لا يوجد شعب في العالم المعاصر شهد حروبا كارثية كالشعب العراقي أمتدت لأربعين سنة!، من حرب ايران لثمان سنوات(1980- 1988) الى حرب الكويت (1991) الى الحرب الطائفية (2006- 2008) الى الحرب ضد داعش (2014)..حروب حمقاء عانى ويلاتها وفواجعها ،واخرى يقتل فيها الأنسان لسبب سخيف..لأن اسمه حيدر او عمر او رزكار! .أربعون عاما فقدنا فيها ملايين الأحبة وما يزال الناس والوطن يعاني من آثارها التي ستمتد لأجيال..ما يعني ان العراقيين يعتبرون حرب اوكرانيا(زلاطه) مقارنة بما حصل لهم.
ومع وجود تشابهات في الحرب الروسية على اوكرانيا،او (العملية العسكرية كما يصفها سفير روسيا في العراق)، فان العراقيين انقسموا في موقفهم منها (سياسيا و شعبيا) الى فريقين، الاول انحاز الى روسيا لدرجة انهم رفعوا لافتة ضخمة تحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتحتها عبارة اصدقاء الرئيس،والثاني انحاز الى اوكرانيا والمعسكر الغربي..ونسى كلا الفريقين ان الخاسر في الحروب هي الشعوب فيما السياسيون يخرجون رابحين و (سلامات)!
ولان من عادتي في مثل هكذا احداث ان استطلع الرأي، فقد توجهنا بالتساؤل الاتي:
(هل انت مع بوتين ام مع زيلينسكي ،كرئيس دولة في تصرفه مع الحرب..ولماذ؟)
كان موقف الغالبية مع بوتين، وان اختلفت الأسباب او التبريرات. ففي مقالة لحزب اليسار العراقي، سخر فيها من مقالات وتعليقات (برهنت على جهل وسذاجة ونرجسية اصحابها، وانها في جوهرها تؤيد عنجهية وغطرسة الامبريالية الامريكية..وافضل وصف لهم انهم من حزب على حس الطبل خفن يرجليه) .
وبرر اخرون ان بوتين يعي حجم المخاطر القادمة من اوكرانيا وتوسعها النووي،و لا يريد ان يكون تحت رحمة الناتو، وانه قائد شجاع من حقه حماية حدود وطنه وأمن شعبه ولا يريد لاوكرانيا ان تكون ترسانة سلاح بيد حلف شمال الاطلسي..سيما وأنه كان من سنوات يفاوض لجعل اوكرانيا حيادية دون نتيجة. وهناك من وجه التحية لروسيا وهي تحقق توازن الرعب في العالم وتخلق عالما جديدا متعدد الاقطاب،فيما وصف آخرون (زيلينسكي) بأحمق لا يفهم بالسياسة،وغبي في رهانه على امريكا وأوربا اضطره الى ان يجازف ببلده وشعبه. ورأى فريق ثالث من العراقيين أنهم ضد الحرب ومن يشعلها ويغذيها ويروج لها،وان جميع الحروب اسبابها شخصية وليست دفاعا عن مباديء.
وقال شيوعي مخضرم ( يارفاق الدرب، هل هذا ما تعلمتموه طيلة سنوات نضالكم!.كيف وانتم شيوعيون وتقفون مع الجاني وتدعمون عدوانه على دولة امنة مستقرة؟. اين هي شعاراتكم السلمية وحق الشعوب في تقرير مصيرها. اذا الشيوعية هكذا تعلمنا ،فسأتبرأ من 45 سنة انتماء للحزب الشيوعي العراقي).
وقال آخر:( عجيب امر الشيوعيين ينظرون للدكتاتور بوتين كما لوكان الاتحاد السوفياتي. بأي منطق وشرف تتحدثون عن الاستسلام لمحتل بلطجي؟. بماذا يختلف بوتين عن صدام الذي استضعف الكويت واحتلها )..مع ان الحزب الشيوعي العراقي كان اصدر بيانا اشار فيه الى( ان الحروب والاعتداء على الدول وانتهاك سيادتها امور مرفوضه من حيث المبدأ بالنسبة الينا). ،وانه ادان(روسيا) في اللجوء الى خيار الحرب،وادان(أوكرانيا) في اعمال الاستفزاز والتصعيد والاصرار على توسيع حلف شمال الاطلسي (الناتو). .وتمنى آخر على الحزب الشيوعي العراقي (ان لا يتعاطف مع أصدقاء الأمس)، فيما علّق آخر قائلا:(الأمبريالية لا تعرف غير بسطال خروتشيف يوضع على الطاولة للتأديب والتوبيخ،ألنها مسألة وجود وجود بالنسبة للشعوب الروسية).
وخرجت اخرى عن هذا السرب قائلة:( الأهم العراق ما يتضرر ،لأن احنه شعب كلش تعبانين وما نريد ندخل اي حرب، ونارهم تاكل حطبهم ،بخيرهم ما خيرونه وبشرّهم عمّو علينه ).
وتضمن استطلاعنا الثاني هذا التساؤل:
(زيلينسكي يعرف أن معركته مع روسيا خاسرة..
