لاشك ان تطورات أفغانستان المتسارعة ، وعودة حركة طالبان الي واجهة الحكم من جديد ، بعد نحو نصف قرن من الحروب والمواجهات ، والاحتلالات ، والتدخلات العسكرية تعتبر من ابرز أحداث الربع الأول من القرن والواحد والعشرين ، وماحصل يتجاوز الحدود الوطنية لهذا البلد الاسيوي المنكوب المحروم من السلم ، والاستقرار منذ نحو قرن ، باتجاه أعماق الابعاد الإقليمية ، والدولية ، ولهذا نشهد هذا الاهتمام المتزايد من جانب وسائل الاعلام ، وصناع القرار في العالم من الغرب ،الى الشرق ، ومن الشمال ، الي الجنوب ، ومازالت توقعات ، واستنتاجات المتابعين للحدث الافغاني في بداياتها ، وقد تطول بحسب كل المؤشرات .
أفغانستان ذات الثلاثة والثلاثين مليون نسمة ، كانت هدفا في القرون الغابرة للفتوحات الاغريقية ، والإسلامية، وحكم المغول ، شعوبها من الارومة الهندو – الاوربية الارية ، مثل الفرس ، والكرد ، والطاجيك ، ومجموعة من الشعوب الأخرى ،نالت استقلالها عام 1919 ، وتعرضت بالعصر الحديث الى موجتين من الغزو الخارجي ، السوفييتي عام 1979 ، والامريكي عام 2001 ، والحرب الاهلية تشتعل فيها منذ بداية الغزو الأول .
أفغانستان تجاور خمسة بلدان ، ولها حدود مشتركة 900 كم مع ايران ، و137 كم مع طاجاكستان ، و90 كم مع باكستان ، و20 كم مع أوزبكستان ، و80 كم مع تركمانستان ، ومع الصين 76 كم ، وهي بلاد – حبيسة – لاتتشاطؤ مع البحار .
هذه البلاد متعددة الشعوب والاقوام ، أكبرها قومية – الباشتون – 40 – 50٪ ، والطاجيك 37٪ ، وهزارة 9٪ ، والتركمان 2٪ ، والاوزبك 9٪ ، وهناك البلوش أيضا ،وأثنيات أخرى ، والاغلبية الساحقة من الشعوب الأفغانية تعتنق المذهب السني مع قسم قليل على المذهب الشيعي .
ان الواقع التاريخي ، والظروف التي مرت بها أفغانستان ، وواقع جيرتها مع بلدان وشعوب تتناقض من حيث الواقع الاجتماعي ، والمنبت التاريخي ، والتنوع القومي ، والمذهبي ، والديني ، بينها دول كبرى لها مطامع اقتصادية ، وأخرى لديها مشاريع توسعية ومنطلقة من الآيديولوجيا السياسية ، والدينية ، والمذهبية بالإضافة الى التداخل القومي ، ومع توفر معطيات على غنى البلد بالموارد ، والمعادن الثمينة ، هذا مع تأخر حل المسائل الاقتصادية ، والاجتماعية ، وانعدام تجربة وتقاليد في حل قضايا القوميات ، وإرساء مبدأ العيش المشترك ، والشراكة في السلطة والثروة والقرار ، بالطرق الديموقراطية ، وعدم أهلية حركة طالبان في تقديم البديل الأفضل ، أقول ان كل ذلك يشكل تحديات خطيرة أمام مستقبل الاستقرار ، والتقدم ، والبناء في المديين المنظور ، والابعد .
لقد دفعت أفغانستان ثمنا باهظا على حساب الدماء ، والدمار ، ووقف التطور الطبيعي ، في حقبتي الحرب الباردة ومابعدها ، وتحولت الى حقل تجارب ، ليس بين أحدث التكنولوجييا الحديثة ، والأسلحة المدمرة الشرقية والغربية فحسب ، بل ميدانا لتصفية الحسابات الأيديولوجية أيضا ، بعيدا عن مراكز القوى المتخاصمة في أوروبا ، وامريكا ، آلاف الكيلومترات ، ففيها تمت مواجهة الجيش الأحمر مفخرة قوى الثورة العالمية والذي قرر الانسحاب ، كما غادر جيش الناتو المدافع عن قيم الديموقراطية الغربية ، وهنا امتنع عن استخدام تعبير ( الهزيمة ) العسكرية للجيشين لانهما كانا أقوى عددا وعدة ، ومن الجدير بالذكر ان النظام الشيوعي مابعد مغادرة الجيش السوفييتي صمد ثلاثة أعوام ، اما النظام الذي بناه الغرب فصمد ثلاثة أسابيع ، وفي الحالتين ترك الطرفان بانسحابهما الاشكالي القابل للاخذ والرد أفغانستان تحت رحمة مجموعات قبلية تقودها قيادات ميدانية من خريجي كتاتيب الجوامع ، بينها وبين المدنية عشرات الأعوام الضوئية ، أوليس ذلك مدعاة الى التأمل ؟ .
