بقلم الصحفي الإيراني فرشاد قربان پور
المصدر: موقع ايران امروز
ترجمة عادل حبه
انتهت اللعبة وأصبح جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة. لفترة طويلة، حذر بعض المؤيدين لترامب من صعود دعاة العولمة بقيادة جو بايدن. لكن لم يكن هناك أبداً نقاش حول ماهية هذه التحذيرات ولماذا يتم إطلاقها. ولماذا كل هذا الخوف من العولمة؟ ومن هم بالضبط أنصارالعولمة؟
مذهب العولمة
تستند مذهب العولمة (Globalizm) أو الدعوة إلى العولمة على فكرة التدويل أو العولمة (Globalization). لكن الجدل الذي أعقب الحرب الباردة منذ البداية تركز أكثر على اعتبارات ثقافية واقتصادية.
ومع التغيير الذي طرأ على “الجات” ونحوله إلى منظمة التجارة العالمية(WTO)، وهي العملية التي أعقبت اختراع الإنترنت ووسائل الإعلام الرقمية ، عادت من جديد وبقوة نظرية قرية “ماك لوهان” العالمية.
وهذا يعني أن العالم القائم على الرقمنة تشابك وأصبح عارياً عبر سلسلة من المعاهدات والمنظومات، ومن ضمنها هيئة الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومعاهدات باليرمو للشفافية المالية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وما إلى ذلك.
وعلى هذا الأساس، ولدت العولمة على التي قامت على نمط الثقافة الأمريكية. وظهرت مظاهره في التجارة على النمط الأمريكي، والتكنولوجيا على الطراز الأمريكي ، والطعام على الطريقة الأمريكية، والملابس على الطراز الأمريكي، وما إلى ذلك، وأصبحت هوليوود المروجة الرئيسية لهذه العملية.
إذن ما ظهر من العولمة أو التدويل هو توسع ثقافي ضمن الأطر الأمريكية الذي إنتشر في سائر أنحاء العالم.
في الواقع ، كانت العولمة ساحة للعمل الثقافي والاقتصادي الذي إتخذ شكلاً أمريكياً، وكان هذا الجانب من العولمة هو الذي أثار المخاوف في بلدان العالم الثالث.
لنلقي نظرة، على سبيل المثال، على منظمة الأمم المتحدة، على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت لها اليد العليا في هذه المنظمة، ولكن كان عليها أن تتقاسم هذه السلطة مع القوى العظمى الأربع الأخرى، وخاصة الصين وروسيا.
ولادة الإنترنت
لكن العولمة (التدويل)، التي تسارعت مع ولادة الإنترنت، سعت إلى نشر ثقافة إمبريالية النزعة التي تعتبر صورة للثقافة الأمريكية حول العالم.
في البداية، ومن أجل عدم إثارة الرعب عند الأمم الصغيرة والسكان الضعفاء في العالم في مواجهة هذه الموجة من العولمة، تم دعوتهم للترحيب بها، وتظاهر المحللون بأن العولمة، إذ تخلق ثقافة عالمية مهيمنة، فإنها تسعى أيضاً إلى تعزيز ثقافات الدول الصغيرة والفرعية. وقيل إن العولمة تهدف إلى إحياء ثقافات السكان الأصليين.
ولكن النتيجة، مع ذلك، لم تسير على هذا المنوال، حيث تختفي الآن العديد من الثقافات الفرعية، وتهيمن الثقافة الأمريكية اليوم في السينما هوليوود، وأصبحت اللغة الإنجليزية اليد العليا في العالم. وإستمراراًهلذه الحالة، فإن المال أصبح يعني الدولار، والمدينة تعني نيويورك، والانتخابات تعني الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خاصة إذا كان التنافس يجري بين ترامب وبايدن.
حدث غير متوقع
لكن خلال عملية العولمة في الاقتصاد والتكنولوجيا، حدث شيء لم يأخذه أحد على محمل الجد منذ البداية، أو على الأقل لم يتوقعه.
وبعبارة أخرى، ظهر عدد من القوى الناشئة في هذا الاتجاه، والتي تعد الصين المثال الأكثر وضوحاً لها، ويمكن ذكر دول أخرى مثل كوريا الجنوبية والهند وبنغلاديش وإندونيسيا وفيتنام وغيرها.
وبالتالي فإن عملية عالم أحادي القطب بعد الحرب الباردة تحت قيادة الولايات المتحدة وقوة الناتو العسكرية تم تقويضها تدريجياً. وظهرت المناطق التي لم يكن من المتوقع أن يشكل فيها نموها الاقتصادي مشكلة للولايات المتحدة.
وعلى مدار عقد من الزمان، تحولت الصين إلى قوة إقتصادية عالمية باستخدام نفس أطر العولمة، متجاوزة اليابان وألمانيا وتتفوق الآن على الولايات المتحدة.
هروب رأس المال العولمة
في هذه العملية ، فقد “رأس المال” الأمريكي بعضاً من مركزيته وانتشر في جميع أنحاء العالم. وهذا يعني أن الولايات المتحدة لم تعد الخزانة الكبيرة الوحيدة في العالم ، ولكنها أيضاً هناك سلسلة من الخزائن الصغيرة.
إن ما يجري الحديث عن مذهب العولمة والعولمة (التدويل) في وسائل الإعلام الآن، في إشارة إلى بايدن وأنصاره، يختلف قليلاً عن المفهوم السابق للعولمة. ولم يعد معارضو “العولمة” على الأقل يذكرون معناها الثقافي ، بل إن معارضتهم إتخذت طابع رأسمالي وعسكري. ولدى معارضي العولمة في الولايات المتحدة اليوم مؤيدون بين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
ماذا يعلن معارضو العولمة وأتباع الترامبية اليوم وما هي خصائصهم:
1. يجب تقوية القومية الأمريكية الضعيفة.
2. الصين ليست مصنع العالم، ويجب أولاً إنشاء المصانع داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك ديترويت.
3. يجب تجميع العلامات التجارية الأمريكية، بما في ذلك Apple ، في الولايات المتحدة.
4. يجب على الشركات الأمريكية مغادرة الصين.
5. يجب القضاء على البطالة في الولايات المتحدة أولاً.
6. يجب مواجهة الصين والسيطرة عليها. ولا ينبغي أن تكون الصين القوة الأولى في العالم، لأنها ستلتهم العالم كله.
7. يجب السيطرة إلى حد كبير على القوى الناشئة مثل فيتنام وإندونيسيا وبنغلاديش وما إلى ذلك لمنع ظهور صين أخرى.
8. يجب الوقوف بوجه أية طريقة لإنشاء صندوق صغير آخر لرأس المال في العالم. ويجب أن تكون الولايات المتحدة العاصمة الوحيدة للعالم، ويجب إعادة تجميع كل العواصم الفرعية في الولايات المتحدة، وبعبارة أخرى، يجب تفكيك الخزائن الصغيرة للرأسمالية العالمية.
9. أمريكا هي القوة العظمى في العالم في الاقتصاد والرأسمال والجيش والثقافة.
10. الديمقراطية تعني الديمقراطية الأمريكية.
11. الثقافة تعني الثقافة الأمريكية وإظهارها من خلال هوليوود.
12. المال يعني الدولارات.
13. الأمريكيون هم العرق المتفوق، لذا يجب أن تخضع الهجرة لسياسات هجرة صارمة.
14. الحروب الأمريكية حروب تحرير، لذلك على الآخرين أن يدفعوا ثمنها. وعلى الدول العربية، على سبيل المثال، أن تدفع ثمن الأمن الذي توفره الولايات المتحدة لها.
15. يجب أن تكون الولايات المتحدة إطاراً عالمياً ومعياراً في جميع المجالات، بما في ذلك القانون التجاري والقانون النقدي والمالي وما إلى ذلك.
16. تنقسم الدول إلى فئتين: معنا أو ضدنا.
17. أمريكا تحكم العالم ، وعلى أوروبا أن تتبع أمريكا. ويجب العمل على إضعاف الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات الأخرى.
18. يجب على الولايات المتحدة قطع جميع مساعداتها المجانية للدول الأخرى، بما في ذلك إسرائيل.
19. يجب أن تكون الولايات المتحدة هي المهيمن الوحيد والمسيطر الوحيد في العالم، لذا فإن الجيش الأمريكي هو مدافع عن الحرية ومدافع عن الديمقراطية في العالم.
20. يجب على الولايات المتحدة مغادرة الإتفاقية النووية مع إيران.
الترامبية
هذه هي الخصائص الرئيسية والأنماط الذهنية لأولئك الذين يفكرون في القومية الأمريكية وحتى العولمة في على النمط الأمريكي. ويعد دونالد ترامب رمز وأيقونة هذا النمط من التفكير. بعبارة أخرى، يعتبر ترامب ممثل الرأسمالية المالية الأمريكية.
وعلى هذا، يجب اعتبار الترامبية فكرة قائمة على القومية والرأسمالية والعنصرية الأمريكية بنسبة 100٪. لذا لا ينبغي أن نعتقد أن مثل هذا الشيء يجري تداوله فقط بين الجمهوريين. إذ يؤمن الكثير من الأمريكان بهذه الفكرة، وهذا هو سبب ارتفاع نسبة التصويت لترامب بشكل طفيف مقارنة بالفترة السابقة. أي أن هؤلاء هم المدافعون عن إعادة قيام الإمبراطورية الأمريكية، القائمة على رأس المال والعسكرة، ولا ينبغي أن نعتقد أن هذا من إبداعات ترامب. فهذه ثقافة ورؤية قائمة الآن في أمريكا وهي حية ونرى أن لديها العديد من المعجبين. لقد قام ترامب بالعديد من هذه الأشياء خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه. وعلى الأقل، وبقدر ما يتعلق الأمر بنا كإيرانيين، الاتفاقية النووية، حيث شاهدنا انسحاب الولايات المتحدة من هذه الإتفاقية.
