سلسلة الطغاة وأحلام الحرية
بقلم الأديب: حسام الدين أحمد
العراق بغداد
الحياة في تغير مستمر وهذا ما يجده الباحث في التاريخ القديم والحديث، فلا شيء يبقى على حاله سواء بتقدمه نحو الأفضل أو بتراجعه نحو الأسوأ، فدوام الحال من المحال، فيمضي جيل ليظهر آخر، فيعلو فيه قسماً ويسقط آخرون ويتغير فيه الأشخاص وتتجدد المواقف، ليبقى التاريخ يسجل للحق طريقاً واحدًا، وليذكر صفحات سطرت خلاف ذلك.
فما دام الإنسان يحيا في هذه الأرض فعليه السير على القوانين والمبادئ التي بها سيحيا حياةً كريمةً ليعلو بها شأنه وتسمو أفعاله وأقواله، وتطمئن نفسه، ويروض بها جوارحه، فيعيش وكأنه ملاك في جسد آدم.
فما الذي تغير بين الأمس واليوم وهل سيكون غدًا أفضل حالًا أو شيئًا مخالفًا لما عليه اليوم، وهل تبدل الزمان وتغير أم يتقلب الإنسان على صفحاته فيتلون ويتبدل الحال وفقًا لذلك!
” قد سمي القلبُ قلبًا لكثرة تقلبه ” فتغيرت أحواله وتبدلت ألوانه وجفت روافده وتشبعت مسالكه، فكان لابد حينها من دعوة العقل، لفض ذلك النزاع لتخالط الخواطر الحكمة وتساير الرغبات المبادئ فأصبح للقلب من يُقَوِّمُ سلوكه ويصحح طريقه ليحافظ الإنسان على نفسه من السقوط بين القيعان والوديان وليبقى كنجوم السماء علامات يستدل بها إذا أظلم الزمان.
وحين كنا أطفالًا كانت فصول السنة لها مواعيد ثابتة وكنا نعلم ذلك من خلال أشهر السنة وكذلك الطقس !
لكن اليوم تغير ذلك فتداخلت فصول السنة بعضها ببعض، فتغيرت المناخ وما عدنا نعلم عن الطقس شيئًا، فأصبح الربيع خريفًا وما أصبحنا نفرق بين الصيف والشتاء، فحاولنا أن نعيد للعمر ربيعه! فسحبتنا سحب الخريف لتمطر علينا أمطار الصيف !
وعندما نقلب صفحات من سجل الزمان لنتذكر أيام أُناسٍ مضوا بعد أن سجلت أقلامهم لهم صفحات سوداء وقد ظلموا أو جرحوا قلوب أقرانهم أو قتلوا وتسببوا في إحداث فتنة ونفاق فاق ضرره حتى لم تستطع تلك الصحائف حمله، وفي الجانب الآخر صفحات لأشخاص كتب عنهم الزمان عبارات يلفها الحياء إذ لم تستطع الأقلام أن ترسم لهم ما يستحقونه لما قدموه للبشرية من الخير حتى تلونت صفحاتهم بأجمل الألوان وتعطرت بأزكى الروائح فأصبحنا بفضل ما سطره التاريخ لنا… نرى كل ما جرى في العصور السابقة، وكأننا نرى تلك السطور على شاشة كبيرة، كفيلم أعد مسبقًا لنأخذ منه الدروس والعبر، لنعمل بالأفضل، ولنسجل اسمنا في تلك الصفحات المشرقة.
فما الذي حدث بعد مشاهدتنا لتلك الصور وقراءتنا لتلك السطور! فكنا كمن أخذوا معهم بعض الحلوى وجلسوا في قاعة السينما المظلمة ليشاهدوا الفيلم ويستمتعوا بأكل طعامهم و يتأثروا تارةً ويفرحوا أخرى بتلك الأحداث، لنخرج بعدها إلى الواقع الذي نحياه، وقد نسينا كل الحكم والعبارات الجميلة التي مرت علينا أثناء عرض الفيلم، ليسير بعضنا على خطى الأشرار وكأنهم أخذوا الدروس من الشخصيات التي أعجبوا بها، ويبقى آخرون يتفننون فعل الخير وإيقاد القناديل لتضيء صفحاتهم إذا أظلم الزمان، وهكذا مضت الأيام، ومحت من سجل التاريخ الكثير من الأسماء التي إما أنها كانت عبيداً لأهل الشر، أو أنها جاءت للحياة وخرجت منها ولم يكن لها خيرٌ يذكر.
