتنعت بها، مع بعض الإستثناءات ايضاً، ان كل من ينتظرها بلهفة وشوق في البلاد العربية كان عدواً لها وعمل على تهجيرها واذاقها مرارة الغربة التي ألِفت بها أناس ليسوا من جلدتها تدافع عنهم بشراسة وتؤمن بهم حد القداسة حتى ولو كانوا على خطأ، اي اصبح ابن جلدتها ومن تريد ان يصوت لها في معركة الزعامة بريء متهم حتى تثبت التهمة عليه تحت ذرائع واهية بانه ارهابي من ازلام النظام الدكتاتوري السابق أو شيوعي ملحد أو علماني كافر أو إسلامي ونصراني ومن غير ذلك ممن يخالفها في الرأي والمعتقد لينال جزاءه العادل حسب منظورها الخاص البعيد كل البعد عن استراتيجية بناء الدولة المدنية العصرية التي تحمل روح الرسالة السماوية الحقة وقريب كل القرب من الفساد والتشرذم المجتمعي الذي يصب في مصلحة اعداء الوطن والامة. فما بالك ان تتهم بالكذب والخيانة والتآمر من قبل أُناسٍ اختلفت لديهم المفاهيم والقيم وانت بريء براءة الذئب من دم يوسف.