في الأسبوع الأخير قال مايسمى الرئيس التركي أردوغان أو السكرتير العالمي للتنظيم العالمي للأخوان المسلميين الإرهابيين حسب أخر الأنباء أو المرشد الفعلي للإخوان في المنطقة، أنهم أي تركيا وبمرتزقتها الإرهابيين سيبقون في سوريا وليبيا وشرق المتوسط وأزربيجان والعراق. وذلك في تحدي واضح للقانون الدولي وإتفاقية جنيف لعام 1961 الناظمة للعلاقة بين الدول. وكذلك في تعدي سافر وغزو لشعوب المنطقة ودولها للسيطرة والتحكم والهيمنة على مقدراتهم وثرواتهم، وكل ذلك مع كلام أردوغان اليومي عن عام 2023 والإنتخابات فيها وعن إتفاقية لوزان وعدم خدمتها للمصالح التركية حسب قوله كما كان يقول أتاتورك عن إتفاقية سيقر وكما كان يقولونه البعض عن إتفاقية وستفاليا لعام 1648، والتي كانت بدايات لتغيرات كبيرة.
في سوريا تمدد وتعاظم النفوذ التركي منذ عام 1999 وإتفاقية أضنة اللاشرعية التي وقعتها أمنيين بعثيين ليس لهم صفة التمثيل وقرار التوقيع و حتى لم يتم المصادقة عليها من البرلمان السوري وتسجيله لدى الأمم المتحدة كصيغة شرعية لأي إتفاقية دولية. وبعدها بسبب علاقات بشار الأسد الحميمية مع أردوغان وإعتقاده كما البعض من الجاهليين بالتاريخ والقراءة السياسية أن تركيا ستساعدهم في التفاعل لصالحهم بين السلطة السورية وإسرائيل، ولكن تركيا وإستخباراتها وبوسائلها الاقتصادية والثقافية وبعلاقاتها مع الإخوان السوريين مهدت الأرضية تأسيساً على إتفاقية أضنة وتطور العلاقات لتشكيل ذراع إخواني تابع لها تبلور في المجلس الوطني السوري وبالإئتلاف الحالي ومايسمى الجيش الوطني السوري بقايا داعش والنصرة والقاعدة والذئاب الرمادية، بعد أحداث سوريا في 2011.
ولكن أهم مساعدة أو شرعنة أو تساهل تلقتها تركيا في سوريا كانت عبر مسار ماسمي الأستانة أو نور سلطان أو الثلاثي(روسيا_تركيا_إيران) الذي إنعقد جلسته ال 16 اليوم، وأصدر بيان يحمي الإحتلال التركي وتقسيمه ومحاولة ضمه للأراضي السورية وتهجير سكانه ويتهم من دافعوا عن وحدة سوريا وسيادتها وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل حماية سوريا شعباً وأرضاً والمحافظة على السلم الأهلي وتعايش المكونات من المكونات السورية وعلى رأسهم الكرد بالإنفصاليين وبالإنتهامات والأفعال التي هي تنفذها، حيث أن هذا المسار خدم الأجندات التركية وأعطى الشرعية وتساهل وغطى الاحتلال التركي للأراضي السورية، وساعد على زيادة النفوذ الإيراني في سوريا.
وإن كان اليوم تركيا تحتل حوالي 12 % من مساحة سوريا وتعمل على تغيير ديموغرافيتها وضمها لتركيا وتتبع لها الطرف المفاوض في مايسمى في اللجنة الدستورية السورية دون المعارضة الحقيقية والمكونات السورية صاحبة المصلحة الحقيقة في بناء سوريا ديمقراطية لامركزية لكل أبنائها، فهذا وبدون أدنى شك حصلت عليها عبر مسار آستانة ونتائج عمل ثلاثي استانا.
ولاشك أن السلطة السورية أو سلطة الأزمة في سوريا لها من التواطؤ مع الإحتلال التركي في ظل النفوذ الإيراني والروسي الكبير عليها حتى أنها لم تعد سلطة سوريا بالمعنى الوطني السوري بقدر ماهي سلطة إيرانية وروسية بقدر المصالح والنفوذ الروسي والإيراني عليها مع عدائها لشعبها السوري.
