اريك فروم كتاب : جوهر الانسان
بقلم بسمة مرواني
الوجع الوجودي القاتل الذي يحسه غالبية ممن اختاروا الأسوَد لونا لحياتهم حسب اريك فروم يعانون الكآبة ، الضجر ، اللاجدوى ، يفرون ويلوذون عزلة في مفهومها الابعد حيث الانزواء مع الذات ، وهي في الحقيقة ثقب الروح الأسود هروبا من ضغوط نفسية او من واقع ديستوبي ليكتشفوا معنى ما مخبوء في ردهات أرواحهم المتعبة لحقيقتهم المختبئة خلف أطنان الأقنعة التي يلبسونها يومياً ، ولا يعرفون أي قيمة جوهرية في الحياة ، هم عبارة عن كائنات ، يرعبهم أن يكشفهم المحيط ، حياتهم تقتات على حب الذات ، أو على المزاجية المتقلبة وغيرها من المسميات السلوكية ،في عمقهم ظلام دامس مؤدي الى نزعة تدميرية والتى حاول إيريك فروم أن يحللها ، ليجعل أحد أعمدتها الحب المرضي للأنا ، الأنانية المتطرفة او ما اطلق عليه في تحليله ضمن فصل كامل النرجسية .
النرجسية
فسرها كسلوك عدواني مرضي سببه فقدان الفرد لقيمته وشعوره بنقص ما ،فان كانت سببا في صقل موهبة صاحبها وزراعة الثقة بالنفس للتميز بالفرادة أو الاستثنناء فهي ايضا تجعل من الشخص غير متماه مع المجتمع رافضا الاختلاط والذوبان فيه كليًّا ، تضخم الانا المفرِط موصل الى الأنانية والغرور صاحبها ذهنه يكون معذبا في نزاع ليس في إمكانه يوماً أن يفهم ماهية الحقيقة؛ بذهن ملتوٍ، ذهنٌ مشوه وان ملك العديد من المهارات الحياتية فان الاعتلالات تظل بائنة وان اغمضنا عنها الجفن.
بين فروم ان المتنرجس شخصٌية يعتقد انه أساسيّ ذو أهمية قصوى ولا يُمكن الاستغناء عنه في حياة من حوله، سواء على مستوى العائلة أو العمل أو المجتمع الذي يعيش فيه. حياته بعلاقات غير مستقرة ، فنجده لا سكينة له ،لا استقرار نفسي، لا سلام جواني بسبب الشك المفرط او عدم الثقة ،مما يسبب له القلق المستمر، هذا انه الرافض لكل رأيٍ مخالف لآرائه وعدم تقبله الانتقادات الموجهة إليه.
و قد تقابل فروم مع سيغموند فرويد في هذه الفكرة تحليلا حيث يقول: إن الشخص النرجسي يتميز بالغيرة من الآخرين، والعجرفة عليهم، وفرط الحساسية تجاه آرائهم، وعدم تقبلها، بالإضافة إلى السخرية منها، فيعتقد الشخص بتميزه وفرادته عن غيره، إذ يمتلك شعورا متضخما بأهميته، ويستحوذ عليه وهم النجاح والتألق والانشغال في المبالغة بإنجازاته بالإضافة إلى ذلك، فإن فروم جعل الشخصية النرجسية يعتقد انه لا يقوى أحد على الاستغناء عنه وان من يعرفهم عليهم ان يكونوا ملبين لاحتياجاته ورغباته وإمدادهم الا بما يرضيه وهو ما يفسر سبب وقوع الكثير من الشخصيات أو الضحايا في شباكه ، كل ليكتشف تلاعبهم بالمشاعر هذا وان خوض العلاقات العاطفية لصاحب الشخصية االنرجسية لا تدوم طويلا ولا يرضيه فردا واحدا .وتمر العلاقة العاطفية مع الشخصية النرجسية بثلاث مراحل، تبدأ بمرحلة المثالية والتقييم الزائد،والمزيد من الاهتمام لجذب انتباه الاخر بالرعاية المفرطة ثم الهبوط المفاجئ والوقوع في مرحلة خفض قيمة وتقليل شأن الطرف الآخر و محاولة فرض ارائه وشروط للعلاقات باملاءات ، ثم الوصول أخيرا إلى المرحلة النهائية: مرحلة التجاهل حينها يصبح الشخص النرجسي أكثر مزاجية، رهيف الاحساس لااتفه الاشياء يستاء ويغلب ، يتعمد التقليل من شأن الطرف الآخر، وإلقاء اللوم عليه، ثم الاختفاء معظم الوقت متعللا بمشاغل وهمية او ما بسُط منها يجعله في حجم جبل وكلها تبريرات واهية منها نفور الطرف المتعامل معه بعد سعي إلى فعل المستحيل وبذل أقصى الجهد للتغيير فيصاب بخيبة الأمل في نهاية المطاف ولاذكر ما ورد على لسان فروم : الشخص النرجسي يستشعر الغرابة وعدم انتمائه لأي مكان أو أي شخص في معظم الوقت، فيسعى عقله باستمرار إلى مطاردة شخص جديد ليستمد منه ثقته بنفسه واحترامه لذاته.
