نتائج الأمتحانات العامة للسادس الأعدادي بين ضغوطات كورونا وأزمة التعليم العامة في العراق
د. عامر صالح
أعلنت نتائج الأمتحانات للصفوف السادس الأعدادي في العراق للعام 2019 ـ 2020 وقد أثارت الكثير من الجدل التربوي والعلمي حول مصداقيتها والظروف القسرية التي انتجتها هذا من جهة وكذلك مدى أنسجامها ومطابقتها للمعايير العالمية للحفاظ على جودة الشهادة, ومن جهة أخرى فوزير التربية غير مكترثا بذلك فهو يسعى للأنجاز حتى وأن كان شكليا او محفوفا بالمخاطر على مستقبل العملية التربوية والتعليمية في العراق, فقد بارك الوزير بحسب بيان للوزارة “للطلبة ولذويهم الجهود العالية والواضحة من خلال نسب النجاح التي تحققت في نتائج الطلبة مقارنة بالاعوام السابقة بكافة فروعه، مشيداً وبفخر بطلبتنا الذين قهروا الظروف الاستثنائية من اجل عراقنا الحبيب”. وقالت الوزارة في بينها أن “وزير التربية تقدم في كلمة خاصة بهذه المناسبة، الشكر والعرفان لدولة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على مساندته للعملية الامتحانية منذ انطلاقها إلى انتهائها، وكذلك الوزارات الساندة كلًا من الصحة والتعليم العالي، والداخلية، والدفاع، والأمن الوطني، وهيئة الحشد، والاتصالات، كما تقدم الدليمي بالشكر والعرفان لكافة الملاكات التربوية التي أوصلت الامتحانات إلى مبتغاها المطلوب”.
واكدت الوزارة ان نسب النجاح كانت كالآتي:
الفرع العلمي التطبيقي %81
الفرع العلمي الاحيائي %74
الفرع الادبي %77
ورافق إعلان نتائج امتحانات طلبة السادس الإعدادي، جدلاً واسعاً، بسبب ارتفاع نسبة الطلبة الحاصلين على معدل 90 فأعلى. فقد بلغ عدد الطلبة الذين تراوحت معدلاتهم بين 97 ـ 99 15 ألف و470 طالب وطالبة, وعند مقارنتها بالعام 2018 فقد لبغت النتائج لنفس المعدلات المذكورة 5718 طالبا وطالبة, وفي العام 2019 بلغ العدد 4969 طالبا وطالبة, فما هو السر في تضاعف الأعداد بشكل يثير الشبهات حول طبيعة الأداء الأمتحاني ونزاهته, في ظل التدني المستمر لظروف البلد بصورة عامة وظروف المؤسسات التربوية والعملية التعليمية بشكل خاص.
و هناك شبه اجماع شعبي بعيدا عن حالات الفرح الفردي بالنجاح وشبه اجماع رسمي قد يلخصه الخبير التربوي فالح القريشي أن “وباء كورونا كان له تأثیر كبیر في ارتفاع معدلات النجاح للعام الدراسي الماضي، حيث وبسبب ظروف الجائحة حذفت حوالي 35 %من جمیع المواد المنھجیة”. “كما ان الوزارة امتحنت طلبة السادس الاعدادي وفق أسئلة سھلة ومرنة، الامر الذي ساعد على تحقیق نسب النجاح العالیة وكذلك تحقیق معدلات نھائیة غیر مسبوقة. وأردف “الا ان ھذا الامر لا يعني ان التعلیم في العراق يتعافى، بل على العكس التعلیم في العراق فاشل وبحاجة الى إعادة ھیكلة”، مشیرا الى انه “ومنذ 2003 كلما جاءت سنة دراسیة جديدة ينحدر التعلیم بشكل اقسى مما كان علیه في العام الماضي”. وأكد أن المحاصصة الحزبیة، وعدم اللجوء للكفاءات في إدارة وزارة التربیة، ھو من أدى بالتعلیم الى الوصول نحو ھذا الفشل والانحدار في مستويات الطلبة العلمیة.
