الوصول الى الاقتناع بمفهوم الانسانية كفكر و فلسفة و ايديولوجيا و شعارمركزي لك كشخص او ضمن مجموعة في اطار فكري او عقيدي او اجتماعي, صعب جدا وانما ليس بمستحيل في هذه المنطقة المغمورة بكل مايبعدك عن هذه القناعة و ما تخص الانسانية . انت تعيش في واقع و المعلوم بانه يبعدك في كل لحظة عن الفكر الايجابي المطلوب للحياة التي تدعو الى التغيير, و ان ضغطت على نفسك في التحاشي عن المسببات التي تحيط بك و تمنعك عن الطاقات التي تدفع و تدعو الى العقلانية التي تؤدي في النهاية الى التغيير المستمر و الخلاص من الموروثات التي تشكل سدا منيعا عن كسب تلك الطاقات لبناء العقلانية المجردة اولا و من ثم الوصول الى الانسانية حتى النسبية منها في النهاية.
هناك فروق فردية في هذا المجال, اي وجود المقومات و العوامل الموضوعية التى تؤثر سلبا او ايجابا على الفرد من الاسرة و المجتمع من الحي و الزقاق وصولا الى المدينة ومن ثم الشعب بشكل عام. و هذا يعتمد على الثقافة العامة و الموروثات الثقافية و مستوى المعيشة و المؤثرات الاقتصادية و السياسية و الثقافية التي تدفع او تمنع تفكير الانسان الى الاقتناع بالانسانية كفكر, اضافة الى الفروق الفردية و حالة الفرد الناتح من ما يكسبه في بيئته الصغيرة, اي ظروفه الذاتية.
بشكا عام, نرى دائما من يستمر دائما على الانتقاد للاخر و يصل به حد القدح و الشتم و المسبة و لم يفكر يوما ان يضع نفسه مكان الاخر و يجد حججا لما هو عليه غيره, اي عند تواجد اثنين المذمة ثالثهم و اصبحت عادة لاصق بحياة الاكثرية الساحقة. و يمكن ان يكون الثالث و افضل منهما لو قيمهما الاخرون المحايدون. و طالما بقت الغيبة و المذمة للاخرين لا يمكن ان تكون هناك ذرة انسانية.
شاهدت الكثير من الشخصيات الواصلة نتيجة الحيل و الخداع و استخدامهم للاساليب و الطرق الملتوية, فعندما فتحتوا افواهها لم يقولوا غير ما يمكن ان يصيبوا لب قصدهم وهو نبذ الاخر المنافس , و عند الكلام عن النفس تبدا افرازات النرجسية فعلتها وهي التي تحدد كيفية الكلام و التقييم و توضيح ما كان يهم في شرحه بالاسهاب. يتكلم و كل اهتمامه شخصي بعيدا عن المهام الموكل اليه, و اخيرا يدعي الانسانية, طالما سيطرت النرجسية لم نجد الانسانية لدى اصحابها.
ما دفعني ان اكتب هذه الكلمات هو ادعائهم بالانسانية و لم نجد اي ملمح ولو من بعيد من ان قناعته بهذا المفهوم النبيل نابع من عقليتهم و ثقافتهم. فهل يمكن َمن يؤمن ان يُقتل و يُذبح الاخر المخالف لعقيدته و يكون فكره و عقليته انسانية و يؤمن بنسبة قليلة من الانسانية كعقيدة العصر , فهل من يؤمن بقتل المؤمن بغير الدين هو انساني، فهل من يؤمن من يكون من غير مذهبه او عرقه يستحق القتل لديه ذرة انسانية و من يمكن ان يصدقه يان يكون انسانيا
اذاُ, يتوضح لدينا ان الشائع في هذه المنطقة عدم التعمق فيما يقع على عاتق النفس من الجهد للوصول الى القناعة الانسانية بل الاصرار على القاء اللوم على الاخر و نعته بلا انساني, بينما تدعي كلاما مجازيا بانك انساني الفكر و العقلية و الفلسفة؟
ان مراحل الوصول الى العقلية الانسانية عديدة وطويلة و صعبة, تحتاج بداية الى التخلص من الشواءب التي تراكمت في عقلية الفرد نتيجة تماسه و تعايشه و اختلاطه مع مختلف العقليات, و بعد التجرد من كل ما اثر على حياة الفرد و عقليته فكرا و فلسفة و عقيدة ستبدا عملية البناء العقلاني بوجود العوامل المساعدة فكريا و بيئيا و سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا و احتماعيا, بعد معرفة الموانع ومحاولة اتقاء شرها, هذا عند الفرد و تحتاج هذه العملية الى وقت من عقود و دهور, و لا يمكن لاي منا ان تكون لديه غاية ايديولوجية متشددة و يدعي بانه انساني في الفكر و العمل و الفلسفة.