نوري المالكي و..عقدة تضخم الأنا
تحليل سيكولوجي
أ.د. قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
يعني ” تضخّم الأنا ” في سيكولوجيا الشخصية حالة عصابية ” مرضيه ” لها أسباب متعددة من قبيل تراكم الشعور بالاضطهاد والاغتراب. ولكن العوامل المؤثرة والخفية في شخصية ” الأنا المتضخم ” إنها تجمع صفات في ” توليفة ” من ثلاث شخصيات مختلفة هي: النرجسية والتسلطية والاحتوائية. فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب..أي إنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء،ويسعى صاحبها الى ان يكون بطلا بعيون جماعته. وتأخذ أيضا من خلال التظاهر بامتلاكه قدرات فريدة.
ويأخذ صاحب ” الأنا المتضخّم ” من الشخصية التسلطية، انفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها، وتصنيفها الناس بثنائيات، في مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء،أي من كان معي فهو صديقي وما عداه فهو عدّوي، وتصرفها بالتعالي والعجرفة نحو من هم أقل منه منزلة.وتأخذ من الشخصية الاحتوائية السعي إلى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية،اوبطرح نفسه كما لو كان انسكلوبيديا العارف بكل شيء.
وبتطبيق هذا التحليل السيكولوجي الذي لا علاقة له بالسياسة على شخصية (المالكي) نجد انها تنطبق عليه. مضافا لها ان السيد المالكي من عائلة مرموقه، ابرزهم جده محمد حسن ابو المحاسن، الشاعر والثائر ضد الاحتلال البريطاني في عشرينيات القرن الماضي، وانه تماهى بجده وتوحّد به في طفولته وشبابه ونشأ لديه (قوة الأنا) وهي حالة صحية تعزز الثقة بالنفس واحترام الذات..وكان لها الدور في (تضخم انا) المالكي بعد ان استلم السلطة في 2006 وصار الرجل الأول في العراق.
مؤشرات لها دلالات
تاريخ ..توثيق
كان السيد نوري المالكي قد كلفه رئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني في نيسان 2006 لرئاسة حكومة تنهي حالة جمود سياسي استمر شهورا بعد حكومة اياد علاوي المؤقته(2004-2005) وحكومة ابراهيم الجعفري(2005-2006)اللتين لا يمكن تحميلهما مهمة استعادة هيبة الدولة لقصر المدتين ولهشاشة الوضع السياسي.
ومن متابعتي للمقابلة التي اجرتها معه فضائية الشرقية مساء (18/8 /20) تحدث السيد نوري المالكي عن هيبة الدولة،واصفا اياها بأنها ضائعة ومستشهدا بوجود مدن شبه ساقطة كالناصرية..ومن استطراده في التفاصيل استنتجت أن هيبة الدولة عند السيد المالكي تعني (طاعته!)،ومن يخالفها فهو فوضوي ومخرّب..وسيكولوجيا،يعني هذا القول من رجل حكم العراق ثمان سنوات أن في داخله (تضخم انا) تفضي سيكولوجيا الى شخصية مستبد،لأن هذه الصفة هي القاسم المشترك عند كل الحكّام الطغاة..قديما وحديثا.
وعليه ،يكون السيد نوري المالكي هو المسؤول الأول عن استعادة هيبة الدولة لأنه تولى رئاسة الوزراء ثمان سنوات (2006- 2014).صحيح انه واجه احترابا طائفيا وحربا داعشية شرسة..لكن هذا لا يعفيه من امكانية استعادة هيبة الدولة..ولنكتفي بمساءلته عن اخطر معيار انهى هيبة الدولة في زمنه..الفساد..وله في العراق حكاية يكفي ان نشير الى ان صحيفة واشنطن بوست ذكرت بعددها الصادر في ( 23-9-08)بأن (13)مليار دولار من أموال الاعمار في العراق أهدرت أو نهبت عبر مشاريع وهمية وعناصر فاسدة في الحكومة العراقية،فيما نسبت الاذاعة البريطانية (بي بي سي في 28-9-08)الى لجنة تخصصية في حكومة المالكي وجود ثلاثة آلاف حالة فساد مالي موثقة بأدلة قاطعة.
.وباعترافه في كلمته امام مجلس محافظة بغداد في( 20-9- 2008) قال المالكي بالنص ” كثيرا من المسؤولين قد أثروا كثيرا”،مع انه هو رئيس الوزراء المسؤول عن هؤلاء المسؤولين!.
