سيناريوهات الصراع بين التيار والأطار
تحليل سيكوبولتك
أ.د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
يعيش العراقيون الآن (2022) حالة قلق مشروع بعد تصعيد الصراع بين التيار الصدري والأطار التنسيقي و لجوء كليهما الى ( ورقة الشارع) بتحشيد انصارهما داخل المنطقة الخضراء وحولها، في حالة شحن سيكولوجي قد تعمل طلقة تائهة على تفعيل دافع التنافس على السلطة الى اشعال احتراب شيعي – شيعي يتحول الى احتراب بين مكونات المجتمع العراقي وينتهي بتدخل دولي يكون فيه الجميع خاسرين.
حيثيات الصراع
افرزت الانتخابات المبكرة( 10 اكتوبر / تشرين اول الماضي) عن فوز التيار الصدري باغلبية كبيرة في البرلمان(73) نائبا ،ورفعه شعار (لا شرقية ولا غربية بل حكومة اغلبية وطنية) وعمل على تحقيقها بعقده تحالفا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (الكردي) وتحالف تقدم السني الفائزين الثاني والثالث في الانتخابات . غير أن الأطار التنسيقي عمد بقيادة السيد نوري المالكي الى تشكيل الثلث المعطل ،فافشل جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية الذي يمهد لانتخاب رئيس وزراء لتشكيل حكومة جديدة رشح لها السيد (جعفر الصدر) . واستمرت الصراعات والمناورات السياسية بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدرلتشكيل (حكومة أغلبية وطنيه) تتجاوز المحاصصة،والأطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي الداعي لتشكيل (حكومة توافقية) و الذي كان قد وصف مقتدى علنا بأنه (جاهل سياسيا)، فيما يعتبر الصدر التطورات السياسية التي يشهدها العراق فرصة لتغيير النظام السياسي والدستور والانتخابات.
وسيكولوجيا تتحكم في كلا الخصمين عقدة القيادة، فالمالكي كان بين عامي (2006 الى 2014) الرجل الأول في العراق ولقّب بـ(مختار العصر) فيما تحول الصدر من شخص مطلوب حيا او ميتا من القوات الأمريكية ومنكوبا بواقعة ” صولة الفرسان” في البصرة ، الى ابرز شخصية سياسية في العراق اضطر حتى خصمه المالكي الى التودد له.
أحداث مفاجئة
يتصف السيد مقتدى الصدر بأنه يتخذ اجراءات غير متوقعه ، أغربها انه اتخذ في (12 / 6 / 2022) وبعد تسعة اشهر من الأنتخابات قرارا بالانسحاب من البرلمان ، وأمر نوابه (الثلاثة والسبعون) بتقديم استقالة جماعية من البرلمان وافق عليها رئيس البرلمان السيد محمد الحلبوسي، لتتحول الكفة في ميزان العملية السياسية لصالح الكتلة الكبرى برلمانيا بعد تعويض نواب التيار بنواب بدلاء معظمهم من الاطار التنسيقي الذي رشح السيد محمد شياع السوداني لرئاسة مجلس الوزراء.
وفي (4 آب 2022 ) نشر الصدر بيانا على تويتر قال فيه (ان وحدة الصف الشيعي حاليا في غاية الاهمية اذا كانت تبنى على نبذ التبعية والاصلاح الحقيقي ونبذ الفساد والفاسدين -العربي الجديد ). واشترط تحقيق مطلبين: حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة ..فرد المالكي بالقول ( يجب العودة الى الدستور واحترام المؤسسات الدستورية – المصدر نفسه)
وكانت مواقف الاطار التنسيقي متضاربة تجاه الانتخابات المبكرة تمثلت بثلاثة مواقف: فريق ايد حل البرلمان وفريق تحفظ عليها وثالث وضع شروطا .. وكان اخرها قيام السيد هادي العامري في( 14 آب 2022 ) بعقد لقاءات مع ممثلي الكيانين ،السنّي بقيادة الحلبوسي والكردي ممثلا بالسيد مسعود البرزاني ومسؤولين في الاتحاد الوطني.
