بالرغم من إنني لا أؤمن بتلك المقولة والتي تفيد؛ بأن “التاريخ يعيد نفسه”، إلا إننا عندما نعيد قراءة التاريخ ونقارنه مع مراحل تاريخية أخرى، أو حتى معاصرة، فإننا نجد بعض التقاطعات والتي تكاد أن تصل لحد التطابق أحياناً ومنها على سبيل المثال وليس الحصر؛ واقع المسيحيين المارونيين في الأزمة اللبنانية خلال السبعينيات والثمانينيات -أو ما سميت بالحرب الأهلية وذلك قبل أن تتمكن سوريا من ردع كل الأطراف والتحكم بكل مفاصل الدولة اللبنانية- كما يسردها الرئيس اللبنانى الأسبق أمين الجميل في شهادته على العصر، فإننا سنجد حالة سوريا، بأزمتها الحالية و”حربها الأهلية” وانقسام المجتمع بين عدد من المكونات والميليشيات الخاضعة لعدد من الدول الإقليمية والدولية، شبيهة بحالة اللبنانيين حينذاك. وما يهمنا هنا لأن نسلط الضوء عليه هي المقارنة بين واقع المارونيين وواقع شعبنا الكردي حيث كان أولئك محاصرين ببحر متلاطم من المسلمين وكان هناك مشكلة الفلسطينيين المهجرين، ليس فقط بالنسبة لإسرائيل، بل حتى لعدد من الدول العربية مثل الأردن ويريدون التخلص منها، وكلنا يتذكر مجازر “أيلول الأسود” بين الجيش الأردني والميليشيات الفلسطينية وترحيلهم إلى لبنان للابتلاء بها!
وهكذا وبدل أن تصبح لبنان بمستوطناتها الفلسطينية مكاناً لاستيعاب هؤلاء اللاجئين، تحولت إلى معسكرات للميليشيات الفلسطينية، بل وصل الأمر إلى أن تتحول لدولة داخل الدولة اللبنانية وأقوى منها بحيث بات نفوذ وسلطة الفلسطينيين المستوطنين أقوى من سلطة اللبنانيين أصحاب الأرض -كما حال شعبنا الكردي مع المستوطنات- وذلك نتيجة الدعم العربي والإسلامي لها بحيث أجبر المسيحيين وبالأخص الموارنة إلى تشكيل ميليشيات عسكرية لحماية أنفسهم من اعتداءات مقيمي تلك المخيمات الفلسطينية، وخاصةً إذا عرفنا بأن تلك المخيمات أقيمت أساسًا على المناطق المسيحية، كما هو الحال في هذه المرحلة مع المخيمات التي تقام على الأراضي والمناطق الكردية في الشمال السوري المحتل تركياً، والمدعومة عربيًا إسلامياً لتوطين الفلسطينيين والإسلاميين المتشددين وتشكيل دويلة أو كانتون، وربما كريدور إسلامي سني متشدد على حدود تركيا! وهكذا فإن ظروف واقع المرحلة وتعدد الميليشيات المسيحية المارونية حينذاك أجبر بشير جميل؛ القيادي الماروني لميليشيات الكتائب، بأن يقوم بإجبار وإخضاع كل الفصائل والقوى المسيحية الأخرى تحت سيطرته، بما سميت ب”توحيد البندقية المسيحية” ضمن ما سمي ب”القوات اللبنانية” بحيث وصل به الأمر أحيانًا لارتكاب بعض الجرائم بحق بعض الفصائل والقيادات المسيحية، مثل مقتل كل من “طوني فرنجية” ومن بعده “داني شمعون” مع عائلاتهم وعدد من أفراد الحماية لهما!