توقعات ، احتمالات ،سيناريوهات
1 – إمكانية ان يساهم الحدث الافغاني في إعادة تموضع نواة لنظام عالمي جديد متعدد القطبية ، وتغيير قواعد الصراع بين الأقطاب ( أمريكا – الصين ، روسيا – أوروبا ) حول النفوذ ، والمصالح الاقتصادية ، والمواقع الاستراتيجية ، وصولا الى إعادة انشاء هيئة الأمم المتحدة على أسس جديدة تعكس موازين القوى الدولية ، والإقليمية الراهنة .
2 – قد يدفع الحدث الافغاني الى إعادة النظر من جانب المجتمع الدولي ، والهيئات العالمية ذات الصلة ، في مفهوم وتعريف الإرهاب ، ووسائل معالجته .
3 – بعد النكسات التي واجهت حلف الناتو ، والتفتت الداخلي في صفوفه ، والاستفراد الأمريكي في توجيهه ، وآخره الارتباك الحاصل حول الملف الافغاني ، وقبل ذلك تجاه روسيا ، والموقف التركي المتمرد على مؤسساته ، قد نسمع أصواتا مؤثرة من ضمن هذالحلف تطالب بحله اسوة بماحصل لحلف وارسو .
4 – ستؤدي تطورات الحدث الافغاني التي لم تتوقف بعد الى إعادة رسم السياسات بشأن ظاهرة الإسلام السياسي بجناحيه السني ، والشيعي ، وكذلك احتمالية التفاعل السلبي أو والايجابي بين الأنظمة في المنطقة من الجانبين ، ورجحان تقديرات إرساء نوع من المهادنة بين جمهورية ايران الإسلامية الشيعية من جهة وبين المراكز السنية في دول الخليج ، وأفغانستان ، وباكستان .
5 – ايران ماضية في استثمار اللحظة الأفغانية الراهنة ، وترى تشجيعا لها من جانب إدارة – بايدن – على مبدأ – أوباما – وسيكون لذلك آثارا سلبية على مصالح شعوب المنطقة ،خصوصا بالعراق ، وسوريا ، ولبنان ، واليمن ، والخليج .
6 صعود ايران المتوقع سيكون له تاثيرات سلبية على الحركة الكردية عموما ، وعلى إنجازات إقليم كردستان العراق على وجه الخصوص ، وقد يتاثر الامن والاستقرار هناك .
7 – ستنشط السياسة الإيرانية في سوريا ، وبدعم ميداني مباشر من قوى نظام الأسد ، وحزب الله اللبناني ، باتجاه اختراقات في صفوف المعارضين والمناطق التابعة لها ، او الرمادية ، وكذلك في تحريك مجموعات جديدة لتنشط ، وتعقد المؤتمرات ، وتطرح نفسها بديلا لكيانات المعارضة ، والامر هذا يمكن ان يسري على الساحة الكردية أيضا ، بإعادة احياء ودفع المجموعات التابعة لمركز قنديل مباشرة من جماعات ب ك ك ومسمياتها الأخرى .
8 – من المتوقع ان تعيد الشعوب حساباتها من جديد ، خاصة التي كانت تراهن على دعم الغرب عموما وامريكا على وجه الخصوص ، بعد التصريح الواضح والصريح للرئيس الأمريكي – بايدن – : ” أمريكا غير معنية ببناء الأمم ، وتغيير الأنظمة ” ، كما على أنظمة الدول وكذلك المجاميع المسلحة ( مثل قسد ) التي كانت معتمدة من أمريكا للانطلاق منها لمحاربة الإرهاب ان تعلم تضاؤل الأهمية الاستراتيجية لها وانعدامها لاحقا .
محاولة في فهم مجريات ومآلات الحدث الافغاني
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا