هل الدولة القومية ستقدم حلاً لمشكلاتنا العنصرية؟
ربما تكون الاجابة سهلة في منظور الكثيرين، من التيارين؛ النهج القومي النتوي الكردستاني أو أصحاب فلسفة أخوك الشعوب والأمة الديمقراطية حيث الأول سيقول؛ نعم خلاصنا يمكنا في تحرير وتوحيد كردستان وهو أول شعار تبنته الحركة الكردية عموماً، لكن ومع اصطدامهم بالواقع العملي السياسي واليومي ثبت لهم بأن من العسير تحقيق ذلك مرحلياً على الأقل وبالتالي ذهبوا باتجاه الديمقراطية لهذه الدول التي تتحكم بأجزاء كردستان والحكم الذاتي لشعبنا، بل حتى أن السيد مسعود بارزاني وقبيل الاستفتاء بيومين أو ثلاث عقد اجتماعاً مع عدد من رجالات الدين والسياسة من الأخوة الآشوريين السريان والكلدان في العاصمة هولير وقال بشفافية بأن كردستان لن تكون دولة قومية، بل ديمقراطية لكل مكوناتها وحتى إنه قال؛ يمكن تغيير النشيد وعلم الإقليم ليشمل كل مكوناته الأخرى.
طبعاً نحن لا نشك بنوايا الزعيم بارزاني بخصوص مشاركة باقي الأطياف والمكونات الأخرى داخل إقليم كردستان كجزء مهم من شعب الإقليم، لهم من الحقوق والواجبات المتساوية مع الكرد، لكن سيبقى أولئك الأخوة يشعرون بأن هناك نوع من الغبن والاجحاف، بل العنصرية بحقهم وحق تاريخهم وجغرافيتهم وبالأخص الأخوة الآشوريين حيث اسم كردستان تعني أرض الكرد وهو إلغاء لوجودهم التاريخي بالمنطقة، كما أسماء الدول والحكومات العربية أو مصطلح تركيا، تلغي الوجود الكردي ووجود باقي الأطياف والمكونات داخل هذه البلدان والدول ولذلك أي حديث عن كردستان ليست قومية بل ديمقراطية سيكون ضحكاً على الذقون، كون التأسيس والانشاء قائم على مفهوم عنصري وهو العنصر الكردي وإلغاء لباقي العناصر والمكونات والقوميات الأخرى، طبعاً ربما أصحاب النظرية القومية الكردية يقولون؛ بأن الآشوريين عددهم قليل أو هجروا من مناطق أخرى وهي نفس تبريرات العرب والأتراك والفرس ضدنا نحن الكرد والواقع والتاريخ يدحض ذلك حيث كل هذه الأقوام والمكونات هي شعوب أصيلة وإن اختلفت ظروف كل مرحلة عن أخرى وهيمنة عنصر ومكون على جغرافية شاسعة مؤسساً لإمبراطورية أو مملكة على حساب الآخرين
أما أصحاب نظرية أخوك الشعوب والأمة الديمقراطية فهم أيضاً إجابتهم واضحة وهي رفض مشروع الدولة القومية وبأن الحل يكمن في تعايش هذه الشعوب معاً ضمن دول وحكومات فيدرالية وكونفيدرالية مشكلةً ما يسمى بالأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب. نظرياً يمكن القول بصوابية الطرح والمشروع عموماً ولكن هل تطبيقها على الأرض ستكون بتلك السهولة ونحن سابقاً وجدنا عدد من النظريات المشابهة؛ إن كانت مفهوم الخلافة والدولة والأمة الإسلامية وولاياتها وأمصارها أو التجربة السوفيتية الاشتراكية والفكر الماركسي اللينيني عن الأممية الشيوعية، قد سقطتا عند المحك العملي وخاصةً مع بروز الفكر القومي الأوربي الحديث مع بدايات مرحلة الاستعمار الغربي لمناطقنا وصولاً لتأثيراتها على تجربة الدول الاشتراكية والعمل على انهيار التجربة وتفتيت عدد من دولها إلى دول قومية، بل اسقاط التجربة السوفيتية نفسها وتحويلها لعدد من الدول ذات المنحى القومي.
وهكذا نتأكد بأن المقولات النظرية الفلسفية عن الأمة الديمقراطية شيء والتطبيق الواقعي على الأرض شيء آخر مختلف حيث تبقى قضية الأنا؛ فرداً أو مجتمعات وشعوب وأحزاب وقبائل هي أهم المحركات لنا -على الأقل ما زال كذلك في واقعنا- وبالتالي من الصعب إقناع الجميع بالتنازل عن “أناه” لصالح الجماعة وبالتالي فإننا نحتاج لتجربة توافق بين الاثنين معاً ونقصد أن تحقق ذاته وكيانه الهوياتي الشخصي وبنفس الوقت تجمعهم معاً داخل كيانات سياسية اتحادية حيث دون أن يعتز الكردي بشخصيته وهويته الثقافية اللغوية الحضارية وكذلك الآشوري والعربي والتركي والفارسي وغيرهم من المكونات لا يمكن أن نتحدث عن تجربة ديمقراطية فيدرالية ولكي لا نبقى في الانشاء النظري الكلامي، فإننا سنحاول توضيح الفكرة من خلال تجربة الإدارة الذاتية وسوريا عموماً ومختلف مكوناتها العرقية والدينية.
كلنا نعلم بأن أحد اسباب الأزمة السورية هو الحكم المركزي المستبد وحصر كل السلطات بيد شخص أو مكون طائفي أو قومي وبالتالي فإن تجربة الدولة المركزية القائمة على هوية واحدة وسلطة واحدة في ظل وجود تعدد ثقافي حضاري لا يمكن أن تقدم حلولاً لمشكلاتنا، بل في أحسن الأحوال قد تؤجل الصراعات والنزاعات لمرحلة قادمة وسيأتي اليوم الذي تنفجر فيه الأزمات حيث بدأت الثورة السورية بشعار “الحرية والكرامة” لينتهي بصراع طائفي قومي ثقافي وهذا يؤكد بأن الصراع الحقيقي هذه التي أفرزتها الأزمة وليس الشعار الذي رفع في بداياته حيث ورغم توق الناس للحرية والكرامة، لكن في جزء مهم منه -أي مفهوم الحرية والكرامة- تعني التخلص من هيمنة واستعباد الآخر لنا ولذلك نجد اليوم كل هذا الزخم نحو الخطاب الطائفي القومي ولذلك ولكي لا نقع مجدداً في المشكلة ودائرة الالغاء والعنف ولكون الدول القومية هي عنصرية تكويناً ونشأةً كما رأينا، كونها بالأساس تقوم على مفهوم المكون أو العنصر الواحد، فإن شعوبنا تحتاج لصيغ إدارية وكانتونات شبه مستقلة على غرار التجارب الأوربية بحيث يمكن للأخوة الآشوريين مثالاً وكذلك الأزديين، وإن كانت الأولى على أسس دينية لغوية، بينما الثانية فقط على أسس دينية، تكوين بلديات خاصة بهم تدير شؤون مناطقهم ومن قبل أبنائها وليس أن يتم تعيين كادرو عليهم، كما كانت سلطات البعث تفعلها معنا بتعيين مدير منطقة أو رجل استخبارات في المناطق الكردية.. وهكذا الأمر على مستوى سوريا؛ بأن تدار المناطق الكردية من قبل أبنائها لها خصوصيتها الثقافية اللغوية الحضارية