فلماذا لا يقبل بشروطها ويحفظ دماء شعبه ويوقف دمار وطنه
بعد أن خذلته أميركا وتخلت عنه أوروبا وحلف الناتو؟)
وانقسم العراقيون الى اكثر من فريقين،الأول يرى ان زيلينسكي( ينتظر الأوامر من واشنطن ، فالخيارات ليست بيده بل أمريكا هي التي تحدد لأنه صنيعتها التي جاءت به تحت غطاء الديمقراطية والانتخابات الشرعية ،ولأنه عميل مأمور، وانه مجرد مطية لا يهمه شعبه او دولته..ولأنه ممثل والممثل لا يخرج على النص!..)..وكان من الممكن له أن يتفادى الحرب لو انه ابقى اوكرانيا على الحياد مع بناء علاقات دولية لمصلحتها دون ميولها للغرب ضد روسيا، فيما وصفه آخرون بأنه (أثبت وجوده كشاب قيادي لكنه لا يمتلك اي فن في القيادة السياسية أو الميدانية)،واعطوه مبررا بأنه ( ما يزال يعلق آماله على فاعلية العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا) وان اميركا والاتحاد الأوربي وبريطانيا يمدونه بالمساعدات لاستنزاف روسيا اقتصاديا واضعاف دورها عالميا،ولن يتخلوا عنه ابدا،فيما رأى آخرون أن هدف اميركا وحلفائها الاوربيين هو تدمير البنى التحتية لاوكرانيا واضعاف روسيا كما فعلت في العراق وسوريا وليبيا وافغانستان. فيما رأى آخرون (أن لا يكون الأختيار مع أو ضد..فقد يكون الأجراء صحيح بالنسبة لبوتين لكن الثمن والعواقب على الآخرين كبير جدا)، و أن (القوة والغرور تدفع الأنظمة المستبدة الى الحرب ،ولا يدركون أن انجح نظام هو الذي يسعد شعبه)..أضاف آخر.
واستذكر فريق من العراقيين ما حصل لهم بقولهم..ان سيناريو غزو اوكرانيا نفس سيناريو غزو الكويت، و شبهوا زيلينسكي بصدام حسين( يريد يصير بطل قومي بعدين يختبأ في حفرة)،وشبهوا بوتين بصدام (وسيفشل الدكتاتور الروسي كما فشل الدكتاتور العراقي)،وأن بوتين سوف يدمر روسيا بغزوه اوكرانيا كما دمر صدام العراق بغزوه الكويت ،فكلاهما اتخذا قرارات غير مدروسة.
من خلاصة ذلك تستنتج أن العراقيين متضادون في مواقفهم من هذه الحرب ،وانهم يمتلكون قدرة التحليل ووضوح الحجة في (مع أو ضد) ،ويمتازون بالسخرية اللاذعة من اشخاص تعدهم شعوبهم قادة!..بينهم عراقيون قفز بطل زيت الدهن،بسبب حرب اوكرانيا! من الفي دينارا الى اربعة آلاف ولم يتخذوا قرارا ضد من افتعلها.
في الحروب الكبيرة..تتباين المواقف
تباينت المواقف عالميا وعربيا من اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا ،فالعالم الغربي أدانها لمصالح وليس انتصارا لحق الحياة والمباديء الأنسانية التي افتقدها في موقفه من غزو اميركا للعراق واسقاطه دولة..وتدميره وطنا يعدّ الأغنى في المنطقة،وقتله الآلاف وارتكابه مجازر ابشعها قصفه لملجأ العامرية..فالحروب بالنسبة للسياسيين مصالح وليست قيما واخلاقا.
ونذكّر بأنه حين انهار الاتحاد السوفياتي تم قبول 14 دولة من اوربا الشرقية في حلف الناتو، اربعة منها مجاورة لروسيا وقام هذا الحلف باستعدادات لوجستية ومطارات للتعزيز السريع..ما اضطر بوتين الى ان يبرر الغزو بالدفاع عن روسيا بقوله ( اننا لم نمنح اي خيار اخر غير الدفاع عن روسيا وشعبنا غير الخيار الذي يجب ان نلجأ اليه)..مضيفا له سببين (وقف الابادة الجماعية ، وازاحة النازيين في اوكرانيا) ، اعتبرها البعض مبررة ووصفها آخرون بأنها خاطئة، مع ان هناك من يؤكد بأدلة ان اوكرانيا ظهرت فيها نشاطات نازية من قبيل ارتكابها عمليات قتل ودفنها القتلى بمقابر جماعية في العام 2014 سميت في حينها بالثورة الملونة..ووصف أفرادها بانهم دواعش اوربا.
ومن( طريف!) ما حصل سيكولوجيا ان (الهستيريا) شاعت شعبيا واعلاميا لدرجة انه تم منع تداول مؤلفات عمالقة الأدب والفن (ديستيوفسكي، جايكوفسكي، تولستوي..) وحدث هذا في العالم الأوربي المتحضر!
قد يكون لهذه الحرب ثلاثة اهداف :الأول ابتزاز الروس وتدمير اقتصادهم، والثاني جعل اوكرانيا في مهب الريح ليرى المجتمع الاوربي ما حل به ليكون عبرة للاخرين،والثالث ابقاء القطب الواحد مسيطرا على العالم.
ومع كل ما تحب ان يضاف فان التاريخ يثبت لنا حقيقة ان الحرب ايا كانت مبرراتها فانها تعني غياب الحكمة وتعطل الوعي لدى من لا يمتلك القدرة على التفاوض من القادة فيتخذ القرار بأشعالها ..مستثنى من ذلك الثورات التي تطيح بالطغاة.