وقد أغفل الكثير من المسؤولين والتربويين الأشارة الى ظواهر خطيرة اخرى متفشية في الوسط التربوي العراقي, كبيع وشراء الأسئلة, والدروس الخصوصية المشبوهة التي تفضي الى البوح في الأسئلة الأمتحانية, ودور المليشيات المسلحة في التهديد الخفي للجهات التربوية للحصول على الأسئلة الامتحانية, والرشاوى المختلفة التي تفسد الأجواء التربوية السليمة, وعدم التفتيش عند الدخول الى القاعات الامتحانية وخاصة عندما تجرى الامتحانات في نفس المناطق والمدارس التي تم تدريس الطالب فيها حيث علاقات التواصل والقربى الفاسدة, واستخدام الأجهزة الألكترونية لتسريب الأجابات والتواصل مع خارج القاعة الامتحانية.
الأمر الآخر الذي يثير الأستغراب هو تصريح وزارة التعليم العالي حيث اكد حيدر العبودي المتحدث بأسم وزارة التعليم العالي:
ان “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مستعدة لاستيعاب مخرجات الدراسة الاعدادي ونظام القبول المركزي والتعليم المدمج أيضاً سيضيف لحالة الطاقة الاستيعابية للكليات والاقسام العلمية ونعمل بهذا الاتجاه”. وأضاف العبودي “توقعاتنا بأن الأعداد ومخرجات الدراسة الاعدادية في زيادة واضحة ولكن خطة العام الدراسي المقبل وخطة الجامعات تم تكييفها لتغطية هذه الزيادة” مشيراً الى “استحداث 7 كليات و20 قسما في 15 جامعة عراقية لتغطية هذه الزيادة والاحتياجات”. ونوه العبودي الى ان هذه الخطة وضعت “بغض النظر عن ارتفاع المعدلات وعددها بالنسبة لنتائج السادس الاعدادي” مؤكدا ان التنافس في حجز المقاعد الدراسية يمثل معيارا حاكما فصعود سقوف المعدلات لا يلغي حالة التنافس وحجز المقاعد في مختلف التخصصات”.
هذا التناغم بين وزارتي التربية والتعليم العالي وإن بدى من الناحية الشكلية ضروري للتنسيق واستيعاب الخريجيين إلا أنه يعكس جهلا مفتعل ينمي بل ويعكس حجم الفساد المغطى بالتنسيق المشترك بين الوزارتين, وكلا الطرفين يعلم أن ما يتم استيعابهم من الطلبة في الجامعة هم من حملة المعدلات العالية, وترك البقية الباقية من خريجي الاعدادية تتصارع الجامعات والكليات الأهلية لأبتلاعهم في ظل استغلال واضح وصريح للظروف الأقتصادية والمالية المحدودة للطلبة المتقدمين لها, وبالتالي يتحول الطلبة الى مشاريع ربحية لملاكي الجامعات الأهلية الذين يشكلون جزء من منظومة الفساد المستشري في الدولة والمجتمع.
الجميع يعلم أن تداعيات كورونا كان لها أثر سلبيا كبير على التحصيل الدراسي وتدهوره في العراق في كل مراحله, وخاصة الأعدادي منه, فألى جانب البنية التحتية التقنية والمعلوماتية الضعيفة في العراق والتفاوت المريع لخدمات الأنترنت في العراق والناتج من سوء الخدمة الى جانب التفاوت في دخول الأسرة وقدراتها في الحصول على خدمات النت فأنه لأمر منطق ان يسهم في تدني مستويات التحصيل, ولكن في المقابل لا تتم المعالجة عبر التنازل والأخلال في شروط وجودة الحصول على الشهادة الأعدادية عبر التنازل غير التربوي واعفاء الطلبة من العديد من المواد الدراسية واللجوء الى الأسئلة السهلة, فأن ذلك بالتأكيد سيسهم في ضعف خريجي المرحلة وبالتالي في ضعف قدراتهم في التخصص اللاحق في الجامعات وخاصة ممن حاز على معدلات عالية, فالفشل في الطب والهندسة يعني الفشل في تأمين حياة الناس والعمران. لا توجد أي نقلة ايجابية في قطاع التربية والتعليم ما بعد 2003 لكي تنبؤنا عن نقلة نوعية في النتائج, فالفساد في القطاع وسرقة المال العام فيه والتدهور المستمر للبنية التحتية وعناصر العملية التربوية الأساسية وانتشار الأمية, جميعها ليست مؤشرات لتعافي التعليم من محنته والأرتقاء به الى آداء افضل بما ينعكس على التحصيل في كل المراحل, ومن ضمنها بشكل خاص التعليم الأعدادي, بأعتباره المحطة الأخيرة صوب التعليم العالي.
