أما الاندماج كقرار، فليس كالاندماج كأفق، من منطلق، أن الاندماج كأفق، يخضع لخطوات محددة، ومضبوطة، تهدف إلى العمل على إنضاج شروط محددة، تؤدي إلى اندماج سليم، بينما نجد: أن الاندماج كقرار، يتخذ بعيدا عن إرادة القواعد المعنية بالاندماج، ودون اللجوء إلى اشتراط شروط معينة، تقتضي اتباع خطوات معينة، تؤدي إلى إنضاج الشروط؛ لأن الاندماج كقرار، لا يحتاج إلى كل ذلك، بقدر ما يحتاج إلى التنفيذ، والتنفيذ، يقتضي العمل على اندماج الجمعيات، في جمعية واحدة، أو اندماج النقابات، في نقابة واحدة، أو اندماج الأحزاب اليمينية، أو الوسطية، أو اليسارية، في حزب واحد: يميني، أو وسطي، أو يساري، دون مراعاة لردود أفعال القواعد، كيفما كانت، وأي مسار اتخذت، حتى وإن أدى الأمر إلى انسحاب القواعد إلى حال سبيلهم، أو لجوئهم إلى تنظيم إطار جديد: جمعوي، أو نقابي، أو حزبي.
وبالتالي، فإن الغاية من الاندماج، الذي هو المحافظة على العلاقة بقواعد التنظيم الجمعوي، أو النقابي، أو السياسي (الحزبي)؛ لأن تلك المحافظة، تعتبر أساسية، حتى تتحقق هوية التنظيم من جهة، وعلى علاقة التنظيم بالقواعد من جهة أخرى.
والمحافظة على هوية التنظيم، وعلى علاقته بالقواعد، يقتضي عدم تفكير الإطارات الساعية إلى الاندماج، في الاندماج كقرار، بقدر ما تعتمد الاندماج كأفق، حتى يتم الإعداد، والاستعداد له، على جميع المستويات، وخاصة منها: المستوى الأيديولوجي، والمستوى التنظيمي، والمستوى السياسي، بالنسبة للأحزاب السياسية اليمينية، أو الوسطية، أو اليسارية. أما الجمعيات، أو النقابات، فلا تحتاج إلى ذلك.
وبالإضافة إلى ما ذكرنا، فإن الاندماج، كقرار، يترتب عنه تحويل مجموعة من التنظيمات الصغيرة، إلى تنظيم صغير، بعد انفراط عقد كل تنظيم على حدة، لعدم اقتناعهم بقرار الاندماج، بعيدا عن العمل على إنضاج الشروط.
فإنضاج الشروط، يقتضي من الإطارات الراغبة في الاندماج، أن تعمل على إنضاج الشروط المناسبة للعمل الجمعوي، والشروط المناسبة للعمل النقابي، والشروط المناسبة للعمل الحزبي، أينما كان، وكيفما كان، ومن أجل أن يتم الاندماج على أسس سليمة، في افق إنتاج فعل جمعوي، أو فعل نقابي، أو فعل حزبي جارف، يعمل على تحقيق الأهداف الجمعوية، والأهداف النقابية، والأهداف الحزبية المناسبة، وصولا إلى تحقيق طموحات الجماهير الشعبية، بصفة عامة، والجماهير الشعبية الكادحة، بصفة خاصة.
وفيما يتعلق بإنضاج شروط الاندماج بين الجمعيات، فإن العمل يقتضي إنضاج شروط التأسيس، التي يسعى العاملون على الاندماج بين الجمعيات، إلى وجود أرضية تحمل فهما صحيحا، وسليما، للعمل الجمعوي، والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، والفئات المستهدفة بالعمل الجمعوي، والأسس التي يقوم عليها، حتى يصير إطارا لاندماج مستوعب لكل الجمعيات المندمجة، ولمنخرطيها، وللمتفاعلين معها، وللفئات المستهدفة بالعمل الجمعوي، سعيا إلى إيجاد جمعية كبيرة، تستطيع الوصول إلى تحقيق الأهداف، التي يسعى إلى تحقيقها العمل الجمعوي، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.
وعندما يتعلق الأمر باندماج النقابات، في إطار تنظيم نقابي واحد، وقوي، فإن على النقابات أن تعمل على إنضاج شروط الاندماج، المتمثلة في إيجاد تصور مشترك، للنقابة المندمجة، وللعمل النقابي المندمج، وللمبادئ التي يقوم على أساسها الاندماج النقابي، وللبرنامج النقابي، وللأهداف النقابية، حتى تعمل على إيجاد نقابة تستطيع إنتاج عمل نقابي مبدئي هادف، تسعى إلى تنظيم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلا إذا كان محكوما بالمبدئية، وبالمبادئ، وبالسعي المستمر إلى تحقيق الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة.