وقد ذهب فروم ابعد من النرجسية الذاتية في كتابه “جوهر الإنسان فالمصاب بها جزء من الكل والجزء من الكل كمال وعوارض النرجسية الفردية تنتقل “عدوى” إلى الجماعة، نزعة الثأر وحب الانتقام او التلذذ بالايذاء هِيَ ذاتها بمظاهرها الفردية أو المجتمعية، فيقول في هذا السياق: “إنّ البُلدان التي تَمَّ تدنس رايتها أو إهانة زعيمها، غالباً ما يجتاحها تَعطُّشٌ شديدٌ للثأر يقود إلى حروبٍ جديدة. لكي يلتئم الجرح الذي أصاب النرجسية، يجب سحق المُعتدي لإلغاء الإذلال الذي تَسَبَّب به. إنّ أعمال الثأر، فدية كانت أم قومية، غالباً ما تنبع من حاجة لتضميد جُرحٍ نرجسيٍّ من خلال إبادة مُسَبِّبه”.
فروم بين التملك والكينونة
ترددت فكرة الثنائية والتقابل عبر تاريخ الفكر واتخذت مظاهر متعددة مع ابن رشد ومع فرويد وعند ماركـس. ووجدت أيضا عند فروم ..تقوم الفكرة على الاقتناء والاسـتحواذ والاكتناز والتملك ` وعـلـى ترسيخ قواعـد النزعة الخيرية l في الوجود وإتاحـة الفرصة للبـشـر لاثبات نوزاعهم الانسانية …
فان كانت كل رابطة فيها تواصل ووصال تتوّج بلذة العذوبة ،بالإفصاح عن الذات وكثير ااهتمام لتخفيف الاحتقان، حيث يشعر المرء بارتياح وسعادة ، عند تجاوب الطرف الآخر بصورة إيجابية وبتناغم في الافكارمن كليهما وباحساس ان الكون مبني على دماء تجري في عروق الكون بكل الحب الذي ترفع الروح وجود صلواتها به عبر الازمان …وتتضمن خبرة الحب وفق أسلوب التـملك الـسيطرة على ما نحب واحتوائه وسجنه. بل يمكن التعامل معه كانه من قطيع الخراف يمكن ان يقاد ويسهل جدا التأثير عليه ليقوم بتنفيذ ما يطلب منه فعله.
إنها اذن هنا عملية تملك، خنق وإهلاك وليست حبا باهتمام ولا عطاء لاجل السعادة في الحياة ..ولاستحضر قولة جيمس كوردوفا، أستاذ علم النفس بجامعة كلارك: الاهتمام الصادق، والتجاوب الرقيق، يثبت جدارة بالثقة التي أودعت فيه.
وفي مرحلة ما لشخص نرجسي تصير الذات الانسانية مغيّبة ، بل مغتال وجودها ..فالانسان في مرحلة ما له يعتبر شيئا ،كجماد لاقيمة له لا يمكن ان يتحدث اليه او أن يكون بذي قيمة ،قطعة مشيأة يمكن الاستغناء عنها كبيعها كجعلها مركونة في ركن قصي ..ويتعامل مع الشخص القريب منه على هذا الاساس فيكون التجاهل واالا مبالاة وهي اكثر الافعال شرّا حتى يفقد صاحب تلك الشخصية لذة التواصل ويدافع عن كينونته عن كرامته وعن انتمائه الانساني الذي يعيش به كشخصية سوية امام شخصية مصابة بنوع من التوتر العاطفي له رغبة تسلطية في فرض أهميتها أمام من حولها.
وان رأى فروم ان إنساننا المعاصر لديه الخوف العميق من حقيقة وجوده الإنساني، من التماس المباشر مع نفسه وأعماقه، عجزه عن التواصل مع مشاعره الحقيقية ومع سعادته وحزنه وخوفه، فانه على تواصل مع قطاع صغير في نفسه التي يغرقها في الروتين او في شيء ما محبب اليه ، فيحجب الجانب الروحي في الإنسان، وشلّه، ثم قتله
هذا وان النرجسية ان اعتُبرت المحرِّك الأساسي للعديد من الحروب عبر الازمان ،بسبب قادة نرجسيُّون اهلكوا والحقوا الويل بالبشريَّة جمعاء، فتظل له نظرة متفائلة حول خاصيات الإنسان الأنطولوجية والنفسية حيث جعل الامل عنصرا يبث في الكائن البشري هذا حيويته، يجعله متصالحا مع ذاته، مع الاخر، محِبا للعطاء له من الوداعة،الطيبة والنزعة السلمية وهذه لا تقام الا على شروط وضعها في كتابه موغلا في تفاصيلها .
وفي الختام وفي الاخير جوهر_ الانسان وقفة استثنائية مع اريك فروم ،ومن يتوغل في مساربه يدرك نوازعنا البعيدة وحقيقة باطننا المغيب سيدرك تيمات اخرى في الكتاب من الرغائب السرية ، لذة الانتهاك ومتعة التحدي هو بمثابة كتاب شمولي لكتبه السابقة تقريبا عن العِلمِ والفَلْسفةِ والدِّينِ والفُنُون، ودِراسةٌ لماضِي الجِنسِ البشري مركزا علىالعديد من الشخصيات : العُظماءِ مِنَ الفنَّانِينَ والعُلَماءِ والمُستكشِفِينَ معه رحلة الادبية ماتعة منها نعي حقيقة جوهر الباطن الثاوي فينا.