عامر القيسي
نهاية العام الحالي 2011 سينتهي الوجود المباشر والتموضع الحربي المستكن للقوات الأميركية في العراق بعد أن كانت تشغل حوالي 505 قواعد داخل العراق منذ عام 2003، وهي تقوم الآن بترقيق قواتها لإتمام كامل انسحابها الذي مرّ بمراحل عديدة منذ عام 2008 أي بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين العراق وأميركا. لقد عكفت القيادات العسكرية الأميركية في هذه الفترة وهي المرحلة الأخيرة من الانسحاب على وضع خططها بسحب قواتها التي سوف تنتهي بنهاية العام الحالي،
ومن المرجح أن القوات الأميركية المنسحبة من العراق ستقوم بإعادة الانتشار في الدول المجاورة للعراق والتحول إلى التموضع العسكري في هذه الدول لتأمين وجودها العسكري الدائمي في المنطقة.
ومع زحام الطرق السريعة بالأرتال العسكرية الأميركية تزدحم معها السجالات والتحليلات المختلفة بشأن الانسحاب وجاهزية القوات العراقية والتهديدات المحتملة ، التي أضفت على المشهد جوا من الضبابية ولكن المهم هنا هو أن القوات الأميركية ستغادر بغض النظر عن بقاء قوات قليلة للتدريب أو لأغراض أخرى، ولكن المهم هو أنها ستكون بمنأى عن أي عمليات عسكرية أو احتكاك مع المواطن، كما كان سابقا، وستقوم القوات الأمنية العراقية بالدور الكامل في حفظ الأمن والاستقرار، وهذه حقيقة لابد منها وعلينا إعداد العدة لها لأنها مرحلة انتقال صعبة وحرجة، وعلى الجميع بمن فيهم القوات الأمنية أن يدركوا مستوى التهديدات المستقبلية المحتملة التي قد يواجهها العراق، وعلينا أن نضع المتطلبات الضرورية للتصدي لهذه التهديدات المحتملة الداخلية منها والخارجية .
بالنسبة للداخلية فهي:
أولاً: إن الجماعات المسلحة بكل أشكالها وأقنعتها ، التي قد تعمل على تغيير المعادلة السياسية والأمنية وتحدث تخلخلا في الموازين، والتي تعتقد أن فراغا سيحدث، وهذا ما يجعلها تخطط لكي تستحوذ أو لتتمدد لملء ذلك الفراغ، خصوصا أن البعض قد صور الانسحاب الأميركي من العراق بأنه سيولد فراغاً كبيرا أو قد تظهر على الساحة العراقية جماعات أخرى تجد مبررا لتنهض بحجة مواجهة مليشيات وجماعات مسلحة هي أصلا موجودة في الساحة .
ثانياً: بقايا النظام السابق سواء كانوا خارج البلد أو داخله أو المنضويين تحت أي عنوان يحاولون استغلال الفرصة لإعادة العجلة للوراء أو قد يحاول البعض من الذين تضرروا من التواجد الأميركي إعادة تجميع قواهم ظناً منهم أن الفرصة القادمة قد تعيدهم إلى ما كان عليه الوضع سابقا قبل التغيير في 2003، وهي عناصر كانت وما زالت تراوح بين العملية السياسية والجماعات الأخرى المناهضة للعملية السياسية .
ثالثاً:إن المرحلة القادمة قد تفضي إلى تحالفات بين مختلف التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة وبقايا البعث المنحل ، التي طالما تم تفكيك الترابط بينها، وأن إعادة تحالفها او التنسيق في ما بينها سيشكل خطرا لا يستهان به على أمن واستقرار البلد. رابعاً: الأمور التي لم تحسم أو التي تم تحميلها من سنوات سابقة قد تعلو الى السطح وقد تسبب مشاكل كبيرة تهدد لحمة العراق الاجتماعية ووحدته الوطنية، وقد تقف عائقا في طريق الحكومة، وهي كثيرا ما كانت تؤثر في الوضع الأمني بالعراق من خلال استغلالها من قبل التنظيمات الإرهابية ، التي هي جزء من إستراتيجياتها (استغلال الخلافات السياسية لتأجيج العنف)
خامسا: وجود الشركات الأمنية وقد تستخدم للقيام بعمليات بالإنابة بالنظر لما تمتلكه من قدرات تسليحية واستخبارية وما لها من ذيول خارجية، فضلا عن أنها تمتلك حصانة بموجب قانون بريمر رقم 17 لعام 2004، كما أن اغلب عناصرها ينتمون إلى جنسيات مختلفة قد يستخدمون لتنفيذ أجندات خارجية، وقد قامت بالسنوات الماضية بعمليات اعتداء على المواطنين وأن جزءا من عملها خارج ثكناتها ومقراتها وهذا قد يؤدي إلى الاحتكاك بالمواطنين. إن المحيطين بالعراق ونعني بهم دول الجوار قد يشكلون تهديدا خارجيا محتملا ،حيث أن البعض منهم لا يرغب في رؤية عراق ديمقراطي، خوفا من التأثير في أوضاعه الداخلية أو لوجود مطامع أو خلافات، بالتالي ستجعل العراق عرضة لتدخلات هذه الدول وأهم هذه التهديدات هي:
أولاً: قيام بعض دول الجوار بدعم هذا الطرف أو ذاك من خلال اللعب بأوراق عديدة مثل الطائفية وقد تدفع الأطراف الموالية لها بالقيام بأدوار بالإنابة .