والعمل النقابي، كالعمل الجمعوي، يهدف إلى الاندماج، بناء على الأدبيات التي يعتمدها العمل الجمعوي، والعمل النقابي، من أجل العمل على تجنب تسييس المنظمات الجماهيرية: الجمعوية، والنقابية، التي تقتضي الحرص على تجنب حلولها محل الأحزاب السياسية، حتى لا يختلط الأمر على الجماهير الشعبية الكادحة.
أما العمل الحزبي، فإن الاندماج بين الأحزاب، يقتضي العمل على إنضاج شروط مختلفة عن شروط اندماج الجمعيات في إطار جمعية واحدة، وعن شروط اندماج النقابات في إطار نقابة واحدة؛ لأن العمل الحزبي، يقوم على أسس مختلفة عن الأسس التي يقوم عليها العمل الجمعوي، وعن الأسس التي يقوم عليها العمل النقابي.
وإذا كانت أسس إيجاد الأحزاب السياسية مختلفة، فإن الشروط التي يجب العمل على إنضاجها، تكون مختلفة، كذلك.
وأهم الشروط التي تقتضي العمل على إنضاجها، في أفق إيجاد حزب، تندمج في إطاره الأحزاب الساعية إلى الاندماج، في إطار حزب واحد، لإزالة التعدد المضر بالعمل الحزبي، الذي يقتضي العمل على:
1) إنضاج الشرط الأيديولوجي، بناء على الحرص على اندماج الأيديولوجية اليمينية المشتركة، إذا كانت الأحزاب الراغبة في الاندماج يمينية، أو على إنضاج الأيديولوجية الوسطية، إذا كانت الأحزاب الراغبة في الاندماج وسطية، أو على إنضاج الأيديولوجية اليسارية المشتركة، إذا كانت الأحزاب الراغبة في الاندماج يسارية.
فاليمين، لا يمكن أن يتبنى إلا أيديولوجية الاستغلال المادي، والمعنوي، والوسط لا يعمل إلا على إيجاد أيديولوجية، تمكنه من تحقيق التطلعات الطبقية، واليسار، لا يمكن لأحزابه أن تعمل إلا على إنضاج الشرط الأيديولوجي، المؤدي إلى الاستجابة لطموحات العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
2) إنضاج الشرط التنظيمي، الذي يقتضي من الجمعيات، ومن النقابات، ومن الأحزاب السياسية، إيجاد تصور تنظيمي، تنسجم مع واقع، ومع طبيعة الأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات.
فإنضاج التصور التنظيمي، يعتبر مسألة أساسية، بالنسبة للجمعيات الراغبة في الاندماج، في جمعية واحدة، وبالنسبة للنقابات الراغبة في الاندماج، في نقابة واحدة، وبالنسبة للأحزاب الراغبة في الاندماج، في حزب واحد؛ لأنه بدون وجود تصور تنظيمي للاندماج، يصعب على الإطارات الراغبة في الاندماج، تحقيق الإنضاج المرغوب فيه.
ويعتبر التقارب في الفكر، وفي الممارسة، العمل على إيجاد تصور مطلوب، بسهولة، نظرا للتقارب القائم على مستوى الفكر، وعلى مستوى الممارسة، مما يجعل الاندماج في المتناول، ومما يجعل، كذلك، العمل على تكريم الإنسان الجمعوي، أو النقابي، أو الحزبي بالاندماج، مسألة سهلة، على جميع المستويات.
وبناء على ما رأينا، فإن إيجاد تصور جمعوي، لاندماج الجمعيات الراغبة في الاندماج، يقتضي دراسة التصورات التنظيمية، القائمة في بنيات الجمعيات الراغبة في الاندماج، من أجل الخروج بتصور تنظيمي مستخلص، من مختلف التصورات، وموحد لها، حتى يتأتى العمل على الاندماج، في إطار جمعية واحدة، ليزول التعدد القائم، المبالغ فيه.
كما أن دراسة مختلف التصورات القائمة في مختلف النقابات، يقتضي من النقابات الراغبة في الاندماج، في نقابة واحدة، من خلال تصور يستجيب لرغبة جميع النقابيين، مهما كان مستواهم التنظيمي، من أجل العمل على الاندماج في نقابة واحدة، حتى يتأتى التخلص من التعدد النقابي، الذي يمزق المستهدفين بالانخراط في التنظيم النقابي، وفي النضالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية المختلفة؛ لأن وجود تنظيم نقابي واحد، يساعد على قيام المستهدفين بمختلف التنظيمات النقابية بدورهم.
