إلى من لا يهمهم أمر أطر التوجيه التربوي بالمغرب
معاناة يومية…
طالما انتظرنا في المحطات وتشربنا البرد القارس وقت الشتاء، واتعبتنا الحرارة المفرطة في الصيف في انتظار وسيلة نقل مهترئة لتنتشلنا إلى مؤسسات القطاع المتباعدة والنائية…زد على ذلك ضيق تلك الوسائل ولا حافزيتها لممارسة مهنة التحفيز والأمل. ولا تغفل شدة الروائح الكريهة المتراكمة على كراسيها: ستصاب بالغثيان زخات زخات، وبالاكتئاب أودية وأنهارا، وبهستيريا ضحك لا إرادي كأنك مدمن عقاقير الاكستاسي.. ضجر وضيق و”ترهل نفسي” قبل الوصول: فاقد شروط الحافزية لا ينثر الحافزية الفعلية في محيطه، بل يتصنعها فقط كي لا يفشل الصغار والبراعم.
مرات عديدة ومتكررة، دفعنا فيها ثمن سيارة بأكملها من أجرتنا كي لا نخلف موعدنا مع المنتظرين…
مرات يصعب عدها نجري فيها صوب دكان في الحي أو في المركز كي نعبأ هواتفنا الشخصية من أجرتنا المتناقصة من تبعات متطلبات مهنتنا كي نجيب عن سؤال طرحه متعلم(ة) ينتمي للجبل أو لهامش مجالي، نشترك معه في الهامش: الهامش المهني الوظيفي… هواتفكم مهنية، لا مراء، ودوما معبأ على طول مسيرتكم المهنية من أموال الوزارة، ونحن؟ لا…
جزء كبير من مهامنا مرتبط بالبحث عن المعلومة وتحيينها، سواء بالبحث باستعمال الشبكة المعلوماتية أو بالتنقل بين المؤسسات والمراكز…كل ذلك يبتر من أجرتنا النحيفة.
من أجرتنا طبعا وفي دكاكين السوق المعدة لذلك، نقوم بطبع التقارير الشهرية والملصقات والدعائم الإعلامية لنهرول بها صوب المؤسسات التعليمية. في حين، وأنتم في مكاتبكم المجهزة والمكيفة، تجلسون محاطين بطابعات وآلات نسخ توفرها الوزارة… فكيف ستحسون بالوقت الذي “ينهدر” منا، نحن المستشارون في التوجيه التربوي، في البحث عن مكان للنسخ والطبع والمصاريف المتجددة التي نؤديها لصالح المؤسسات التعليمية…لن تحسوا بذلك طبعا.
عندما يتصل بنا مدير مؤسسة تعليمية لأمر ما أو ولي أمر تلميذ(ة) لمشورة تربوية نحن التاركون لهواتفنا الشخصية لبرهة، نجد اتصالاتهم، نهرول إلى دكان الحي أو للمركز مجددا، لنعبأ هواتفنا الشخصية من أجرتنا المتداعية، لنتصل بتلك الأرقام التي تنغص جمالية هوتفنا بضرائب إضافية وفجائية، لعلنا نكون جزءا من الحل لحائر أو تائه أو مستشير…
ثلاث حواسب محمولة شخصية، لم توفرها لي الوزارة، انطفأت بين يدي إلى غير رجعة وظفتها لأغراض مهنية وإن اقتطعت تكلفتها من أجرتي الشخصية…فمن سيعوضني عن ذلك؟
كل الذي ذكر، وغيره كثير، يبقى دون تعويض ودون إلحاح منا في المطالبة به…أنفة وإباء واستعفافا وإيثارا.
جزء كبير من أجرتنا يضيع على دروب القطاع المدرسي الممتد لمسافات طويلة، قس على ذلك هيئته المهترئة المخيفة ومنعرجاته الخطيرة التي تعزف أناشيد احتمال الموت واللاعودة. كما تنهدر طاقتنا قبل كل وصول، ودواخلنا الآن لا تعزف إلا ألحان الغبن والتذمر والندم على الالتحاق بهذا الشريط البائس…
إذا كانت كل تلك التضحيات والتقطعات مدعاة لحرماننا من النقطة الإدارية الكاملة أسوة ببقية المديريات التعليمية على صعيد هذا البلد، فالأمور مرتبة بشكل مقلوب في أذهانكم. لذلك، تدارسوا جيدا مفاهيم “القهر” و”الهدر” و”الاعتراف” و”العدالة المجالية” و”المساواة” و”الهيمنة” و”التسلط” و”الإرغام” و”التماهي” و”التحرر” و”المواجهة” و”الطاقة” و”التغيير” و”الانطلاق” و”النماء” و”الوجود” و”المعنى” و”المصير”…لعل ذلك يعيد إليكم بعض التوازن المعرفي والمفاهيمي وتطبيقاته على مجالات جائعة تنمويا وبنيويا، لافتقادها لأبسط ظروف المركز الذي ينتج مذكرات وقوانين وفق شروطه الخاصة، ليتلقفها الهامش ويجعل منها كتابا مقدسا، وهو العاجز على جميع الأصعدة.
للتحدي:
ماذا ستستفيدون إذا حرم أحدنا مثلا من الترقية بالاختيار، وظروف المنطقة وشروط الاشتغال فيها جد كارثية تقتضي منكم الترافع من أجل منحها، ولكافة الأطر العاملة بها، تمييزا أكثر ايجابية؟
للتأمل:
كلما ازداد القهر وشروطه، كلما ازدادت درجة اللااعتراف بكل الجهود والتضحيات المقدمة.
الحكم النهائي:
“…
هي محكمة اختيارية
تصير لزاما مع سن العجز
سن تساقط مسام الشعر حشدا حشدا” (1)
…
“… محكمة الشيخوخة،
محكمة عادلة،
لا يظلم فيها الناس؛
هي خالية من بند التأجيل،
ومحرم فيها حكم الإلغاء،
القاضي فيها ضمير،
والناس فيها سواسية…” (2)
(1): محكمة الشيخوخة (الجزء 1). حمزة الشافعي. مجلة عبقر. العدد15-16. 1 يونيو 2015. جدة/المملكة العربية السعودية.
(2): ): محكمة الشيخوخة (الجزء 2). حمزة الشافعي. مجلة شرمولا الأدبية. العدد السادس. 2020. قامشلو/سوريا.
حمزة الشافعي
تنغير/المغرب