إن مشهد الصراعات الكردية الكردية اليوم يذكرنا بالصراعات المسيحية تلك بحيث يجعلنا نعمل مقارنة بينهما؛ بأن عندما تكون مهددًا كمكون وشعب وقضية، فإن قضية “وحدة البندقية” تصبح قضية استراتيجية لا يمكن التهاون فيها حيث أي تعدد فيها، إن لم يعني الاقتتال والصراعات الداخلية فهو يعني نوع من تعدد مراكز القوى والنفوذ والتشتت وبالتالي الضعف والوهن ويسهل على العدو الاستفراد بكل طرف والقضاء عليهم واحداً بعد الآخر، إن لم يستخدم أحدهم ضد الباقين، والنقطة أو القضية الأخرى والتي تجعل من قضية الكرد والموارنة متشابهة في إعادة لحركة التاريخ، هو وجودنا في بحر من العداء الديني القومي من الطرف المسلم والعربي بحيث يجعلنا نمد اليد للآخر، وفي الحالتين للأمريكان وفوقها لإسرائيل لدى الموارنة، وبالمقابل يجد الأمريكان في المكونين مراكز استناد، أو لنقل موطئ قدم لهم كحليف محلي، بالرغم مع القوة الأمريكية المفرطة هم لا يحتاجون لموطئ قدم، لكن وجود قوى مجتمعية وميليشيات عسكرية على الأرض، حليفة للأمريكان، يساعدهم كثيرأ في مشاريعهم بالمنطقة، مما يجعل الأمريكان أن يضعوا هؤلاء ضمن مناطق الحماية الخاضعة لها!
القضية والنقطة الأخيرة والتي نود الوقوف عندها؛ ألا وهي قضية الاستيطان بمناطقنا والتخلص من عبأ المهاجرون، فكما كانت الدول العربية، وقبل إسرائيل، تريد أن تنهي تلك المشكلة وتتخلص منها، ليس كمدنيين فلسطينيين فقط وايجاد وطن بديل لهم، بل كميليشيات وفصائل عسكرية، فكذلك اليوم باتت قضية المهجرين السوريين في تركيا مشكلة ليست فقط لتركيا، بل حتى لسوريا وذلك للتخلص منهم بمدنييها وفصائلها العسكرية حيث تركيا لها حساباتها الانتخابية وتريد إنهاء المشكلة قبل الانتخابات طبعاً، وبنفس الوقت فإن النظام السوري لا يريد إعادتهم ويريد الابقاء على “سوريا المفيدة” الخالية من الجماعات الإسلامية المتشددة وفصائلها وميليشياتها العسكرية. وبالتالي الأفضل للجميع هو ايجاد “وطن بديل”، ألا وهو الشمال السوري حيث بذلك تجعل تركيا تلك المستوطنات حاجزاً بشرياً تفصل بها كرد الشمال والجنوب وتقضي ليس فقط على “الكريدور الكردي”، كما تدعي، بل على الحلم الكردي في إقامة دولتهم الكردية وكذلك فإن النظام السوري سوف يتخلص من تلك الجماعات الإسلامية السنية وتبعدهم عن العاصمة وبقدر ما عن مناطقه في الساحل وتضعهم في الشريط الشمالي مع تركيا وبنفس الوقت تتخلص من مشكلة تؤرقها؛ ألا وهي القضية الكردية.. لكن السؤال؛ هل سيعيد التاريخ بنتائجه وخواتمه معنا، كما حصل مع المسيحيين المارونيين بلبنان بحيث نجد قريباً ترحيل هؤلاء من مناطقنا، كما تم ترحيل الفصائل الفلسطينية إلى تونس؟ لننتظر الأيام والشهور القادمة ماذا تقول وهل سيعيد التاريخ نفسه بكل مفاصله، أم إننا سنبقى ضحايا المشاريع الاستيطانية الاستعمارية بحيث يصبح شمال سوريا شمال قبرص في استعادة أخرى للتاريخ، لكن هذه المرة ليس لصالح الشعوب وقضاياهم، بل لصالح الفئة الباغية والدول الظالمة.