د. عماد الدين الجبوري
أن مجزرة الحويجة التي أرتكبتها أذرع المالكي العسكرية في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 23-4-2013، والتي راح ضحيتها 125 شهيداً وأكثر من 400 جريحاً؛ تعتبر حداً فاصلاً إتخذت على غرارها قادة المقاومة العراقية قرارها بمجابهة قوات المالكي المتمثلة بقوات سوات والميليشيات المدمجة بالجيش والشرطة الإتحادية. حيث بدأ أبطال المقاومة بتطبيق نفس الفلسفة القتالية التي هزموا بها قوات الإحتلال الأمريكي. حيث إتباع مبدأ “أضرب وأهرب”. وكذلك جعل مقار ومراكز تلك القوات المالكية تكون قبوراً لهم عبر قصفهم بقنابر الهاون والصواريخ. فضلاً عن نصب الكمائن بالتفجيرات والقنص والإشتباك الفجائي.
ولكن قادة المقاومة العراقية على دراية تامة بما تفعله هذه القوات سابقاً، فلماذا جاء قرار المجابهة متأخراً؟ وماذا لو لم تكن هناك مجزرة ما؟ خصوصاً وأن سياسة الإعتقالات والإغتيالات والإتهامات على مدى سنوات قد حصدت الكثير من أبناء العراق الغيارى. هذا إن لم نشير إلى أن حرب العصابات تأخذ زمناً لكي تعطي ثمارها. وقبل التوصل إلى الإجابة، علينا أن نبين شيئاً عن تكوينات قوات المالكي المرتبطة به مباشرةً بحجة كونه القائد العام للقوات المسلحة وفقاً للدستور الذي صاغ أُسسه الرئيسة المحتل الأمريكي.
أولاً: قوات سوات. بعد دخول القوات الأمريكية إلى بغداد في 9-4-2003، أنشأت قوة عسكرية خاصة بها، بدأت بأقل من ألفين عنصر موالية للمحتل وتساعده في عمليات القمع داخل المناطق الساخنة. وكان زيها ولثامها الأسود وتدريبها وتسليحها لتأدية تلك المهمات الشنيعة والفضيعة بحق أبناء بلدهم من العراقيين. ونظراً لذلك كان الأمريكان يسمونها أيضاً ب”القوات القذرة”. ثم تكاثر عددها في السنتين الأوليتين حتى تجاوز الأربعة آلاف عنصر، مدججون بأحدث أنواع الأسلحة الأمريكية المتطورة، ومنها الناظور الليلي. فضلاً على الآليات والعجلات نوع همر وغيرها. وفي عام 2006، لإتفاق لم توضح أسبابه، أجازت قوات الإحتلال الأمريكي لرئيس حكومة الإحتلال الرابعة نوري المالكي أن يصدر بعض الأوامر إلى قوات سوات، وفي العام التالي تم إلحاقها نهائياً بمكتب المالكي. ورغم أن تدريبها وتسليحها يقع على عاتق وزارة الدفاع، لكنها تابعة إلى قانون وزارة الداخلية.
وما أن أصبحت قوات سوات تابعة لمكتب المالكي، حتى تضاعف عددها إلى خمسة عشر ألف عنصراً، معظمهم يتم إختيارهم من مناطق محددة في الجنوب والوسط ومن طائفة معينة، وينتشرون في بضعة محافظات: بغداد، البصرة، نينوى، كركوك، بابل وغيرها. ولقد صلت ميزانيتهم السنوية إلى مستوى ميزانية وزارة الدفاع العراقية. وأعلى من ميزانية وزارة الداخلية التي ينتمون إليها شكلياً، ولا وجود لهم على صفحات موقع الوزارة الرسمي من حيث سرد المعلومات المتعلقة بمهام أعمالهم وترتيب تشكيلاتهم الخ. ولا أحد يأمرهم بالتنفيذ العملي غير المالكي عبر قائد هذه القوات الفريق فاروق الأعرجي المقيم في مطار المثنى، مركز حزب الدعوة في بغداد. كما ولا توجد أي جهة رسمية أمنية أو عسكرية تستطيع محاسبة أو مراقبة جنود وضباط قوات سوات.
