“للأسف لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات، لأننا لم ننتخبهم أصلا”
نعوم تشومسكي
منذ انطلاقة الشباب في انتفاضتهم الرائعة تشرين الاول/ اكتوبر 2019 من ساحة التحرير وانتقلت شرارتها الى ساحات مدن العراق كافة ، ضد الفساد والمحاصصة واحزابها السياسية الدينية المقيتة، حيث استطاعوا ان يسقطوا حكومة عادل عبدالمهدي، واملهم في استقبال حكومة نزيهة تلبي مطالبهم في العيش بحرية والقضاء على الفساد والتمتع بخيرات بلدهم ، ولكن بدلا من تاليف حكومة تخدم الشعب، اتت الاحزاب السياسية الدينية بحكومة اسوأ من الحكومات السابقة بالرغم من تعهد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بتحقيق العدالة للنشطاء الذين قتلوا او تعرضوا لتهديد من الجماعات المسلحة المدعومة من ايران ولكن حكومته غضت النظر عن الفساد وعن عمليات الاغتيالات و الاختطاف بحق النشطاء والصحفيين والاعلاميين الذين يطالبون بعراق جديد بعيدا عن الفساد والمحاصصة وحصر السلاح بيد الدولة.
ومنذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، شهد العراق اغتيال العشرات من النشطاء السياسيين والمتظاهرين وتعهد بالكشف عن القتلة والمتورطين عن طريق تشكيل لجان تحقيقية حيث بلغ عددها اكثر من 35 لجنة تحقيقية تعمل “بشفافية” لمواجهة التحديات التي منها السعي لتحديد المسؤولين عن مقتل المتظاهرين وبدلا عن الكشف عن هؤلاء القتلة اصبحت تلك اللجان تسوف القضية لصالح الاحزاب السياسية الدينية المهمينة على الساحة العراقية بكل مفاصلها ولم تكشف اللجان عن اي ملاحقة “قضائية ” حتى الان ، ومازال مصطفى الكاظمي يصرح بين حين واخر بانه سوف يكشف عن الحقيقة منذ اغتيال الصحفي والباحث والنشاط السياسي هاشم الهاشمي.
وبالامس خرج المتظاهرون في 25 تشرين الاول / اكتوبر2021 في ساحتي النسور والتحرير، وكذلك في محافظات أخرى من البلاد. وهم يحملون صور الذين اغتالوا في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، ومطالبين بالكشف عن القتلة،و تنادي بمحاسبة المسؤولين عن الاغتيالات ولكن حكومة مصطفى الكاظمي كانت لهم بالمرصاد وكان التضيق ظاهرا على الاعلاميين وتهديدات غيرمباشرة من مسؤولين امنيين في العاصمة بغداد ومحافظة ذي قار لمنعهم بتغطية الاحتجاجات ومحاولة منع تمدد موجة التظاهرات الى مدن العراق الاخرى وكلنا نعلم في الفترة الاخيرة بهجرة عشرات الناشطيين والاعلاميين الى مدن اقليم كردستان العراق وبعضهم غادر العراق!
قبل التظاهرة الاخيرة غرد مصطفى الكاظمي قائلا: “دعمنا حرية التظاهر السلمي في العراق، وأصدرنا أوامر مشددة بحماية التظاهرات وضبط النفس ومنع استخدام الرصاص الحي لأي سبب كان..”.ولكن اجهزته الامنية تحولت الى اجهزة قمعية واستقبلت المتظاهرين بالرصاص الحي وقنابل مسيلة للدموع لتفريق هؤلاء الذين يطالبون بالكشف عن العصابات التي تخطف وتقتل النشطاء و الافراج عن ناشطين تزج بهم السلطات الامنية في معتقلات لا تقل بؤسا عن معتقلات العهد الدكتاتوري البائد! وهنا ظهر احد اوجه الكاظمي الحقيقية التي يظهرها بين حين واخر في الكذب والنفاق والخداع وتنصله من وعود بوقف الاعتقالات وملاحقة مليشيات الاحزاب السياسية الدينية التي تشارك بالعملية السياسية والكشف عن القتلة والتي تشير اليها اصابع الاتهام ، وسكوت مصطفى الكاظمي هو ارضاء لتلك المليشيات وقادتها، وهو يعلم جيدا بان تلك المليشيات هي التي تصفي النشطاء بين حين واخر ومنهم هاشم الهاشمي الذي صرح في حينها الناطق الرسمي لرئيس الوزراء “أن قوات الأمن تعرفت على قتلة الهاشمي من خلال ضبط دراجتين ناريتين في منطقة بالعاصمة بغداد، مشيراً إلى التعرف على اثنين من الأشخاص كانا يستقلانهما في عملية الاغتيال” ومازل الشارع العراقي ينتظر عن نتائح هذا التصريح!!
كان شعار التظاهرات الاخيرة الذي ردده المتظاهرين في العاصمة بغداد او كربلاء او الناصرية وباقي المدن الاخرى وهم يرفعون صور صحفين ونشطاء اغتالتهم ايادي عناصر المليشيات هو “من قتلني” اشارة الى اغتيال النشطاء في الحراك الشعبي منذ 25 تشرين الاول 2019 والذي بلغ عددهم اكثر من 800 شهيدا وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم يستطيع “قضاة” السلطة او لجان مصطفى الكاظمي او اعضاء حكومته الكشف عن الجهات المتورطة في هذه الاغتيالات وفي الحقيقة ان كل اللجان التحقيقية لم تعلن عن هوية الجناة خوفا على مناصبهم ومصيرهم !! واولهم مصطفى الكاظمي وزمرته من الوزراء !!
“من قتلني” سؤال طرحه المتظاهرون للرئاسات الثلاثة من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوصي واعضائه وحكومة مصطفى الكاظمي واعضاء وزارته، ولا يختلف اثنان بان هؤلاء جميعا يعلمون جيدا من الذي يقتل ومن الذي يخطف ومن الذي يسرق ومن الذي يحمل السلاح المنفلت ومن هي الجهات التي يرتبط بها القتلة! ولكن هؤلاء جميعا وضعوا عصبة على اعينهم واغلقوا اذانهم واقفلوا شفاهمم ورفعوا شعارا موحدا” الصمت.. الصمت .. الصمت..” لكي يستمروا هؤلاء القتلة بافعالهم الشنيعة وهذا هو صمام الامان لكي تبقى الرئاسات الثلاثة ومن يقبع في سلاتهم في مناصبهم وعلى استمرار فسادهم لانهم جزء لا يتجزأ من الفساد الذي دخل الى مفاصل حياة العراقي منذ 2003 والى الان ! نعم هؤلاء جميعا مشتركين بالفساد، ولا يستثى احد منهم .
اذا كان احد من هؤلاء ان يستثى حاله من هذا الفساد فاولهم رئيس الجمهورية و يعلن استقالته ويغادر الى مسكنه ويسجل له موقف ايجابي في سجله السياسي، وكذلك اي عضو من اعضاء البرلمان العراقي بدا من محمد الحلبوصي ونوابه، وكذلك مصطفى الكاظمي وكافة اعضاء مجلس وزارته، على كل واحد من هؤلاء عليه اعلان استقالته ليستثنى من هذه الجرائم وخلاف ذلك يعتبر كل واحد منهم عنصرا ضليعا في عمليات القتل والخطف والفساد، واذا يعتقد احد من هؤلاء بانه يفلت من عقاب الشباب الثائر فهو خاطئ لان اصرار الشباب على تغير الواقع لن يثنيهم رصاص المليشيات الدينية ، لان انتفاضة تشرين لم تخمد ولن تقف ولابد ان تنتصر.