وفي العراق كانت إتفاقية تركيا مع صدام الحسين ولو لخمسة كيلومترات في الثمانينات وبعد التسعينات ونتيجة الأوضاع والأحداث التي حصلت في العراق وحرب الخليج الثانية تمدد تركيا داخل العراق وخصوصاً في شماله نتيجة علاقتها مع أحد الأطراف الكردية العراقية المتواطئة كما الأخوان في سوريا وليبيا، واليوم يتواجد أكثر من 40 قاعدة وموقع تركي حسب الرئاسة التركية و70 قاعدة وموقع عسكري حسب أحد النواب العراقيين. وبدون أدنى شك نستطيع القول أن تركيا وبجيشها وبكافة مؤسساتها وأدواتها تحتل مناطق سيطرة البرازيين وتأخذها مكان للإنطلاق و للإحتلال وتمدد أوسع للسيطرة على كل باشور كردستان(أقليم كردستان العراق) والعراق، البرزانيين الذين يستمدون قوتهم ووجودهم في السلطة في إقليم كردستان العراق من الدعم والنفوذ التركي. الذي يتعامل معهم لغاية عدة ولأهداف خبيثة تتمثل في التمويه والتستر على حربها وإبادتها بحق الشعب الكردي ، بإعطاء إنطباع أن لها علاقات مع أطراف كردية ويقوم هذا الطرف بشرعنة كل الإحتلال التركي للأراضي العراقية والسوريةكما الآن.
ومن الواضح أن تنظيم تركيا للتركمان في تلعفر وكركوك وأربيل وعلاقتها مع المجاميع الإخوانية والإرهابية والداعشية بالإضافة لحزب الديمقراطي الكردستاني وعلاقات تركيا مع إيران وتلاقي الهدف التركي والإيراني في ضرب الشعبين العربي والكردي واحتلال أراضييهم يسهل التواجد والإحتلال التركي في العراق وحتى أن السلطات العراقية ونتيجة تبعيتها لإيران يكتفون بالبيانات وبالإستدعائات الفارغة إن لم يكن تواطؤ ودعم كما يفعله الديمقراطي الكردستاني بالدعم اللوجستي والمخابراتي وبتقديم كل مايلزم للقواعد التركية وحراستها وحتى منع الناس من الإعتراض والتعبير عن أرائهم في رفض الإحتلال التركي ومقاومته في مناطق أربيل ودهوك وزاخو.
وفي ليبيا ورغم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وأهمية إستحقاق الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية ورغم الإعتراضات الدولية وبعض دول الجوار تتحجج تركيا بالإتفاقيات التي وقعتها مع حكومة السراج البحرية والأمنية والتي قال عنها رئيس البرلمان الليبي أنها غير شرعية ولاغية وباطلة وأنهم أبلغوا الأمم المتحدة بذلك. والوفد الأخير الذي زار ليبيا وزيارات خلوصي أكار وكأنها ولاية تركيا وليست دولة لها سيادة وحكومة تبين سلوك تركيا ونظرتها لليبيا وللشعب العربي ولشمال أفريقيا. ولولا الموقف المصري الجاد والمسؤول والمعبر عن الأمن القومي العربي والخط الأحمر الذي رسمه القيادة المصرية ربما كان الموقف اصعب الأن في ليبيا وربما إبتلع أردوغان تونس أيضاً بمعية النهضة والغنوشي.
إن الإحتلال التركي في غرب ليبيا وبالمقربة من الحدود مع الجزائر وتونس وتشاد تشكل عام خطير على أمن المنطقة وأوربا وشمال أفريقيا مع تعاظم نفوذ الدواعش والإرهابيين في القارة السمراء. ومن ملاحظة تجربة سوريا والعراق وأزربيجان وأرمينيا والدور التركي المحرض على الفوضى والفتن نستطيع التنبئ بأن شمال أفريقيا قادم على تحديات كبيرة إن بقيت تركيا ومرتزقتها في ليبيا، حيث ان القواعد التركية في غرب ليبيا ستكون مراكز لتدريب وتفريخ الإخوان الإرهابيين والدواعش وربما تحت أسماء ليبية رسمية لعدم لفت الأنظار كما قامت بتريب حوالي 15 الف في الاشهر الأخيرة من ماتسميه الجيش والأمن الليبي في غرب ليبيا في تركيا وغرب ليبيا ربما نصفهم أو جلهم إرهابيين ومرتزقة لقادم الأيام في تمددهم في القارة السمراء ودولها في تحدي للنفوذ والمجال الحيوي والإستراتيجي والأمني الأوربي والعربي الذين يلزمون الصمت وشراء زعل الطاغية وسلطان الأخوان أردوغان بالتنازلات وتقديم المال له بحجة اللاجئين.