أما على مستوى كفاءة مؤسسات التعليم العالي بأعتبارها الحاضنة المرتقبة لخريجي الأعداديات في العراق فأنها هي الأخرى مبتلاة بأزمة مركبة ومتشعبة الأبعاد ويطال الشك فيها لأنتاج خريجين ذو كفاءة بمواصفات عالمية, ولعل المؤشر في ذلك هو تذيل الجامعات العراقية سلم الجودة والكفاءة ووقوعها أسيرة الأجتهاد والمحاصصة والفساد, ولعل ابرز مشكلاتها هي:
ـ التدهور الأمني المستمر لمؤسسات التعليم العالي وتدخل رجالات الأحزاب والمليشيات الطائفية في شؤون التعليم العالي مما يضع طرفي العملية التعليمية : الطالب ـ الأستاذ والعملية التعليمية برمتها في دوامة عدم الاستقرار والخوف من المستقبل¸مما يترك أثره الواضح في تسرب الطلاب وهجرهم لمقاعد الدراسة وهجرة الكادر التدريسي.
ـ الإجراءات التعسفية في إقالة أو إحالة الكادر التدريسي الجامعي ومن درجات علمية متقدمة ” أستاذ وأستاذ مساعد ” على التقاعد بذرائع ومبررات واهية, منها كبر السن أو بتهمة عدم الكفاءة, وهي إجراءات تنفذ في الخفاء بواجهات سياسية أو انتماءات طائفية, وتحرم هذه المؤسسات من خيرة كادرها المتمرس في التدريس والبحث العلمي.
ـ تدهور البنية التحتية اللازمة لتطوير التعليم العالي من مكتبات علمية ومختبرات وشبكة انترنيت ومصادر المعلومات المختلفة, وقد تعرض الكثير منها إلى الحرق والإتلاف الكامل والى التخريب والسرقات المقصودة لإفراغ الجامعات من محتواها المتمثل بالمراجع والكتب والأبحاث والمقررات الدراسية بمختلف التخصصات, وغلق أقساما للدراسات العليا بكاملها تحت ذريعة عدم توفر الكادر التدريسي اللازم لها.
ـ تدهور المستوى العلمي والتحصيلي للطلاب جراء تدهور الوضع الأمني والانقطاع عن الدراسة, أو النجاح بأي ثمن تحت وطأة تهديد الأستاذ الجامعي من قبل مليشيات الأحزاب السياسية ـ الطائفية وفرض معايير مشوه للتفوق الدراسي لا تعبر عن إمكانيات الطلاب الفعلية, بل تعبر عن أولويات الانتماء السياسي أو المذهبي أو الطائفي, وهي تذكرنا بممارسات التبعيث لفرض النتائج الدراسية وانتقاء الطلبة على أساس الولاء للحزب الحاكم.
ـ تغييب الكليات الإنسانية والتضييق على دورها المهم في الحياة الثقافية العامة عبر الحد وعرقلة أنشطتها المختلفة التي يفترض لها أن تسهم بإشاعة ونشر قيم التسامح والعدل والحق ومكافحة الإرهاب, وقد شهدت هذه الكليات حرق العديد من مكتباتها بالكامل, وعرقلة إصدار دورياتها الثقافية الشهرية أو الفصلية أو السنوية, وانعدام الأجهزة اللازمة لاستمرار عملها كأجهزة الاستنساخ والطباعة وغيرها, إضافة إلى محاصرة العديد من مبدعي وكتاب هذه الكليات ومنعهم من الظهور العلني للحديث عن نشاطاتهم ونتاجاتهم الثقافية والأدبية المختلفة.
