أن تفشل حكومة دولة عربية ما في وقت قفزات الأسعار وتردي مستوى عيشة المواطن، وتوفير فرص عمل الملايين الشباب العاطلين، والحد من الفقر، فالفشل هنا كما جاء في رأي أحد المختصين في الشأن الاقتصادي نشره موقع «العربي الجديد» مبرر من وجهة نظرها وهو التداعيات الخطيرة لتفشّي داء كورونا على الاقتصاد، والذي عطّل الأنشطة المختلفة وأثّر سلبًا على إيرادات الدولة وألحق خسائر فادحة بالمواد العامة.
وجاء أيضًا أن تتوسع حكومة ما في الاقتراض الخارجي بغض النظر عن نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي أو القدرة على السداد، فالحجة جاهزة وهي أن كورونا أثّر على موارد النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات حيوية مثل السياحة وتحويلات العاملين في الخارج والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبالتالي لا مفر من الاقتراض وبمبالغ ضخمة حتى لا تنهار الدولة اقتصاديًا وماليًا، ومعها ينهار الاحتياطي الأجنبي.
وفي ظل تفشّي فيروس كورونا – لا تكتفي – على حد وجهة نظره، الحكومات بقرارات من عينة وقف التعيينات الجديدة في الجهاز الإداري بالدولة وشركات القطاع الحكومي، وتجميد الرواتب، بل تقترف جريمة أكبر وهي خفض رواتب موظفي الحكومة والتي تكفي بالكاد لتغطية احتياجاتهم المعيشية، وتأجيل زيادة الرواتب التي وعدت بها بعض الحكومات، إضافة إلى وقف المخصصات المالية للموظفين وإرجاء الدعم للمواد الأساسية.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه بعض الحكومات عن ضرورة الحفاظ على الصحة العامة للعمال، نجدها في القابل تغضّ الطرف عن ممارسات شركات القطاع الخاص من وقف الرواتب أو خفضها أو الاستغناء عن العمالة أو تشغيلها تحت ظروف صحية غير آدمية وانتهاك حقوق العمال وعدم توفير الحماية لهم.
كما استغلّت بعض الحكومات العربية انشغال المواطن بمتابعة كارثة كورونا في تمرير زيادات كبيرة في الضرائب والرسوم في موازنات العام الجاري والعام القادم.
بل وصل الأمر ببعض الحكومات إلى حدّ ابتزاز مشاعر المواطن عبر تسريب معلومات مفادها أنها لا تملك رواتب للموظفين عن الشهور المقبلة، وإن الوضع الاقتصادي للدولة أخطر مما يتخيّله البعض، وإن الخزينة العامة باتت فارغة خاصة مع تهاوي أسعار النفط.
هذه الممارسات التي تُقدم عليها بعض الحكومات العربية تتم كلها تحت شماعة كورونا، من دون أن تبذل هذه الحكومات جزءًا ولو قليلاً من وقتها للبحث عن بدائل أخرى لمعالجة الوضع الاقتصادي المتأزم بسبب الفيروس من دون اللجوء إلى جيب المواطن أو التوسع في الاقتراض الخارجي.
ومن بين هذه البدائل المطروحة وقف الفساد ومكافحته بقوة وترشيد الإنفاق العام، خاصة الحكومي، ومكافحة الجريمة المالية بكل أنواعها من تهرّب ضريبي وجمركي ورش وغسيل الأموال، وتقليص الإنفاق العسكري وتجميد العمل في المشروعات الكبرى خاصة تلك التي لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد وتستنزف أموالاً ضخمة من الموازنة العامة.
ببساطة بات وباء كورونا هو الشماعة الجاهزة التي تعلق بعض الحكومات عليها فشلها في إدارة المشهد الاقتصادي، وعبرها تتهرّب من تحمل المسؤولية عن تردي هذا المشهد.
هذه الشماعة ليست في صالح الحكومات، فالاستسهال في معالجة تبعات كورونا الاقتصادية والصحية يمكن أن يقود إلى حدوث انفجار اجتماعي.
وتتمثل أحد الآثار الخطيرة لكورونا عندما تصبح شماعة لمصادرة حقوق الإنسان، فالعالم العربي كما تشير الوقائع والتقارير في صلب الأزمة، أي إن تدهور الأوضاع الحقوقية يتزايد في ظل لا صوت يعلو على صوت مواجهة فيروس كورونا!
ومن المهم – وفق بعض الدراسات – أن تصدر تقارير حقوقية توثق الانتهاكات التي ارتكبت خلال مواجهة جائحة كورونا، والأمر لا يتوقف عند إسكات أصوات معارضة، وإنما تمتد الخطورة حين لا يجد الفقراء والمهمشون، والفئات الأكثر عرضة للخطر الرعاية الصحية التي تحميهم من الفيروس، ولا يجد هؤلاء من يستمع لمعاناتهم المعيشية اليومية.
ثمة دراسة أعدها المركز الوطني للتوثيق والبحوث في لندن، وجدت أن الأقليات ذات العرق الأسود، والأقليات الآسيوية هم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، مشيرة إلى أنهم لا يمثلون سوى 13 % من سكان المملكة المتحدة مرجعة ذلك لأنهم الأكثر فقرًا في المجتمع، هذا ما ذكره موقع «الحرة» منظمات حقوقية دولية، وفي رسالة لهم للمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، طالبوا بإدراج تدابير الشفافية، ومكافحة الفساد في برامج الإغاثة الطارئة لمكافحة كورونا، لضمان إن مليارات الدولارات التي تصرف بعشرات الدول تساعد الفئات الأكثر ضعفًا.
ديليا فيريرا رئيسة منظمة الشفافية قالت إن «حجم الأزمة يزيد عن إمكانية، ومخاطر سرقة الأموال العامة التي ينبغي استخدامها لإنقاذ الأرواح وإعادة سبل العيش».
وفي بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ميشيل باشيليت يقول عن الواقع الصعب أو بالأحرى عن مأساة كورونا التي تعيشها المجتمعات: «لم يُلقِ 2020 بظلاله الوخيمة على جميع المناطق وجميع البلدان، بل أيضًا المجموعة الكاملة لحقوق الإنسان التي تتمتع بها سوء كانت اقتصادية أو اجتماعية أم ثقافية ومدنية وسياسية، فاستغل كوفيد 19 انقسامات مجتمعاتنا وهشاشتها وفضح فشلنا في الاستثمار ببناء مجتمعات عادلة ومنصفة. باشيليت تتحدث عن منظومة الخراب التي أظهرتها جائحة كورونا حين تعلق أن اللقاحات الطبية ستنقذ الناس من الموت، ولكنها لن تمنع الخراب الاجتماعي والاقتصادي، وكذلك فإن العالم لا يملك لقاح ضد الجوع والفقر وعدم المساواة.