البروفيسور تيسير عبد الجبار الآلوسي يدعو العرب والكرد
لتأسيس تحالف استراتيجي يجنبهم المخاطر الوجودية
منذ بداية القرن العشرين والكرد يتعرضون للقتل على يد الأنظمة التركية المتعاقبة وسط صمت إقليمي ودولي، وبالمقابل يخوض الكرد نضالاً مريراً من أجل نيل حقوقه التي تحفظها الشرائع وقوانين حقوق الإنسان. كيف تقيّمون نضال الكرد؟
لعلّ من بين أبرز نضالات الشعوب من أجل الحرية والانعتاق، ومن أجل الدولة التي تحتضن وجودهم كان نضال الكورد بكل شعوبهم وأقسام وجود الأمة وبهذه الخلفية تحديداً جاءت وعود المؤتمرات والاتفاقات الدولية بشأن الاستجابة للمطلب الذي سرعان ما تبخر باتفاقات لاحقة مطلع القرن المنصرم لحساب لعبة سياسية دولية وتضاغطاتها المعروفة!
لكن النضال القومي التحرري للكورد لم يربط حراكه الإنساني السامي بأية مواقف إقليمية أو دولية كانت لمجرد المناورة أو التخدير وإنّما بقي بطولياً في التمسك بحق تقرير المصير من جهة وبمجمل الحقوق والحريات التي دعته للثورة على من استلب سلطته المستقلة..
من هنا فإنّ وعي الكورد في تركيا وفي غيرها بقي من النضج ما استطاع أن يسجل عنوانات ثوراته بالبنط العريض ويحفر اسمه وجوديا بأرضه ما لم تستطع إفنائه كل حملات (الإبادة) الجماعية التي تعرض لها وبرهن على الثبات والتحدي حتى يومنا حيث سجل العالم للكورد لا تضحياتهم البطولية بطريق الحرية بل وحلقات مسيرة التشبث والتمسك بقيم الهوية التي تمتد في عمق التاريخ البشري…
إن حركة التحرر القومي الكوردية تظل واحدة من أكثر حركات التحرر في عصرنا وضوحا في شخصيتها وفي مسيرة نضالها القائمة على تلبية المطالب الاستراتيجية الثابتة.
إن نجاح هذا النضال وتتويجه سيبقى مستنداً إلى ضرورة الوحدة في المؤتمر القومي الكوردي وفي جبهة كفاحية واضحة البرامج لا تنزلق إلى أية محاولة من أعداء الكورد لتمزيق قوته النضالية المكينة المتينة.. فالأعداء يسستهدفون جميع فصائل الكفاح التحرري الكوردي وإن أبدت تلك القوى الخبيثة تقربها من فصيل فذلك لشق الصفوف وتسهيل محاولات الإبادة المفضوحة.
ونحن أنصار القضية الكوردية العادلة متأكدون من انتصار القضية وحماتها وحاملي مشاعل التحرر فيها.
مؤخرا استخدمت دولة الاحتلال التركي الأسلحة المحرمة الدولية والكيماوية ضد الكرد في كل من عفرين وتل أبيض وسري كانيه/رأس العين، والان تستخدمها ضد مقاتلي قوات الدفاع الشعبي في جنوب كردستان، إلا ان المجتمع والمنظمات المعنية تلتزم الصمت، برأيكم لماذا هذا الصمت؟
إن الأساس في القانون الدولي باتت حازمة وحاسمة في تعريف تلك الأسلحة وتحريمها وحظرها كليا ونهائيا، ولكن المشكلة ليست في القانون الدولي ومعاهداته المعروفة إنما في ما يحكم العلاقات الدولية وتنفيذ بنود الاتفاقات والعهود والقوانين الدولية وما يقيّد هذا التوجّه من اشتراطات (سياسية) نفعية قصيرة النظر!!
ولابد هنا من الإشارة إلى حقيقة ما حاولت جهات دولية فرضه بخلفية محاولتها احتواء (النظام) التركي وعلى رأسه (أردوغان) الذي يتصرف وكأنه سلطان عثماني من زمن تلك الدولة التي تعفنت وانقرضت، ويتطلع لاستعادتها على حساب حرية الأمم والشعوب.. بينما نرى صمتاً وسلبية تجاهه من أكثر من طرف دولي متوهمين أنهم سيجذبونه لفلسفة (أوروبية) وهو أعتى أعداء تلك الفلسفة سواء بمعاداته الديموقراطية أم قمعه للحقوق والحريات أم في جرائمه بحق الكورد في أرضهم التي تُلحقها تركيا بالإكراه وبتجاهل هوية ممثلي كوردستان بكل معاني الإقصاء والإلغاء والقمع بما يصل حجم جرائم الإبادة..