هذا ومن بين سلسلة العمليات الكثيرة التي أشتركت فيها قوات سوات هي: معركة الفلوجة الأولى، ومعركة النجف في العام 2004، وصولة الفرسان في البصرة 2009، وإقتحامهم لكنيسة النجاة في منطقة الكرادة بالعاصمة بغداد عام 2010، وصولاً إلى مجزرة الحويجة الآنفة الذكر. ناهيك عن تدخلاتها الشتى في القضايا والأمور التي يقررها المالكي تجاه خصومه السياسيين في الإقصاء أو الإعتقال أو ترويع المواطنين في المداهمات الليلية، وغيرها من السلبيات.
على أي حال، من الناحيتين القانونية والدستورية لا تمتلك قوات سوات أي غطاء يبرر لها أعمالها الميدانية. كما وأن أرتباطها المباشر بالمالكي، وأن منتسبيها من طائفة واحدة ومناطق محددة؛ علاوة على ميزانيتها الباهظة الكلفة، كل تلك الأمور ليست لها أصولها الواقعية في العملية السياسية القائمة على المحاصصة أصلاً.
ويشير عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية شوان محمد طه إلى أن “هذه القوات لم تراع التوازن الوطني في تشكيلها وتقتصر على الشيعة ولا يوجد أي عنصر فيها من الكرد أو السنة”. وأوضح أن قوات سوات “خارج الغطاء القانوني على الرغم من الحكومة تقول بأنها تعمل ضمن قانون وزارة الداخلية”.
أما عضو مجلس النواب مها الدوري، عن “كتلة الأحرار” التابعة للتيار الصدري، فقد كشفت أن “هنالك معلومات تشير إلى وجود قواعد أمريكية في مطار بغداد تدرب قوات سوات التي أستخدمت القوة بشكل مفرط في ساحة الحويجة وقامت بضرب المتظاهرين بالذخيرة الحية”.
أما “قائمة متحدون” فقد أصدرت بياناً يوم الجمعة الموافق 26-4-2013 جاء فيه: أن “العمليات العسكرية التي قامت بها هذه القوات سيئة الصيت والتي أنشأت في ظل الإحتلال الأمريكي وتلقت تدريباتها في معسكراته على عقيدة المحتل، أثبتت إنها لم تكن إلا ضد أبناء الشعب العراقي، ولم تتورع عن أعمال القتل المروع تجاه العراقيين وبدم بارد، وآخر أعمال القتل التي قامت بها هي جريمتها في الحويجة”. وطالب البيان “بإلغاء قوات سوات” لكونها خارج إطار الدستور،. وطالب اللجان التحقيقية إلى تقديم قادتها للمحاكم المختصة عن جرائم القتل المتعمد وغير القانوني التي قامت بها.
أما عن فصائل المقاومة، فقد أعلن جيش رجال الطريقة النقشبندية في 25-4-2013 عن إعدامه المجرم العقيد علي شاكر الذي قاد عملية إقتحام سوات لساحة الغيرة والشرف في قضاء الحويجة. ورغم نفي وزارة الداخلية لهذا الخبر، لكن مضت أكثر من عشرة أيام دونما أن يظهر علي شاكر على وسائل الإعلام الرسمية أو الأهلية.
ثانياً: الشرطة الإتحادية. في شهر تموز/يوليو 2003 أُعيد تشكيل الشرطة العراقية، لكنها مجردة من السلاح بقرار المحتل الأمريكي. وبعد تدهور الأوضاع الأمنية تجهزت الشرطة بالسلاح والآليات. وتم تأسيس الشرطة الإتحادية في عام 2004. وكانت تتكون من قوتين منفصلتين. الأولى هي “قوات مغاوير الشرطة” تابعة إلى مكتب المستشار الأمني لوزير الداخلية. والأخرى تسمى “قوات حفظ النظام” تابعة إلى مديرية العمليات. وبعد فترة أرتبطت هاتان القوتان تحت قيادة واحدة هي “قيادة القوات الخاصة”. ثم تغير أسمها لاحقاً إلى “قيادة الشرطة الوطنية”. ويبدو أن الأسم الأخير جاء للتغطية على كثافة الدمج للعناصر الميليشية في هذه القوات، والتي كانت ومازالت تعمل لخدمة أحزابها الطائفية.
ورغم التغيرات التي تطرأ على نمط هذه القوة الشرطية ومنذ العام 2007، لكنها لا تستطيع أن تكون وطنية بالمعنى الصحيح والواجب لها. إذ أنها من بين القوات التي تغلغلت فيها أحزاب السلطة الطائفية التي تروم إلى التسلط القسري على الآخرين عبر ما يسمى بالشرطة الوطنية التي تتمع بصلاحيت تفوق كثيراً صلاحيات الشرطة المحلية.
