هل العلمانية هي الحل؟
للذين يطالبون بدولة علمانية، العلمانية وحدها ليست هي الحل، فكم دولة علمانية هي في الواقع دولة قمعية أو عنصرية أو دكتاتورية. المطلوب هو دولة مدنية.
الدولة المدنية ليست هي العلمانية وإن كانت العلمانية شرط من شروطها. العلمانية بأنواعها المختلفة ترتكز بالعموم على فصل المؤسسة الدينية عن الدولة ومؤسساتها، فلا تعني العلمانية، بالخصوص الناعمة منها، فصل الدين عن المجتمع، فالمجتمع حر في تدينه لكن في العلمانية لا دور للمؤسسة الدينية في عمل المؤسسات الرسمية وبهذا لا يمكن للدين بمرجعيته الميتافيزيقية أن يهيمن في نفوذه على مؤسسات الدولة التي تعبر عن إرادة الجماهير والحد الأدنى من التوافق المجتمعي المستند على مرجعية علمية تجريبية، ولا يمكن أيضا ً للنفوذ السياسي أن يستخدم الدين من أجل الوصول إلى السلطة.
أما المدنية فترتكز بإختصار على عدة أسس أولها أن لاحق فوق حق المواطنة، فالمواطنة هي القيمة المقدسة التي لا تعلو عليها التبعية العرقية أو الدينية أو الطائفية أو الطبقية أو الجنس، الجميع متساوون في الحقوق والواجبات في الدولة المدنية إضافة للإعتراف بالهوية الشخصية والاجتماعية مع روح المشاركة السياسية والمجتمعية. ومن ركائز المدنية هي التعددية والإعتراف بالهويات العرقية والثقافية ولكن بشرط أن لايصطدم ذلك مع مبدأ المساواة أمام القانون وحق المواطنة. أما الديمقراطية في كل ذلك فهي آلية للتوافق المجتمعي على طريقة إدارة الدولة أو الممارسة السياسية من الحوار والتواصلفي مجال عام مفتوح بعيداً عن التهميش والاقصاء.
ليس كل دولة علمانية مدنية مئة بالمئة ولكن لابد للدولة المدنية أن تكون علمانية لأن مبدأ نفوذ المؤسسة الدينية سيقوض فكرة المواطنة التي تستند إلى القانون على اعتبار أن الدين له تصنيفاته الخاصة المستمدة من الإرث التاريخي والراسخة في كتب الفقه والعقيدة من أحكام وفتاوى والتي تتنافى مع فكرة المواطنة. فالدين يفصل بين المؤمن والملحد والكافر والمشرك والكتابي وغير ذلك وكل له أحكامه الخاصة فقهيا. ولا بد من الإشارة أن هناك الكثير من الدول العلمانية التي ابعدت الدين عن المؤسسات الرسمية للدولة لكنها ترفض الحقوق المدنية لفئة من مواطنيها كالولايات المتحدة وجنوب أفريقيا في زمن التمييز العنصري ضد السود وترفضان حقوقهم المدنية مع أنهما كانتا دولتين علمانيتين. إذاً المطلوب هو دولة مدنية والتي تكون العلمانية أحد شروطها وليس علمانية وحسب.
عماد رسن