وهذا كتاب ربنا وقد فصل لنا كل ما جرى في العصور السابقة، فحدثنا عمَّا حدث لعاد وثمود وقوم لوط، وكيف خلد الزمان اسم موسى في صفحات من الذهب ليبقى جسد فرعون لليوم رمزًا للشر.
فماذا عسانا أن نقول أو نفعل بعدما قرأناه وسمعناه وشاهدناه في سجل الزمان، فمن الطبيعي أن يسير الطالب بعد إكمال دراسته ليعمل بمجال تخصصه وقد استفاد من تجارب أستاذه وخبرته السابقة في الحياة وكذلك يعد أداؤه للامتحانات المتكررة التي جعلته يصحح أخطاءه ويتحرى الصواب ليعمل بعدها بما تعلمه من العلوم النافعة، وليكون فرداً إيجابياً في خدمة المجتمع، لكن الذي حدث هو خلاف ذلك !
وبألوان تلك الصور تلونت حياتنا اليوم فأصبحنا نودع الظالم لنستقبل ظالماً آخر، وكذا أعداد الأسماء في صفحات الشر في ازدياد، وأما الأسماء التي دخلت من باب الحياة لتخرج من الباب الآخر وقد تم محو أسماءهم من سجل الزمان، فأعدادهم كُثر !
لنعود ونتساءل ألم يشاهد الظالمون الجُدُد ما حصل لمن قبلهم وكيف تم وضع صورهم الرمادية في كتب خصصت لمن دفع البشرية إلى الهاوية، فها نحن ننظر في صفحات ليست بعيدة ! إنها في القرن الواحد والعشرين! ولكن لا حياة لمن تنادي، ليبقى بعضًا من أبناء جنسنا لا زالوا يعبدون الشخصيات والصور وكأنهم أدمنوا على تلك العبودية أو ليبقى قسمًا آخر منهم ليقلدوا اولئك الظالمين وكأنهم أتوا لهذه الحياة ليبقون خالدين فيها، أو أنهم تناسوا ما حصل لأقرانهم الذين سرقوا قوت الشعب وقتلوا وسلبوا حقوقه، ليوضعوا على منصة العدالة وليلاقوا ربهم وهو عليهم غضبان.
فهذا يوسف تم رميه في البئر وبعدها قد بيع كعبد وأدخل السجن بضع سنين، ليخرج بعدها وقد أصبح عزيزًا لمصر وقبلها هو عند أهل السماء أكثر عزًا ورفعة لأنه كان صادقًا مع ربه، طيب القلب والأخلاق، ناشرًا للخير مانعًا للشر نافعًا للناس، وخلال تلك الأحداث التي مر بها يوسف كان قلم التاريخ يسجل كلما يحدث، ولم يتأثر ذلك القلم بقوة الطغاة وجبروت الظالمين ليخبرنا بعد كل تلك السنين أن يوسف من الصالحين وأن الكهنة كانوا على باطل، وأن أخوة يوسف وامرأة العزيز كانوا قد ظلموا يوسف.
ألا يخشى اليوم ممن تولوا أمور العباد وتسلطوا على رقابهم أن يفضح التاريخ صفحاتهم، ألا يخشى أولئك ذلك القلم الذي لا يعرف إلا لونًا واحدًا ليرسم صورهم على حقيقتها ليكشف أسرارهم ولو بعد حين !
فطوبى لمن صنع لنفسه مجدًا، وكانت حياته خيرًا للبشرية فاقتصد في نومه واقتطع جزءًا من أوقات راحته، ليزرع البسمة على شفاه حطم الحزن بهجتها أو دعا إلى فتح أبواب الخير وغلق أبواب الشر ليعم السلام حياة أُناس بعده، فخلد الزمان اسمه فأصبح يحيا بيننا شامخًا في الوقت الذي قد مات أناس حولنا بأفعالهم وهم لازالوا أحياءا !