كيف يمكن مقاومة الإرهاب في الفضاء الجامعي؟ وما هذا السؤال إلا موصولاً بالدور المدني الذي تلعبه الجامعات في تاريخها الأصيل والحديث، فأي دور للجامعة في إرساء قيم المدنية وتثبيتها في ضوء متغيرات تاريخية حفت ومازالت تحف بالمجتمعات العربي.
توهم بالتعبير والقطع مع الاستبداد من حكم متسلط إلى حكم يروم الديمقراطية والسلطة التشاركية؟ من هي الأطراف الكفيلة بحماية المكاسب المدنية داخل الجامعة، إن تحققت، وكيف السبيل إلى إرسائها إن غابت؟ وهل للأستاذ الجامعي وللقوى المدنية ومن بينها النقابات دور في رسم معالم الأفق التعليمي الجديد القائم على الوعي بضرورات ما يحيط بأوطاننا من مخططات مختلفة المشارب محليًا وعربيًا وعالميًا؟
كيف يمكن للجامعة أن تحافظ على استقلاليتها العلمية وحرمتها المؤسساتية وأن تقاوم كل ما يمس حريتها وتقاليدها الاكاديمية بما في ذلك مقاومة أشكال التطرف العقدي مها كان لونه وطعمه أو خلفياته أو مرماه؟
كيف يمكن للجامعة أن تمارس فصل التكوين خارج كل ممارسات سلطوية أو حزبية وأن تواجه ما يحف بجيل من الطلاب من مخاطر التطرف ومزالق التوظيف مهما كان مأتاه؟ كيف يمكن للجامعة أن تسهم في بناء شخصية طالب واعٍ بشروطه التاريخية، مدركًا أن المواطنة والمغايرة وقبول المختلف هي الشروط الحقيقية لممارسة أي فعل ديمقراطي؟ ما البرامج التعليمية والتثقيفية التي يجب على الجامعة – بكل مكوناتها – أن تضطلع بها؟ كيف يمكن لتقويم تجاربنا التعليمية وإرساء أسس متينة لإصلاح جذري وتشاركي لمنظومتنا التعليمية من حرية اكاديمية وخلق مناخ تعليمي حر وتطوير إشعاعها العلمي وبناء تجارب ديمقراطية تشاركية بين مختلف مكوناتها العلمية والتربوية؟.
تلك الأسئلة وغيرها هو ما يناقشه الاكاديمي التونسي خالد الغريبي في أحد أعداد «الهلال» والسؤال الإشكالي الذي يطرحه ويكتسي أهمية بالغة في ضوء ما تعيشه الجامعة في تونس وفي أقطار عربية أخرى ينخر الإرهاب كيانها بتفاوت: كيف يمكن مقاومة الإرهاب في الفضاء الجامعي؟
إن بلوغ هذه الأهداف لا يمكن أن يتم بدون معرفة دقيقة بأوضاع الجامعات العربية في مختلف مراحل بنائها وتطورها وفهم الدور الطليعي الذي لعبه وتلعبه في الإنماء الحضري والتطور التقني وفي مجالات الإبداع والخلق بمستوياته العلمية والفكرية والأدبية والفنية عمومًا. ولا ينكر إلا مكابر أن الجامعات العربية بمختلف تخصصاتها قد أنتجت عقولاً مفكرة وطاقات مبدعة أسهمت ومازالت تسهم في حركة التحديث والتنوير رغم ما يسود بعض هذه الجامعات من حالات ارتداد وانكماش في العقود الأخيرة.
وما هذا التوازن في التكوين في قطاعات العلوم الصحية والإنسانية إلا من بين المداخل الأساسية لإرساء الثقافة المدنية وعدم القيم الوطنية، فبقدر ما تؤثر هذه الاختيارات التعليمية وهذه البرامج الاستراتيجية في نحت كيان المتعلم والمعلم يكون لتأثيرات المحيط السياسي والمناخ الاجتماعي والواقع الثقافي الأثر البين في تكون أي مشروع مدني بإحباطه أو بتيسير دوره في خدمة الصالح العام.