الواقع أن الشرطة الإتحادية تمثل ثقلاً آخراً من بين قوى وزارة الداخلية. فهي القوة الضاربة التي يرتدي أفرادها واقية الرصاص ويشتركون مع قوات سوات في العمليات التي يستوجب حضورها معهم. فالتدريب والتجهيز والتسليح يجعلها قوة إسناد كبيرة إلى قوات سوات. فضلاً عن العقلية والعقيدة الميليشياوية التي يشتركون فيها في الخدمة والولاء لأحزاب السلطة الحاكمة من: حزب الدعوة ومنظمة بدر والمجلس الأعلى وغيرهم.
ثالثاً: دائرة نزع السلاح ودمج الميليشيات. في عام 2006 تم إنشاء هذه الدائرة، وألحقت بمكتب رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي مباشرةً. ويتكون عدد موظفيها الآن من 130 فرداً. ميزانية رواتبهم السنوية 193 مليار دينار عراقي. وإن سعر صرف الخطورة لهم بالدولار يعادل 1500 دينار، بينما سعر الصرف الرسمي للدولة هو 1180 دبناراً للدولار الواحد. مما يعني خصوصية وأهمية ومنزلة هذه المديرية التي تغذي الجيش العراقي بالعناصر الميليشية التابعة لرؤوساء أحزابها في السلطة.
وهذا يكفي أن يفسر لنا بعض الأسباب التالية:
أ- أن تجتمع ما تسمى بقوات الجيش العراقي مع قوات سوات والشرطة الإتحادية عندما تقوم بشن الهجمات المشتركة ضد العراقيين. بالإضافة إلى كشف سلوكيتهم الطائفية المشينة التي لم يألفها المجتمع العراقي. وكذلك ممارستهم للقوة بطريقة وحشية قاسية لا تنم عن وعي وطني ولا أي حسّ إنساني. بل كراهية مقيتة ناجمة عن عقيدة مغلقة ومنحرفة.
ب- عدم دمج عناصر الصحوات بالجيش والشرطة الإتحادية بدعوى “أنه كان مشروعاً أمريكياً سواء على صعيد الخطط أو البرامج، ولا علاقة للدولة به” من جهة. وأن الدائرة لا تمتلك المال الكافي لها من جهة أخرى. على حد قول مدير العلاقات والإعلام في دائرة نزع السلاح ودمج الميليشيات بالعراق، المدعو قاسم الزبيدي في تصريح لصحيفة “المدى” العراقية المنشور في 4-3-2012.
ج- الإهتمام بمجالس الإسناد التي دعى لها نوري المالكي لتكون العشائر داعمة لحكمه. وتنحصر مهامها في ثلاث جوانب هي: مساندة القوات الأمنية بالمعلومات والجهد ضد الإرهاب. المساعدة في عودة المهجرين والمحافظة على حياتهم. حل المشاكل جراء الإرهاب الذي يمر بها البلد.
إستنتاج
من خلال ما سردناه أعلاه، نعلم أن الأذرع الميليشية التي ترتدي البزة الرسمية والمدمجة في قوات الجيش والشرطة الإتحادية. وكذلك قوات سوات الأمريكية المنشأ والمرتبطة بمكتب نوري المالكي فقط. إن هي إلا مقامع دموية ضاربة يستخدمها المالكي بذريعة مكافحة الإرهاب وإستدباب الأمن، بينما يهدف بها لتقوية تسلطه وفرض أستبداده الذي نجم عنه الظلم والحيف والجور الذي طال حتى الذين يشتركون معه في العملية السياسية.
ورغم أن المقاومة الوطنية المسلحة تعلم بهذا التركيب العسكري الشاذ في هيكلية الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، لكنها لم تخوض معها أية مواجهة قتالية بالمعنى الميداني الشامل. والسبب سواء كان الحذر من الخلط والإلتباس أمام الرأي العام. حيث ستوظف وسائل الإعلام الرسمية على أن المقاومة العراقية تقاتل قوات الجيش والشرطة المدافعتين عن الشعب والوطن.
وكذلك بالنسبة إلى موقف الكثير من الفصائل المقاومة، ومنها رجال الطريقة النقشبندية، حيث تنظر إلى تشكيلات قوات المالكي المدمجة على أنها عراقية التركيب. وبالتالي لا يجوز إراقة الدم العراقي على هذا النحو،
وأن المجابهة يجب أن تقتصر فقط على الأفراد العسكريين الذين تثبت أستخبارات المقاومة على أنهم أرتكبوا جرائم القتل بحق الأبرياء من المواطنين العراقيين.
بيد أن مجزرة الحويجة التي يندى لها جبين الإنسانية أوجبت على قادة المقاومة أن تغير ستراتيجية المجابهة. فمنذ إنطلاقة التظاهرات السلمية التي إبتدأت في الفلوجة بتاريخ 23-12-2012، ثم إنتشرت سريعاً في ست محافظات. فقد أعلنت فصائل المقاومة دعمها وتأييدها وتوفير الحماية لها. وبما أن تهديدات المالكي المستمرة تجاه المتظاهرين والمعتصمين قد نفذها في ساحة الغيرة والشرف بقضاء الحويجة. وكما أشار بعض جلاوزته بأنها ستكون البداية لعمليات أخرى قادمة لإنهاء ساحات الإعتصامات. والذي يدعم هذا الوضع الخطير الأقوال الإيرانية التالية:
أولاً: تصريح العميد ناصر شعباني لجريدة أخبار “روز” الإيرانية، بعد ثلاثة أيام من مجزرة الحويجة. حيث قال بكل وضوح أن: الحرس الثوري الإيراني نفذ أول عملية أمنية له في العراق الأسبوع الماضي بالإشتراك مع الجيش العراقي. وأضاف: “أن هذه العملية لن تكون الأخيرة. بل أنها بداية لتعاون أمني عسكري إيراني عراقي”.
ثانياً: تصريح نائب القائد العام لحرس الثورة الإيرانية العميد حسين سلامي لصحيفة “صداي عدالت” في وقت متقارب عما قاله شعباني. حيث أعترف علانية بأن: القوات الإيرانية لن تتدخل في إنهاء العصيان بمحافظة الإنبار، إلا بعد تلقي الضوء الأخضر من الحكومية العراقية. وأشار أيضاً إلى أن “تغير الأمور في سوريا فيه إحتمال لعودة المتطرفين في المناطق الغربية في العراق. وهذا الأمر لن نسمح بحدوثه مطلقاً”.
وبذا كان لزاماً على قادة المقاومة العراقية أن تفي بوعدها لحماية المتظاهرين والمعتصمين من جانب. ومن جانب آخر، أن تعلن مجابهتها الميدانية الشاملة ضد قوات: الدمج والشرطة الإتحادية وسوات وعناصر الحرس الثوري الإيراني المشتركة معهم في قمع وقتل المتظاهرين والمعتصمين المدنيين السلميين.
وإذا كانت المجابهة التصاعدية بين قوات الإحتلال الأمريكي وفصائل المقاومة العراقية البطلة قد أستمرت لخمس سنوات ضارية ما بين 2003-2008، لتأخذ بعدها بالعد التنازلي. حيث وضع الجدول الرسمي للإنسحاب من العراق في غضون ثمانية عشر شهراً. بدأت بالإنسحاب من المُدن في منتصف عام 2009، ثم المغادرة النهائية في أواخر 2012. فإن مجابهة المقاومة الوطنية المسلحة لقوات المالكي الميليشية سوف لن تستغرق كل تلك المدة الزمنية. وإذا أستمرت بعض الشيء، فلأنها لا ترتبط بالعراق وحده، بل بالمشروع الصفوي الإيراني في المنطقة العربية. وإن الدعم الإيراني بالمال والسلاح والرجال إلى النظام الدموي في سوريا، والتسهيلات التي يقدمها المالكي للإيرانيين عبر أستخدام الأجواء العراقية، ودخول عناصر حزب الله من لبنان وجيش المهدي من العراق، كلها عوامل تأخير للسقوط الحتمي لا أكثر.
أن منطق التاريخ الذي أنطبق على قوات الإحتلال الإمريكي ومرتزقتها بهزيمة ميدانية مريرة على أيدي أشاوس المقاومة العراقية. فإن نفس هذا المنطق سيتكرر أمامنا مع قوات المالكي المدمجة ومن يقف ورائها من قوات الحرس الثوري الإيراني. وإن العبِرة في خواتم الأمور أبداً.