والأخطر من هذا الذي يفترض ان يعرضه لمساءلة قانونية هو اعترافه علنا بقوله:(لديّ ملفات فساد لو كشفتها لانقلب عاليها سافلها)..لأنها تعد خيانة ذمة..ولا تفسير لها سوى ان بين الفاسدين الكبار من هم اعضاء في حزبه الحاكم،فخشي الخصوم ليعتمد واياهم مقولة (تسكت عني اسكت عنك)…وبرغم كل هذا يدفعه (تضخم الأنا ) الى ان يرشح الى رئاسة مجلس الوزراء في (2022)،برغم انه صرح علنا وبالنص (..وانا اعتقد بان هذه الطبقة السياسية وانا منهم ينبغي ان لا يكون لها دور في في رسم خريطة العملية السياسية! ).
ضربتان..هزتا تضخم الأنا
تعرض (تضخم الأنا) عند السيد المالكي الى ضربتين موجعتين،الأولى سددها له الدكتور حيدر العبادي.فحين جرى ترشيحه في (2014) لرئاسة مجلس الوزراء،وقف المالكي بالضد منه،واصفا اياه بأنه يمثل نفسه لا حزب الدعوة الذي هو أمينه.بل ان الامر وصل الى (تجييش) حزب الدعوة ضد ترشيح العبادي،وحملة (تثقيف) بأنه لا وجود للشيعة الا بوجود المالكي،مصحوبة بتهديد احدى القياديات فيه بقولها (ستكون شوارع بغداد دمايات ان ترشح احد غير المالكي).
وكان لهذا المأزق بعد سيكولوجي – سياسي خلاصته ان المالكي رأى في صاحبه العبادي أنه غدر به،وهز (الخليفة) بداخله،واطاح بطموحاته التي صورت له انه زعيم من نوع فريد، واشعرته بخوف سياسي يهدد مكانته ان نجح العبادي فيما لم ينجح هو فيه.وهذه حقيقة ادركها العبادي نفسه حين شعر يومها بمخاوفه التي دفعته الى التصريح علنا في كربلاء( يريدون يقتلوني..خل يقتلوني). وكان العبادي متحررا من (عقدة الخليفة) يوم سلّم رئاسة الوزراء بسلاسة لخلفه عادل عبد المهدي،فيما هي كانت تسكن في اعماق السيد المالكي الذي تصرف بها كما لو كان رئيس دولة في استدعائه بمكتبه لوزراء حكومة الكاظمي،ويومها كنا نشرنا مقالة بعنوان (من يحكم العراق..الكاظمي أم المالكي؟)..وأنه ورغم كل ما عليه من افعال يعدها خصومه جرائم، فانه (استمات) في (2022) ان يكون هو رئيس وزراء الحكومة الجديدة.
والضربة الثانية الموجعة التي استهدفت (تضخم الأنا) لديه، سددها له السيد مقتدى الصدر.فالمالكي كان قد وصف مقتدى بأنه (جاهل في السياسة)..واثبتت نتائج الانتخابات فوز التيار الصدري بـ(74) مقعدا في البرلمان العراقي ،فيما حصل المالكي على (37) مقعدا.وكانت آخر ضربة ( ولن تكون الأخيرة) وجهها السيد مقتدى (لتضخم أنا ) المالكي هي اقتحام انصار التيار الصدري مبنى البرلمان العراقي في (27 تموز 2022) لأبطال ترشيح السيد محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة العراقية الجديده،الذي وصفوه بأنه (ظلّ) المالكي، التي استفزت (أنا) المالكي ،فامسك بسلاحه ومعه حمايته باسلحة في وضع الأستعداد متوجها لمقاتلة شيعة كان قد وصفوه يوما بأنه (مختار العصر)!
الأحتراب..او الأنتحار.
تفيد قراءتنا السيكولوجية للحكام، ان المصابين منهم ب(ـتضخم الأنا) يتحكم بهم العناد العصابي الذي يعطل دور العقل ويشحن انفعال الغضب،الذي يؤدي الى الحقد
والأنتقام ،فيكونون أمام خيارين: اما الأحتراب او الأنتحار. وبما أن السيد نوري المالكي متدين ورئيس لحزب أسلامي ، فانه سيختار الأحتراب ان اوصله خصمه الى ان تسقيطه الجماهيري والسياسي بات أمرامحتوما ،فيستعين بـ( صديق) ،فأن لم ينجح في رد الأعتبار لـ(أناه المتضخم) فأن عناده العصابي سيجبره على رفع شعار (عليّ وعلى أعدائي)..وتلك نهاية لا نتمناها له ولا لخصومه.
*