التعليم في لبنان بين الفايروس الثقافي والفايروس السياسي!
ابراهيم فواز نشابة
النتيجة الحتمية لكل هذه الحالات المرضية التي يعاني منها القطاع التربوي في لبنان، هي التراجع الى أدنى المستويات الفكرية والبحثية والإنتاج العلمي.. هي فلسفة الفوضى في كيفية التعامل مع القضية التربوية من منطلقات علمية استراتيجية تخطيطية ناتجة عن رؤية وأهداف تطويرية تغييرية قادرة على قيادة أخطر المراحل الانتقالية في البنية الفكرية من ساحات الجهل المشرعة والمفتوحة الى القاعات التدريسية المغلقة أبوابها في وجه كل الفايروسات التدميرية.
العودة الى الحياة لا تكون الا بالمعرفة وثقافة الحياة.. ولا تستكمل الثقافة الا بفتح أبواب المدارس والجامعات، حيث تكون البداية العلمية منطلقا حقيقيا للمواجهة والصراع وبناء القدرات وتمكين الذات لمواجهة الأزمات..
وعليه، لا يجوز التخبط في التفكير التربوي.. كما لا تجوز الهرطقات القانونية والقرارات العشوائية باغلاق أي صرح أكاديمي.. رغم المعاناة ورغم الضغوط والتحديات.. وهنا نعود الى ثقافة الناس في المواجهة للأمراض والأوبئة من جهة، أو لمواجهة التحديات الاقتصادية والمطالب المحقة من جهة أخرى.. وهنا لا يمكن أن نواجه المرض القاتل الا باتخاذ الاجراءات الوقائية التي أنتجها البحث العلمي وقام بنشرها الى عامة الناس.. كما لا يمكن تحقيق المطالب على حساب الطلاب والتخلي عن رسالة التعليم المقدسة..
بناء عليه، لا بد من القول اننا أمام اشكالية تربوية خطيرة.. وان العلم في لبنان بات مهددا.. خاصة أن المعاناة على الرغم من فلسفتها الثقافية وفلسفة التهديد الفايروسي والانهيار الاقتصادي.. الا أن الفساد والسرقات والتعديات باتت شبه مشرعة في معظم المؤسسات التربوية التي من المفترض أن تكون مستقلة عن الادارات الفاسدة في البلاد.. هناك أزمة هوية وطنية وانتماء.. والاف من العاملين في القطاع التربوي يحتاجون الى دروس معمقة في مفهوم التربية والتعليم.. الامر الذي سمح باختراق الكثير من المؤسسات وتشويهها من الداخل..
أما المشكلة الأعظم فهي السلطة الراعية للتربية في لبنان.. وهي لا تتمثل فقط بوزارة التربية بل بالسلطة بكافة عناصرها.. وهنا نحن أمام مشكلة دولة بأكملها.. هي الدولة الفاشلة لانها ليست تربوية.. وليست داعمة للانتاج العلمي والبحثي في لبنان.. هي الكارثة الحقيقية ان يكون النظام التربوي أسير النظام السياسي الطائفي المريض.. أن يتحول الى سجن المساعدات الدولية.. وتشريع التبعية للسفارات والمنظمات والبنك الدولي..
الاساتذة في لبنان يشحذون أجرة الطرقات .. وملايين الدولارات في قبضة حاكم البلاد والعباد.. والحكومة اللبنانية المغلقة أبوابها تبقى الشاهد الاول على انهيار لبنان بشكل عام.. وانهيار التربية بشكل خاص.. لان لا دولة بلا تربية.. ولا تربية بلا دولة.. ونحن نعيش في اللا دولة.. هي مجرد مزرعة لا تحكمها الا السفارات.. ونبقى ننشد ألحان المعرفة في وطن الرسالة المفقودة في زواريب السياسة والخلافات والتجاذبات..