الحملة المفاجئة لاعتقال نشطاء بقايا حزب وتفكيك تنظيماتهم، يمكن النظر اليها من زاويتين، الاولى تتعلق بصدقية القول انهم يعدّون لاستثمار الفراغ الامني، بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق، وهز الاستقرار، الهش اصلا، واختراق الادارات والمنظومات الامنية الامر الذي لايـُشكّ فيه، ولايمكن تبرئة هذه الفلول من نية التخطيط لعمليات ارهابية تروع البلاد فيما يجري تداول معلومات ومؤشرات كثيرة عن هذه النيات والمخططات، بل ان الفترة السابقة شهدت نشاطا ارهابيا مسجلا باسم جماعات مسلحة من بقايا اجهزة القمع لنظام الدكتاتورية السابق.
والزاوية الثانية، هي الخشية من عشوائية هذه الاعتقالات وعدم استنادها الى معطيات ومعلومات سليمة وموثقة عن المطلوب اعتقالهم بوصفهم خارجين على القانون ومتورطين في اعمال العنف والجريمة، والخوف من انها قد تمتد الى ساحة تصفيات الحساب السياسي، المنفلتة، واعتقال اشخاص معارضين، او منتقدين لسياسات الحكومة واحزابها، او نشطاء في كيانات سياسية محسوبة على العملية السياسية، ولديها مشاكل مع السلطة، او ان تتخذ هذه الحملة وجهة طائفية.
ويبدو انه في محافظتين، في الاقل (الناصرية والانبار) وعدد من البلدات والاحياء في العاصمة واجهت الحملة الامنية تحديات وتجاذبات ونزاعات ساخنة، فضلا عما جرى في اجتماع مجلس الوزراء من تراشق بالاتهامات، ما القى عليها ظلالا من الشك في تحقيق النجاح او الهدف المثبت لها، هذا فضلا عن ردود الفعل، المتوقعة ايضا، من قبل مجموعات القائمة العراقية المشاركة بالحكومة التي رأت بالحملة تعديا مقصودا على نفوذها، أخذا بالاعتبار (إذا ما شئنا الصراحة) بان هذا النفوذ، او جزء كبيرا منه، مستمد من انصار حزب البعث ومن ساحة الموالين للنظام السابق.
وغير هذا وذاك فان مشكلة الحملة على تنظيمات حزب صدام تجري في ظروف تشهد اضطرابا شديدا في داخل العملية السياسية وحكومتها، فثمة خلافات حيال التعامل مع آثار انسحاب القوات الامريكية، بل وحيال العلاقة مع الولايات المتحدة ودورها الامني للمرحلة اللاحقة، وهناك ازمة في العلاقة بين الحكومة الاتحادية وقواها واطرافها وبين حكومة اقليم كردستان، وهناك ملفات خطيرة ومشاريع قوانين وقرارات مؤجلة بانتظار الحد الادنى من التوافق بين اطراف المشهد السياسي، وهناك تحديات الجوار الاقليمي التي تفاقمت الى مستوى التهديد الفعلي عشية خلو العراق من الوجود العسكري الامريكي.
كل ذلك يطرح السؤال الجدي عما اذا كانت الحملة على تنظيمات حزب البعث جاءت في وقتها المناسب لكف خطر النشاط الارهابي المسلح الذي تقوم به فلول حزب البعث، ام انها اجراءات تدخل في رغبة كابينة الحكومة لتحجيم منافسيها، ومنعهم من استثمار الفراغ الامني الذي تقبل البلاد عليه، ام ان الامرين متلازمان في الواقع، ومستقران في منظور اصحاب الحملة.
لكن، قبل ان تتولى الايام المقبلة الكشف عن خلفيات الحملة على البعثيين ستكون القوات الامريكية قد غادرت الاراضي العراقية وتركت سؤالها البليغ عما اعده العراقيون وحكومتهم من تصور لعبور اخطار التفتت.
*
“اذا كانت المطرقة هي الاداة الوحيدة التي بين يديك، فلا عجب إنْ ظننت ان جميع المشاكل مسامير”.
حكيم ياباني
نقلا عن جريدة الاتحاد بغداد