التيار والاطار وتهمة الفساد
الحقيقة التي تتفق عليها القوى السياسية والمرجعية والناس والخبراء الدوليين ان الفساد في العراق شاع بعد تشكيل حكومة 2006 برئاسة السيد نوري المالكي ،وقد شارك فيها وزراء من حزب الدعوة والتيار الصدري، وكان للتيار والأطار نواب في البرلمان ومحافظون ومدراء عامين وسفراء و…بينهم متهمون بالفساد من كلا الطرفين . وفي مناظرة لنا عبر فضائية السومرية مع السيد بهاء الأعرجي يوم كان مسؤول لجنة النزاهة في البرلمان..سالته لماذا لا تحيلوا من عليه تهمة الفساد للمحاكم ؟ فرفع بيده ملفات وقال: دكتور، تشوف هاي الملفات..كلها طلبت تحويلها للقضاء والبرلمان ما وافق!
العراقيون..يسخرون!
احتد الصراع بين التيار والأطار فكتبنا منشورا بوسائل التواصل الأجتماعي هذا نصه:
( مقتدر الصدر يراهن على غضب الشارع، فهل يخطط لثورة؟. وكيف سيحتاط لها خصمه نوري المالكي الذي اتهمه بأنه يخطط لأنقلاب مشبوه؟
وكانت معظم التعليقات تسخر من الذي حصل ويحصل،اليكم نماذج منها:
- باجر يرجعون!
- يرتبوها بيناتهم من جديد!
- احنه بالحضيض سواء مع ثورة الصدريين او بحكومة الاطار!
- ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
- مناوره سياسية ليس الا ،صراع بين الساسة لا اكثر والضحية شعب العراق. الله يعينك ياشعب العراق ترزح تحت المرض والفقر رغم ان بلدك بلد خيرات.
- هاي السالفة ذكرتي بحكاية صديق راحل، قال: حين كنت ضابط احتياط في الجيش العراقي ، كلفت بواجب آمر حرس نقطة تفتيش الباب النظامي لمعسكر الرشيد. ولما انتهى الواجب كتبت ملاحظاتي في السجل ( لم يحدث شيء اثناء خفارتي سوى تغيير النظام من ملكي الى جمهوري). هههههههه
*
وفي (10 آب 2022) ..كتبنا منشورا في الفيسبوك ،اليكم نصه ونماذج من تعليقات اكاديميين ومثقفين واعلاميّن تعطيك الصورة عن العقل الديني وحال العراق و..مستقبله!
( العراق العظيم بين..التيار والأطار فقط!
صراع مستميت للانفراد بالسلطة ..يصعّد السقف بارتفاع خطاب ثوري او تغريدة من رجل الدين السيد مقتدى الصدر ،وينخفض بتصريح من السيد نوري المالكي رئيس الاطار التنسيقي الشيعي وامين عام حزب الدعوة الأسلامي.
المفارقة : ان المكونات الاجتماعية الأخرى” سنّة،كرد،تركمان..” تتفرج، والقوى التقدمية والوطنية غير قادرة على تحشيد جماهير تبحث عن قائد يستعيد بأحراره وطنا يمتلك كل لمقومات لأن يعيش اهله بكرامة ورفاهيه).
نماذج من التعليقات:
- د. عباس الكريطي: المال والسيطرة على مصدر القرار،وعدد الوزارات،وكم يدخل الجيوب،واللجان الأقتصادية لكل جهة ..كل هذا ويزيد عليه وراء هذه البلبلة المدمرة للعراق وشعبه. الله ينتقم من كل طاغية دكتاتور يتحكم بأرزاق الناس وحياتهم ،ويعلم الجميع هناك وقفة امام الله ورسوله ووليه امير المؤمنين ترميكم في قعر جهنم ..عندها لا يفيد نسب او أب او حجي ..تحرقكم في الدنيا والآخرة.