وعلى النقيض من الترامبية، يصطف دعاة العولمة، الذين يشار إليهم الآن باسم “المنبوذين”. بماذا يؤمنون؟ ما هي طريقة تفكيرهم؟ كيف يبدون؟
خصاصيات أنصار بايدن والعولمة:
1. انتهى عصر القومية. نحن نعيش في عالم مليء بثقافات السكان الأصليين.
2. أمريكا تفكر في الإنتاج ويفكر الصينيون في البضائع.
3. الأرباح في إنتاج البضائع حيثما توجد الأيدي العاملة الرخيصة.
4. يجب على الشركات إنتاج السلع حيثما توجد عمالة أرخص.
5. يحتاج الأمريكيون الأثرياء إلى دفع المزيد من الضرائب من أجل تأمين ظروف أفضل للعاطلين عن العمل وتحسين الظروف الصحية.
6. في المستقبل ، سيتعين على الولايات المتحدة أن تشرك بعض القوى الأصغر ، بما في ذلك الصين ، في حكم العالم.
7. أمريكا هي القوة العظمى في العالم. لكن هناك قوى أخرى في العالم.
8. انتهت فترة الأصول العرقية. والولايات المتحدة بلد متعدد الثقافات ويجب أن تفتح أبوابها للمهاجرين.
9. يجب عدم التورط في مواجهة مع الصين. ويجب أن نكون أصدقاء لها وندخل من بابها.
10 الولايات المتحدة مسؤولة عن الأمن العالمي، ولكن بالشراكة مع حلفائها.
11. يجب على الولايات المتحدة تكوين صداقات مع القوى الناشئة، وإلى حد ما ، القبول بتدفق الرساميل والإنتاج في تلك المناطق.
12. يجب احترام الثقافات الأخرى.
13. يجب أن تتجنب الولايات المتحدة خوض الحروب الدائمة من أجل الأمن العالمي، وإذا فعلت ذلك، يجب أن تشارك دول أخرى.
14. أوروبا والولايات المتحدة متحدان على نفس الجبهة.
15. العالم يتكون من سلسلة من الإتفاقيات، ويجب احترامها. بما في ذلك، ينبغي تعزيز الاتحاد الأوروبي.
16. يعتقد دعاة العولمة أن الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة في العالم، ولكن يجب أن تمارس قوتها في التجارة العالمية، وليس من جانب واحد، ولكن بشكل متعدد الأطراف.
17. أمريكا ليست صندوق خزائن العالم، ولكنها أيضاً أهم خزينة في العالم.
18. يجب على الولايات المتحدة العودة إلى الإتفاقية النووية مع إيران.
الترامبية هي أمريكا الخفية
أصبح من الواضح الآن ما هو المقصود بمذهب العولمة أو العولمة (التدويل) في الثقافة السياسية لعالم ترامب المولد اليوم. في الحقيقة أن ترامب قد فشل، ولكن الترامبية لم تفشل، لأن ترامب يمثل فكرة قد يشار إليها بفكرة “أمريكا الخفية”. أي أن العالم واحد، والقوة العظمى في العالم واحدة، وهي أمريكا.
ومن ثم ، فإن التوتر الرئيسي لترامب مع العولمة هو رأس المال. يعارض ترمب “الرأسمالية المعولمة”، ويتفق بدلاً من ذلك مع فكرة “الرأسمالية العالمية” في الولايات المتحدة.
تتعارض الرأسمالية العالمية المتمركزة في الولايات المتحدة مع فكرة العولمة. إنهم ينظرون إلى العالم وكأنه مؤلف من عدة قوى كبرى تقف على رأسها الولايات المتحدة. ومن وجهة نظرهم، فإن الولايات المتحدة تحكم العالم بمساعدة القوى الصغيرة.
النقاش يدور حول الشراكة
في الواقع ، فإن اشتراك بعض القوى العظمى العالم هو ليس ما يريده الترامبيون. فقد تجاهل ترامب اتفاقية المناخ العالمية مع دول غربية أخرى أو غادر مؤتمر G، علماً إنها كانت مجموعة غربية وتساير الولايات المتحدة. وبناءاً على ذلك، غادر ترامب قمة G، التي هي في الأساس مجموعة غربية.
الفرق واضح هنا. هناك فرق كبير في إمتلاك السلطة. في إطار الترامبيية ، المالك هو الولايات المتحدة فقط، وفي سياق العولمة، فإن المالك الرئيسي هو الولايات المتحدة ، ولديه عدد من الشركاء الصغار، مثل الصين وأوروبا.
لذا فإن القضية الرئيسية هي إدارة العالم مع أو بدون شريك.
يرى ترامب أن هذه القوة في أيدي الولايات المتحدة وحدها ، جنباً إلى جنب مع رأس المال العالمي المتركز في الولايات المتحدة.
لهذا السبب أعتقد أن الترامبية قد تكون مرة أخرى مشكلة أمام العولمة ، من الآن وحتى في المستقبل.