وفي شرق المتوسط المكمل للموضوع الليبي وموضوع غاز المتوسط، وتواجد تركيا في قبرص وعمل تركيا على تقديم عدم الحل والذي تقوله تركيا أنها الحل، وبذلك تعمل على فصل الجزيرة القبرصية عبر حلها التركي الأردوغاني وهو إستقلال القبرص التركية وتقسيم قبرص. وهذا الحل والإحتلال التركي منذ 1974 يعطينا ماذا سيكون عليه غرب ليبيا وشمال سوريا وشمال العراق في قادم السنوات إن لم يتحرك شعوب ودول المنطقة لمقاومة هذا الإحتلال وبكافة الوسائل وليس فقط بالتأجيل وإعطاء وقت للتمكين التركي وتعزيز النفوذ وتغيير الديموغرافية.
وفي آرتساخ والحرب التي دارت وبالنهاية تزايد النفوذ التركي ووجودها عبر أليات ومراكز تنسيق في أزربيجان رغم أن روسيا كانت قادرة على منع التواجد التركي وعدم تراجع الطرف الأرمني لكن روسيا في آرتساخ كما في سوريا وليبيا لها غايات تتجاوز شعوب ودول المنطقة وعينها على الناتو ودور تركيا ومحاولة التغلغل في تركيا من كافة الأبواب وربما الوصول إلى نفوذ أوراسي قوي ضمن تركيا، رغم صعوبته لكن روسيا في عهد بوتين ماضية في اللعب مع تركيا على حساب شعوب ودول المنطقة ظناً منه ومن بعض القوميين واليساريين وبقايا الشيوعيين انه سينحج مع العلم أن تركيا لا تستطيع ان تخطو ولو خطوة واحدة خارج حدودها دون الإذن الأمريكي وحلف الناتو لوجود إتفاقيات وأمور عدة ملزمة لتركيا.
والقائمة تطول للتمدد والتوغل ومحاولة تركيا إبتلاع الدول والشعوب في المنطقة ولعل عينها على لبنان وخصوصاً في ظل ثلاثي استانا وألية عملها المفيدة لتركيا وإيران وروسيا على حساب شعوب المنطقة، حيث أن هذا الثلاثي وعناصره وأذرعه ومرتزقته وفاغنره يتواجدون مع بعضهم وبتنسيق وتفاعل وترتيب الأمور في عدة دول. بالإضافة للصومال وحتى إلى اليمن وتزويد تركيا للحوثيين وللإخوان بالطائرات المسيرة التي تهاجم السعودية والأطراف اليمنية التي لاترضى بالهيمنة الإيرانية والحوثية.
والنقاش الدائر على مطار كابول وحماية تركيا لها هي أيضاً من سلسلة التدخلات التركية الوظيفية التي يكلفها بها النظام العالمي لترتيب المنطقة والنظام الإقليمي وربما محاصرة إيران وتوظيف أفغانستان والطالبان في قضية الكشمير في الصين وخلق أرضيات وبيئات للتوتر والفوضى والإضطراب ومد الطرق للإيغور بعد إخراج الحزب الإسلامي التركستاني من قائمة الإرهاب من قبل أمريكا. ولاتنقطع الوجود التركي وحماية المطار وبالتنسيق مع امريكا مع تحركاتها في المنطقة بشكل عام.
إن هذا التدخلات التركية وتداعياتها من كل بد ، سيكون لها إمتدادات وإنعكاسات ووقع سلبي على الداخل التركي لأن السلوك والسياسات الخارجية التركية هي في جزء أساسي منه لخلق أدوات ومناخات وظروف وأوراق تستخدمه السلطة التركية ضد الداخل التركي وضد كل من يخالف أردوغان وحزبه وسياساته. وضد سعي شعوب تركيا في التخلص من الفاشية التركية. ولتأمين نفوذه وحكمه في المجتمع ولو بالتعبئة الشوفينية والعنصرية.
مع ما يقوله أردوغان عن إنجازاته ومكاسبه وتواجده خارج تركيا وبقائه رغم إعتراض ورفض الشعوب ودول المنطقة والعالم، لن يكون في صالح أردوغان وتركيا على المدى المتوسط والطويل. وسيتبلور الرفض الشعبي والدولي لسلوك تركيا إلى مواقف وتحالفات مضادة لتركيا يتوسع مع الزمن. وحتى أن الغالبية سيطور سياسته وأليات دفاعه في وجه التمدد التركي كما يفعله الشعب الكردي.
وبما أن السياسات التركية وسلوك حزب العدالة والتنمية الداخلي والخارجي هي من أجل البقاء في الحكم والسيطرة والهيمنة، فلن تستطيع التفرد والإدعاء بأنها قوة إقليمية في ظل وجودإسرائيل كنواة للهيمنة العالمية في المنطقة . ومن المهم الإشارة أن كل الهيجان والعنفوان المفرط والتخبط التركي وخلقه للفوضى في النهاية يخدم إسرائيل ومصالحها، ولذلك لم نرى أو نلاحظ أي رد فعل أو ضجيج إسرائيلي حول الإحتلالات التركية في المنطقة. بل أن القلق والتوتر وحالة عدم الإستقرار سرّع من تشكل كتل وتحالفات إقليمية تنظر إلى العداء والتدخل التركي على أنها التهديد الأكبر على وحدة الدول وسيادتها كون تركيا وشعوبها من نفس ثقافة المنطقة ويمكن أن تشكل حصادة طروادة كما شكلته في سوريا والعراق وليبيا وقطر والصومال وغيرها.