- محمود ابو هدير
وهل يجب ان يبقى الشعب وأغلبيته الصامتة ساكنا ومتفرجا لما يحصل من صراع محموم قد يقود الشعب الى ما لا تحمد عقباه؟!
- شيت عساف
ما لي وللخيل ان غارت وان صهلت& اليس يكفي صغاري دمع أحزاني. قد كنت احسب دمع العين يحزنها& لكنها قد رمتني وسط اشجاني.
- ابو حسين الربيعي
دكتور ،في يوم عاشوراء هذا( 9 / 8 / 2022) رأينا جموعا بل طوفانا من البشر يقف العقل حائرا امامه ، وكذلك رأينا كيف تم طرد بعض المسؤولين، لأن هذا التجمع تجمع طاهرا لا يقبل النجاسة والفاسدين، انه تجمع الحسين..تجمع الحق الذي دفع الحسين من اجله نفسه واهله واصحابه.
- وحيد الخفاجي
هذه السنة (2022) لم يشارك الفاسدون في الرياء كما فعلوا في السنين السابقة ..أي خافوا من ردة الفعل قطعا.
- غالب الشابندر
خطة مجانية لتمزيق الشيعة.علموهم على بوس الأيادي .اشاعوا بينهم قرب ظهور المهدي. حذروهم من المثقف وعلموهم اتهامه بأنه ضد الحسين ..(شيكول السيد ..صح!).
آخر تطور – لغاية 16 آب:
اعلن التيار الصدري عن تظاهرة مليونية في السبت( 20 آب 2022) لم يشهدها العراق ،فتوعد الأطار التنسيقي بتظاهرة (كبرى) ، ما دعى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الى التحذير من التورط باراقة الدم العراقي ،داعيا الى حوار في الأربعاء (17 آب) .و قد تصرف التيار الصدري بحكمة بتأجيله تظاهرة السبت الى اشعار آخر ، بعد تلقيه تهديدات اعلن عنها (وزير الصدر) بان حياة السيد مقتدى الصدر في خطر من الأطار،واصفا (نوري المالكي وعمار الحكيم وقيس الخزعلي بالثالوث المشؤوم ) ومحذّرا من ميليشيات تمتلك السلاح وخارج سيطرة الدولة.
خمسة سيناريوهات
الأول : لجوء الطرفين ،التيار والأطار، الى توافق بعد ان يدركا ان الاحتراب بينهما لن يكون فيه رابح وخاسر.
الثاني: استمرار حكومة السيد مصطفى الكاظمي بتحديد مهمتها بالتهيأة لانتخابات مبكرة في تسعة اشهر بمفوضية جديدة.
الثالث: قيام قوى سياسية وجهات نزيهة ،وربما عربية، بمبادرات تقنع الطرفين، التيار والاطار ،على تشكيل حكومة مستقلة تعمل على اجراء انتخابات مبكرة بقانون جديد ومفوضية جديدة .
الرابع: منح الفرصة للبرلمان الحالي بتشكيل حكومة بصلاحيات محدودة لمدة لا تتجاوز سنة واحدة تعمل على اجراء انتخابات جديدة بشروط يتفق عليها التيار والاطار وممثلين عن القوى السياسية و المدنية.
الخامس :قيام امريكا بالتنسيق مع قادة كبار في القوات الأمنية العراقية بانقلاب عسكري شبيه بما حصل في السودان تكون السلطة بيد (العسكر) تسيطر على الشارع وتعد بأنها ستعيد السلطة الى القوى المدنية في انتخابات نزيهة بمراقبة الأمم المتحدة.
ختامها..تساؤلات مشروعة
لنفترض ان الأمور آلت الى التيار الصدري، فهل سيعمل على ان يجعل العراق ديمقراطيا ،تتحقق فيه العدالة الاجتماعية، وحرية الرأي والتعبير ، وتطبيق مبدأ من أين لك هذا ،واسترداد الأموال المسروقة من الفاسدين بمن فيهم من كان محسوبا عليه ،وحصر السلاح بيد الدولة؟
الأجابة متروكة لحضراتكم.