كما أن الأحزاب الراغبة في الاندماج، في حزب واحد، يعبر عن مصالح الطبقة المستهدفة بنضالاته، إن صح التعبير، يجب أن ينصب على دراسة التصور التنظيمي لكل حزب، والعمل على إيجاد تصور تنظيمي، يرضي المنتمين إلى جميع الأحزاب الراغبة في الاندماج.
وللوصول إلى تصور تنظيمي حزبي، يرضي الأطراف الراغبة في الاندماج، ولا يواجه بأي اعتراض من القواعد، نظرا للاختلاف الثانوي القائم بين الأحزاب الراغبة في الاندماج، على أن يبنى ذلك التصور، بطريقة ديمقراطية، يطمئن لها الجميع، على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، سعيا إلى تجاوز كل الاختلافات، وتذويب كل الخلافات، وصولا إلى إيجاد تصور تنظيمي، ينسجم مع طموحات المستهدفين باندماج أحزاب يمينية، أو أحزاب وسطية، أو أحزاب يسارية، وسعيا إلى تحقيق الأهداف اليمينية، أو الأهداف الوسطية، أو الأهداف اليسارية، من أجل الحد من التعدد الحزبي، الذي يسعى إلى تحقيق نفس الأهداف اليمينية، أو اليسارية، أو الوسطية.
3) إنضاج الشروط السياسية، التي تختلف من العمل الجمعوي، إلى العمل النقابي، إلى العمل الحزبي.
فالعمل السياسي الجمعوي، ليس كالعمل السياسي النقابي، وليس كالعمل السياسي الحزبي. ففي الجمعيات النشيطة، نجد ربط النضال الجمعوي بالنضال السياسي، وفي النقابان النشيطة، هناك العمل على ربط النضال النقابي بالنضال السياسي، أما في العمل الحزبي، فإن النضال لا يكون إلا سياسيا. إلا أن هذا النضال قد تنتجه أحزاب يمينية، أو أحزاب وسطية، أو أحزاب يسارية، ليصير إما في خدمة اليمين، وإما في خدمة الطبقات الوسطى، وإما في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وكيفما كان الأمر، فإن ربط النضال الجمعوي، بالنضال السياسي، يقتضي تطوير المطالب الجمعوية، حتى تتحول من مطالب جمعوية خالية من البعد السياسي، إلى مطالب جمعوية بالأبعاد السياسية المختلفة، التي تقتضي مساهمة الجمعيات المختلفة، في تطوير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. وهو ما يترتب عنه إيجابية العمل الجمعوي الثقافي، والعمل الجمعوي التنويري، والعمل الجمعوي التربوي، والعمل الجمعوي التنموي، والعمل الجمعوي الحقوقي، من منطلق أن الأهداف التي تسعى كل جمعية إلى تحقيقها، ذات بعد سياسي، وصولا إلى أن تسييس، وليس تحزيب العمل الجمعوي، يساهم بشكل كبير، في تطور وتطوير الواقع، وبكل أبعاد التطور، وفي مختلف التجليات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
وبالنسبة للعمل السياسي النقابي، فإن تجريد العمل النقابي من البعد السياسي، معناه الحكم عليه بالموت، فالمطالب النقابية، والبرنامج النقابي، والأهداف النقابية، لا بد لها، جميعا، من الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي، وليس الحزبي؛ لأن العديد من المغاربة، يعتبرون أن ربط النضال النقابي، بالنضال السياسي، هو ربط بالعمل الحزبي، وهو عمل تحريفي بالدرجة الأولى؛ لأن المراد بالسياسة هنا، هو جعل المطالب النقابية، والبرنامج النقابي، والأهداف النقابية، فاعلة في السياسة العامة للبلاد، مما يجعلها تتطور في تفاعلها، مع المطالب النقابية، ومع البرنامج النقابي، ومع الأهداف النقابية، في أفق جعل السياسة العامة للبلاد، تستجيب لمطالب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، التي تطرحها النقابة، مما يؤدي إلى جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يدركون أهمية الإطارات النقابية، وأهمية المطالب التي تطرحها النقابات، وأهمية العمل على تحقيق الأهداف النقابية، وأهمية الانخراط في النقابات، وفي النضال النقابي، وأهمية ربط النضال النقابي، بالنضال السياسي، بمعناه العام، وليس بمعناه الحزبي.
فالنقابات التي تحرص على الإخلاص للنقابيين، وللمستهدفين بالعمل النقابي، ولربط العمل النقابي المبدئي، والمبادئي، بالعمل السياسي، هي نقابات تتصف بالوفاء للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
والتعبير عن الإخلاص في العمل النقابي، لا يتأتى إلا بالإصرار على تحقيق المطالب النقابية، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، من أجل بناء مجتمع، يتمتع فيه العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بحقوقهم الإنسانية من جهة، وبحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارهم محركين لعملية الإنتاج المادي، والمعنوي، كعمال، وكأجراء، وككادحين.