وفي هذا الجانب ثمة سؤال وهو كيف تسهم الجامعة في بناء أسس التنوير الفكري؟
وإذا كانت الجامعة فضاء علم وبحث وإبداع، فإنه من الممكن أن نحدد رسالتها في تشكيل العقل العلمي مهما تكن مشاربه ومكوناته الأصلية التي أسهمت في صقل هويته الذاتية والجماعية: المقصود تأثير المدرسة والاسرة والمحيط.
وعندما نتحدث عن مجابهة الإرهاب في الجامعات العربية فان الأمر يتطلب دعم الجامعي المنتمي إلى تيار التقدم والحرية والديمقراطية المسكون بالوطنية هذا الجامعي هو الذي واجه ويواجه العسف والتسلط مهما تكن أنواعه سواء كان استعمارًا استطانيًا أو سلطة سياسية قائمة أو جماعات إرهابية حاقدة.
في العراق اغتيل أساتذة جامعات أثناء مسلسل الحصار في مطلع الألفية الجديدة فترة العدوان الأمريكي، وفي المغرب وتونس والجزائر اغتيل جامعيين وإعلاميين ومن أهل الفن والإبداع حين استشرى المد الديني المتطرف.
تقول الروائية أحلام مستغماني وهي ترصد اللحظة الدموية: «سبعون كاتبًا وصحفيًا سقطوا في الجزائر في عشرية الدم وسنوات الإرهاب مخضبين بحبرهم على يد قراء لم يقرؤوهم.
لكنهم على قناعة بأنهم يملكون حقًا إلهيًا يفوضهم واجب محاسبتهم وقطع رؤوسهم وكسر أقلامهم إلى الأبد».
إن الإرهاب يسكن سلوكنا حين نروج للخرفات والشعوذة والسحر، وفي مصر ولبنان اغتيل عدد من المفكرين والصحفيين والمثقفين. إنه إرهاب يقول عنه محمود درويش: «إرهاب يميني ولو وقف على يسار الضحية، إرهاب أصيل نابع من ذواتنا غير مستورد».
وعليه يُطرح سؤالان جوهريان: ما وضع الجامعي في مقاومة الإرهاب وما أثر تهميشه عن مشهد ثورة التغيير الحقيقية؟ وهل نحتاج اليوم إلى ثورة ثقافية نعيد فيها مراجعة الوظائف التاريخية لكل الأطراف الفاعلة في تغيير المجتمع وعقليات أفراده؟
وحتى يتحقق ذلك يعتقد إنه لابد من نشر المواطنة الحقيقية بدون شعارات وتهريج فلكلوري، وزرع عقيدة العمل والشعور بالمسؤولية وتحفيز الجميع على حب الوطن بوضع استراتيجيات تعليمية وثقافية وحقوقية مدنية، وترشيد السلوك اليومي ومحاصرة الفساد بأنواعه، إعلاء قيم الحرية المسؤولة والتسامح وقبول الاختلاف ونشر مبدأ العدالة الاجتماعية والحقوقية، وضع خطة اقتصادية واجتماعية وثقافية للقضاء على الفقر والجهل والبطالة، مراجعة بعض السياسيين لأساليب عملهم ودرء الأنانية والمصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، تطوير الخطاب الإعلامي بمختلف مشاربه وأصنافه وتذليل عوائقه.
ويبقى السؤال كيف للجامعي أن يسهم في محاربة الإرهاب؟
بحسب رأيه، فإنه لابد من تشريك الجامعي، من خلال الأطر العلمية والنقابية، في الاستشارات العامة والتشريع في الإصلاحات الجوهرية في التعليم والتشغيل والإعلام والثقافة بمشاركة أهل الذكر من هيئات فكرية ونقابية.
إن مقاومة الإرهاب لم تعد شأنًا خاصًا يهم الأفراد والجامعات المحلية والأوطان المغلقة، وإنما مسؤولية جامعية شاملة.
وليست المدرسة بكافة مراحلها والجامعة الأمن الأطرف الأساسية في تحمل هذه المسؤولية، ذلك لأن المدرسة والجامعة تسهمان في مساهمة فاعلة في تشكيل عقل، قد يكون منغلقًا متحجرًا وعنيفًا أو متسامحًا ومنفتحًا مختلفًا.