ـ استشراء الفساد بمختلف مظاهرة الإدارية والمالية, من محسوبية ومنسوبيه وسرقة الأموال المخصصة لهذا القطاع وتزوير للشهادات والتلاعب بسجلات الدرجات من خلال ممارسة الضغط والابتزاز على إدارات الأقسام الدراسية و عمادة الكليات لمنح ضعاف التحصيل ما لا يستحقوه أو إضعاف المتفوقين دراسيا والعبث بدرجاتهم بدوافع الانتقام والثأر بواجهات مختلفة, سياسية ومذهبية وطائفية وغيرها.
ـ عدم السماح وعرقلة جهود المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وأجهزتها المعنية بشؤون التعليم العالي على الإشراف والتأكد من ظروف عمل هذه المؤسسات بما يستجيب لشروط الجودة العالمية لهذه المؤسسات وحماية خريجها من عدم الاعتراف بالشهادة, وكذلك عرقلة جهود اللجنة الدولية للتضامن مع أساتذة الجامعات.
ـ في ظروف العراق الحالية والذي توقفت فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة, تضعف فيه كنتيجة منطقية قدرة ودور الجامعات والمؤسسات البحثية في المجتمع وبالتالي تضعف روابط التعليم العالي ودوره الأساسي في التخطيط والاستجابة لظروف التنمية البشرية الشاملة وحاجتها الفعلية لمختلف القيادات والكوادر في مختلف التخصصات العلمية والأدبية والمهنية والتقنية وغيرها.
.
ـ ضعف الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي باعتباره دعامة أساسية لإعادة بناء بنيته التحتية وإقامة المشاريع البحثية والتعليمية المتقدمة, وبالتالي فأن أي نوايا للإصلاح دون توفير الأموال اللازمة هي نوايا باطلة وقد تعكس بنفس الوقت رؤى متخلفة للقيادات التربوية والتي ترى أن ما يصرف على التعليم هو من باب الاستهلاك الغير ضروري وليست الاستثمار طويل الأمد.
ـ ضعف وتدهور البحث العلمي وأصالته ومكانته في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وضعف استقلالية الأستاذ الباحث الذي يتعرض إلى ضغوطات مختلفة لتوجيهه الوجهة التي يرغب فيها هذا الكيان السياسي أو ذاك, وأن اغلب ما يجري من أبحاث يعتمد على نظريات ومفاهيم مهجورة أو أنها تقادمت في ظل عصر تتغير فيه المعلومة يوميا, أو أنها هجنت بطريقة عجيبة نتيجة للقيود والضغوطات الرقابية والحزبية والطائفية.
ـ غياب إستراتيجية واضحة للبحث العلمي في ضوء احتياجات المجتمع المحلي لها, حيث أن المبادرة الفردية للباحث والأستاذ تلعب دورا كبيرا في تقرير ذلك, ومعظمها يجري لأغراض الترقية العلمية أو لأغراض المتعة العقلية الخالصة للبحث, ويجري ذلك في ظل انعدام صناديق متخصصة لدعم وتمويل البحوث, وضعف القاعدة المعلوماتية, وعدم وجود مراكز أو هيئات للتنسيق بين المؤسسات البحثية, وضعف الحرية الأكاديمية كتلك التي يتمتع بها الباحث في بلدان العالم الديمقراطي, وعدم تفهم أو انعدام دور القطاع الخاص ومشاركته في الأنشطة العلمية حيث لا يزال قطاعا متخلفا يركز على الربحية السريعة والسهلة ولا يعي حقيقة وأهمية البحث العلمي في تطويره.
في الختام نقول أن التحصيل الدراسي وجودته مرتبط بعوامل جودة المؤسسات التربوية وكفائتها في الأداء, وكذلك الظروف البيئية المحيطة بعملية التحصيل وبسلامة أفق احتواء خريجي المراحل بما ينسجم مع الحاجة الفعلية للسوق, وبالتالي الى جانب الأجتهاد الفردي من عدمه والظروف المحيطة به, فهناك فهم يجب ان يسود ان الطموحات لا تتحقق إلا على اساس الحاجة الفعلية لها, وبالتالي سنفاجئ في اجيال من العاطلين المتعلمين في ظل عراق كسيح تفسد فيه الطائفية والمحاصصة كيفما تشاء, وبالتالي فأن الحل السياسي هو المدخل لحل كل الأزمات وفي مقدمتها الأزمة التربوية والتعليمية.