من هنا فقد بات جلياً أن على المجتمع الدولي وحامي الأمن والسلم الدوليين حصرا مجلس الأمن والتشكيلات القانونية الملحقة من قبيل المحكمة الجنائية، بات عليهم بوضوح الانتباه لخطر ولادة فاشية جديدة لن تقف عند حدود قمع الكورد ونضالاتهم باستخدامها تلك الأسلحة المحرمة المحظورة بل وتهدد العالم لأن من يصل تلك المستويات الإجرامية لن يردعه كما هي التجاريب البشرية سوى موقف أممي دولي حازم تحديدا تجاه تلك الأسلحة التي حظرها القانون الدولي لمعانيها في الإبادة وفي طعنها أمن المدنيين وسلامة وجودهم!
طالبت منظومة المجتمع الكردستاني عدة مرات بضرورة ارسال لجنة لتقصي الحقائق والتحقيق حول استخدام تركيا للأسلحة الكيماوية إلا أن المنظمات المعنية لم تحرك ساكنا حتى الان، هذا التخاذل ألا يجعل منها شريكة في الجرائم التي ترتكبها تركيا؟
إنّ المسؤولية الدولية تتطلب وقف تلك السلبية التي تغامر بمصير السلم والأمن مثلما تقتضي سرعة التفاعل بإرسال لجان تحقيق أممية مسؤولة وعلى مستوى عال يمكنه أن يفضح ما يجري وهي قضية جلية لا تحتاج كثير عناء، بينما سيبقى غض الطرف أمر يشكل بؤرة خطر تهدد عالمنا وجوديا..
وقانونيا أي تلكؤ في هذا هو مشاركة بالجريمة سواء منها بآثارها المباشرة وجغرافيا وقوعها وارتكابها أم بمعانيها تجاه الوجود البشري ومستقبل السلام الذي يكفله القانون..
من هنا ما عاد متاحاً التلاعب السياسي ومحاولات التعمية وتجاوز ما يُرتكب بأية خلفية بخاصة مع تعقيد تركيبة الصراع بين نظام أردوغان الذي يقترب من ساعة صفر دولية لإعلان سلطنته مجددا وطبعا فلسفته الأخوانية الفاشية بهويتها ومن ثم التي تتقصد استهداف العالم بحروب إبادة ودمار كلي! فهل يُعقل أن يستمر غض الطرف مناورة مع مثل هذا النظام!؟ أم يلزم المسارعة لاتخاذ القرار بخاصة مع دلالات استخدام الأسلحة المحظورة فعلياً!!؟
إن إيجاد وسائل إيصال الصوت إلى الجهات الدولية بات مسؤولية أخرى في النضال التحرري بتركيا تبدأ بمطالب إلغاء توصيف (الإرهابي) للنضال التحرري ولا تقف عند تخوم إعادة تشخيص من هو الإرهابي في ضوء ما يُرتكب فعليا من جرائم أشنع من إرهابية أي جرائم الإبادة الجماعية الجينوسايد!!
تركيا من جهة تستخدم الأسلحة الكيماوية ضد الكرد ومن جهة تهاجم أراضيهم وتحتلها وتهجرهم وتغير ديموغرافية مناطقهم، ومن جهة أخرى تزج بالسياسيين الكرد في تركيا في المعتقلات، وتفرض الوصاية على البلديات التي فازوا بها بالانتخابات. ألا يعتبر هذا إرهاباً. هل الإرهاب يقتصر على داعش وجبهة النصرة فقط أليس ما تفعله تركيا إرهاب دولة؟
بالضبط، كما ورد هنا في مضمون التساؤل الذي يفضح ما يُرتكب من جرائم وهي مفتوحة مشرعو البوابات بين جرائم ضد الإنسانية بما فيها التقتيل والاغتيال وأو مصادرة الحقوق السياسية وإحداث التغيير الديموغرافي جهاراً نهاراً وهو ما وثّقته شعوب المنطقة ونقلته بأكثر من واقعة إلى الجهات المعنية ما يتطلب إصراراً ومتابعة حتى تستجيب تلك الجهات لصوت الشعب الكوردي وشاركه نضاله من أجل إزاحة كلكل ظلام الأردوغانية وتوجهاتها التي تسجل (إرهاب دولة) بامتياز كما يشخصه القانون الإنساني الدولي وكل العهود والاتفاقات الدولية المعنية.. بما يتطلب موقفا قانونيا أمميا يلجم الوحشية لتلك الجرائم الإرهابية للدولة ومن يتحكم بها بالمخالفة مع كل الشرائع والقوانين المرعية.
الكرد يناضلون من أجل نيل حقوقهم المشروعة وتركيا تدعم جبهة النصرة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. أيهما يجب أن يوضع على لائحة الإرهاب تركيا أم حزب العمال الكردستاني؟
تلك هي مهزلة مواقف (بعض) القوى في غضها الطرف عما تفعله سلطات أردوغان الذي تحكمه قوانين الجنائية الدولية وتشخصه القوانين الدولية بمنطقه الإرهابي إذا ما تمت قراءة الحقيقة كما تحدث ومن هنا وجب تقديم المطالعات القانونية باستمرار وبلا توقف كيما يتم فضح الجريمة والمجرم ويقف أمام المحكمة الدولية كما حدث مع آخرين ارتكبوا ذات الجريمة بحق شعوبهم..