ما يقلق السلطة التركية الحاكمة الحالية هو خوفها من الهزيمة والسقوط في أي إنتخابات قادمة سواء المبكرة او التي ستجري في 2023، وتجربة أنتخابات البلدية الأخيرة وفقدان إسطنبول وأنقرة وأزمير وإنتخابات 7 حزيران 2015 خير دليل ودرس. ومن الصحيح رؤية سلوك السلطة التركية في هذا الإطار حيث أن كل إهتمامها مركز على تحقيق الفوز والإستمرار في الحكم باي وسيلة كانت، بسبب خوفها من المجتمع التركي وبسبب كل تراكمات فشلها مدة 18 عام وطريقة حكمها وتعميقها للقضايا والأزمات في تركيا ومحيطها وإستمرار إبادتها للشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق، لذلك نراها وكأنها تصارع الموت و هجماتها بالأسلحة الكيميائية لأكثر من 13 مرة على قوات الدفاع الشعبي التي تدافع عن وجود الشعب الكردي وشعوب المنطقة في مناطق الدفاع المشروع على الحدود بين تركيا والعراق بسبب فشلها يؤكد ذلك ، يرافقها أيضاً الإعتداءات المتكررة على شمال سوريا وخصوصاً على المدنيين في مناطق الشهباء وتل أبيض مع إجراءاتها التي تجاوزت كل الجرائم التي ترتكبها بأيدي مرتزقتها في عفرين أو بخطابات مرتزقتها كما عبد الحكيم بشار وقطع تركيا المياه عن ملايين المدنيين في الحسكة ، وإصرارها على إعاقة الحل والحفاظ على النفوذ الإخواني العميل لها في ليبيا.
وكقراءة عامة لمستقبل تركيا وسلطتها وبما أن تركيا الدولة الوظيفية قامة على أبادة شعوب ميزوبوتاميا والأناضول و الإسلام السياسي كحالة مصطنعة ومخادعة ومضللة عن حقيقة الدين الإسلامي وقيمه الديمقراطية والإنسانية والأخلاقية، وهي لن تتجاوز دور الأداة التي ستنتهي صلاحيتها ربما قريباً، وسيكون موتها وإنتهائها مؤكد ولن يفلح جيوش المرتزقة الإنكشاريين الجدد في إخضاع الشعوب ودول المنطقة. وعندها أمام تركيا واردوغان إما تغيير سلوكهم وسياساتهم بشكل جذري وليس التصاريح والأقوال مع عدم وجود الأفعال. وإما الإستمرار بالفاشية والهيمنة وسيكون مصيرهم في الحالتين الهزيمة والإنتهاء وبقاء الشعوب والأمم كسنة من سنن الحياة سيبقى الطبيعي والمتوافق مع المحيط والبيئة وكل مصطنع سيزول ولو بعد حين من كل بد. ولن تستطيع تركيا إبتلاع الدول العربية وشعوب المنطقة كما فعلها أجداده العثمانيين الذين تم طردهم بعد 400 سنة من الحجاز وشمال أفريقيا والبلقان وحتى من كردستان وغرب تركيا ولو تدخل الدول العظمى حينها إلى جانب تركيا لما بقي شي إسمها تركيا لكن لمصالحهم ورغبتهم في الهيمنة على تركيا تم إختراع ماتسمى حاليا تركيا بأمته النمطية الدولتية التي أصبحت بلاء وعامل عدم الاستقرار والأمان في المنطقة والعالم وحالة إبادة بحق شعوب المنطقة الأصليين في ظل صمت وتوطؤ دولي من قبل النظام العالمي الذي يرى مصالحه وهيمنته عبر تركيا وإستعمالها وإستغلالها،لكن بعد الحالة الأردوغانية الإخوانية حتى النظام العالمي مرغم على إعادة النظر بشكل ونوعية السلطة في تركيا وبتركيا الدولة ككل في ظل تنسيق تركيا ووجودها في مسار أستانة الخادم للروس وللإسرائليين في المنطقة وللهيمنة العالمية في النهاية كون ماتم ذكره من القوى والدول هم عناصر لنفس النظام العالمي.