ثانياً: العمل الدولي والإقليمي وقد تمر المنطقة بحرب إقليمية أخرى والعراق لن يكون بعيدا عن شظاياها. إن تبعات التهديدات الداخلية والخارجية المحتملة على العراق ستكون قاسية على أمنه واستقراره ولا يخفى على أحد أننا سنمر بمرحلة انتقال صعبة وحرجة ومن الضروري أن نضع في حساباتنا متطلبات لمواجهة هذه التهديدات بالعبور لبر الأمان ومن هذه المتطلبات :
أولاً: التخطيط المسبق لاستباق الأحداث ووضع الخطط الأمنية على أن تكون مرنة وقابلة للتطبيق لمواجهة أي طارئ أو تهديد محتمل ومراجعة هذه الخطط بشكل مستمر لجعلها تتلاءم مع تطورات الموقف على الأرض. ثانياً: تفعيل وتحشيد الجهد الاستخباري للحصول على المعلومات، حيث أن الاستخبارات أهم مبدأ من مبادئ مكافحة الإرهاب، والاعتماد على قطعات أو قوات أمنية تتمتع بكفاءة عالية وذات قابلية حركة كبيرة، وإن الإرهاب لا يمكن مواجهته فقط باستخدام قطعات كبيرة تمسك الأرض ومنتشرة على مساحات واسعة، وقد تكون معرضة لهجمات إرهابية . التجربة الاسبانية في الحرب الأهلية تقول إن فرانكو عمد في تلك الحرب إلى نشر 40000 عنصر مهمتهم تزويد قواته المؤلفة من 15000 جندي أو مقاتل بالمعلومات واستطاع القضاء على الثورة في اسبانيا، وهذا يعني انه اعتمد على منظومة استخبارات بأعداد لا تتجاوز الفرقة وحقق النجاح المطلوب .
ثالثاً:دراسة إستراتيجية التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وأخواتها حيث أن غالبا ما كان هذا التنظيم يغير إستراتيجياته وأساليبه في تنفيذ عملياته الإرهابية حتى تتمكن قواتنا لأمنية من وضع الخطط اللازمة للقضاء عن هذا التنظيم من باب (اعرف عدوك).
رابعاً: حصر السلاح بيد الدولة ونزع الأسلحة من جميع الجماعات المسلحة بكافة أشكالها على أن يكون الجميع مقتنعين بذلك، وستكون له ايجابيات كثيرة منها أن قواتنا الأمنية البطلة ستقوم بتحشيد جهدها ضد التنظيمات الإرهابية، وان (مبدأ تحشيد الجهد) هو أهم مبدأ من مبادئ الحرب على الإرهاب، وأن بقاء السلاح بيد الجماعات المسلحة سيؤدي الى تشتيت جهد قواتنا وسيعطي مساحة واسعة للتنظيمات الإرهابية بالتحرك أو قد يكون مبررا لتنظيمات أخرى لتنهض بحجة مواجهة الجماعات المسلحة، حيث أن السلاح ينبغي أن يكون حصرا بيد الدولة(القوات الأمنية) لانتفاء الحاجة من وجوده بيد الجماعات المسلحة لانسحاب القوات الأميركية.
خامساً:التحرك خارجيا ضمن إطار دول الجوار لعقد اتفاقات أمنية وتعاون مشترك لسد الثغرات ومواجهة التهديدات الخارجية وإلزام الجميع بهذه الاتفاقيات وعدم التدخلات الخارجية، وهذا سيعطي شيئا من الاهتمام لتجاوز مخاوف التهديدات الخارجية .سادساً: وضع ضوابط وقوانين لعمل الشركات الأمنية وإخضاعها لإجراءات القضاء العراقي وتحديد واجباتها .
سابعاً. القيام بالتخطيط والعمل من قبل جميع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني وإشراك متخصصين في جميع المجالات لإزالة تأثيرات الحروب ، التي عانى منها المجتمع العراقي وكما فعلت دول أوروبا وآسيا عندما وضعت خططاً لإعادة بناء الجانب التربوي للإنسان، وقد أعطت هذه العملية نتائج باهرة ساهمت في بناء وتطور المجتمعات والدول مثل اليابان وكوريا وألمانيا وفرنسا.كما أن جميع الكتل السياسية مدعوة هي الأخرى لتجاوز خلافاتها وإيجاد الحلول لجميع القضايا التي لم يتم حسمها، وأن تضع(وحدة هدف) وهو استقرار وتطور العراق في الوقت الذي يمتلك فيه كل المؤهلات بأن يكون بلدا يحتذى به من قبل الدول الإقليمية على أقل تقدير