إن الموقف الدولي اليوم، يفرض موقفا جديا عالي الفعل والمسؤولية والأثر الواقعي في التشخيص على وفق ما وصلته البشرية من تجربة مع الإرهاب ومن يرتكبه بخاصة التعريف الأممي لحركات التحرر وحق تقرير المصير ومن يهدد فعليا سلامة الشعوب وأمنها بجرائمه المشهودة..
ما المطلوب من الكرد والعرب الان من أجل ردع الهجمات التركية في المنطقة؟
الآن، باتت قضية (وحدة نضالية) بجبهة أممية عريضة وكونفيديرالية تجمع بين الشعبي والرسمي وتستند إلى تفعيل لأن ترك الكورد في أيٍّ من أقاليم كوردستان الأربعة لوحدهم إنما يتهدد الجميع وبتسلسل حلقات الصراع!
إن بقاء الأمور بلا أولوية في العمل العربي الكورد يفتح المجال واسعا لمزيد تخريب من أطراف إقليمية على راسها كل من الدورين الإيراني والتركي الأردوغاني والواقع يشهد أن ما أصاب سوريا والعراق يجري بدعم تركي همجي لوحوش الإرهاب الداعشي وغيره..
والقوات التركية تنشر عشرات القواعد غير المشروعة والتي تنتهك السيادة العراقية مثلما تلك التي تنتهك سيادة سوريا لكن في الجوهر هناك استهداف للكورد ولكوردستان بأقسامها ولحركة التحرر الكوردية!
إذن، بات من الواجب أن ينعقد سريعا مؤتمر استراتيجي الأهداف في بناء أسس التحالف الكوردي العربي بلا تردد أو تأجيل ويكون جوهره كونفيديرالية تحمل آمال شعوب المنطقة ووسائل حماية سيادتها لا المستهدفة حسب بل المنتهكة في مقدمة لإلغائها وجودياً..
فهل وصلت الرسالة!؟ ندائي إلى قوى التحرر العربي الكوردي وندائي إلى قادة الجامعة العربية والمؤسسات الإقليمية شرق الأوسطية بأن ترتقي لمستوى المسؤولية وتنظر عميقا للموضوع لا بمنظار التكتيكات والمصالح الآنية ومجاملات السياسة إقليمياً دوليا بل بمنطق استراتيجي يقرأ الوقائع كما هي مخاطرها وتهديداتها فيرسم ما أكدته مسيرة آلاف السنين من معاني التحالف الاستراتيجي عربيا كورديا..
إننا في التجمع العربي لنصرة القضية الكوردية نجدد التأكيد على مواقفنا الثابتة في التضامن وفي حمل مشاعل هذا التحالف الاستراتيجي الذي عنوانه التعايش السلمي بين الشعوب وضمان حق تقرير المصير وكفالة حماية شعوبنا جميعا وتأمين السلام والأمن الإقليمي والدولي بدءا بفضح قوى الإرهاب ومن يدعمها ودحر مشروعاتها القائمة على تفكيك حركة النضال وتمزيق الشعوب وهو ما لن نسمح به ما يؤكد أن الشعوب هي المنتصرة للسلام والحرية والانعتاق..
دعني أؤكد أن بعض الصراعات الجارية إنما هي بفعل تدرج قوى معادية بفعاليتها إذ تتستر خلف وقائع وأحداث مفتعلة لكنها تحاول أن تحصد من إثارة الشقاق ولهذا علينا أن نتنبه إلى ما قد يكون من الأخطاء ولو الجزئة المتناثرة هنا أو هناك كيما نمنع استغلال تلك المواقف المحتدمة لمآرب قوى سواء تركية أردوغانية أم ميليشياوية إيرانية وكلاهما اليوم تغذان وحشيتهما بالسير قدما بجرائمهما ولكن وحدة الكورد أولا وتحالفهما مع العرب هو طريق النظر الاستراتيجي
أشكر لكم هذه التغطية وسيركم بطريق تشخيص الجريمة وفضحها وتقديم ذلك وثيقة للجهات الدولية المعنية حرصا على تطمين السلام وحق الشعوب في الانعتاق وممارسة الحياة الديموقراطية لا بالادعاءات والمناورات التي يصطنعها أردوغان وقواه الانكشارية الإرهابية بل فعليا حيث استعادة الحقوق والحريات وأولها حق تقرير المصير المكفول في القوانين والعهود الدولية..
أحيي أصدقائي الكورد وقد شرفت دوما بأن أحمل وسام صداقة الشعب الكوردي وباسمي وباسم التجمع العربي لنصرة القضية الكوردية أؤكد عميق التضامن مع أهلنا الكورد ونضالاتهم من أجل السلام والحرية ودحر الإرهاب ومجرميه ممن يرتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة ويستخدم الأسلحة المحظورة المحرمة أمميا دوليا.