((نحن كلنا…كأن أمهاتنا ما ولدتنا إلا لنعيش في البئر)) رص180
((أنا بازوزو ابن حنبو ملك أرواح الرياح الخبيثة، التي تخرج عنيفة من الجبال وتفعل الخراب، هو أنا)).
السلم كما عرفه الناقد الكبير ياسين النصير ((يشكل الوسيط الحيادي عندما تكون الحركة مشتركة بين علو وانخفاض، حيث لا تتبني إلا نفسها… ليس للسلم ظهر مختف فاعل)) ياسين النصير– شعرية الأشياء– دار مكتبة عدنان للطباعة والنشر ص142.
و((السلم طاقة التمرد على الأرضي)) المصدر السابق نفسه ص 144.
سلم بازوزو بالنسبة للعراقيين يمتد لمئات من السلمات، منذ عهد البابليين والآشوريين، وما بعد هذه العهود حيث تعرض العراق ومن سكن العراق للظلم والقهر والتشرد من قبل حكامه قبل محتليه ومستعمريه من الرومان والتتر والفرس والتركمان والانكليز والأمريكان.. ورافق ذلك ظلم وتعسف آشور ونبوخذنصر وأبنائهم وأحفادهم، ومن الأمويين والعباسيين وولاتهم ومن الملك الأول وأولياء عهده وفي عهد الجمهورية الأولى والثانية والثالثة وما بعدها حتى جمهوريتنا ((الديمقراطية)) الحالية المحروسة بظل تمثال الحرية الامريكي وعمامة ولي الفقيه الإيراني.
نريد أن نقول لزميلنا الروائي عامر حميو إن هذا البئر يتجاوز الـ ((34)) سلمة بعشرات لا بل بمئات المرات، إنه موغل في عمق التاريخ لبلاد النهرين، بلد أرضه وتاريخه أسود، لم يشهد تاريخه الممتد لآلاف السنين عاماً أبيضَ ليعيش شعبه عام حرية ورخاء وهناء.. بازوزو اختص بهم لا بغيرهم، عشق دماءهم ودموعهم وجوعهم وتشردهم الدائم، حياته تنتهي حالما يبتسمون، حالما يفرحون حالما يأمنون لذلك، بذل كل طاقاته وقدراته وعون آلهته ليؤبّد بؤسهم وشقاءهم..
فكان الكاتب موفقاً تماماً في اختيار أسطورة بازوزو ليسرد تاريخ وتحولات المجتمع العراقي الاقتصادية والسياسية والثقافية خلال ما يقارب السبعين عاماً وهي حياة جيل بكامله، حيث ترعرع في ظل الجمهوريات المتعاقبة على حكم العراق، واختار الجد ليروي إلى الحفيد، ومن بعده الأب ليروي للابن (برهان العسافي) الولد الوحيد لأب ضرير وأخو البنات ومعاناتهم المريرة من شظف العيش..
(برهان العسافي) كان شاهداً على أساليب السلطة البعثية الإجرامية ضد القوى السياسية كافة التي رفضت الذوبان في حزب البعث أو على الاقل الانضواء تحت خيمته والتسليم بهيمنته وقيادته للبلاد كحزب قائد يجب أن يخضع لسلطانه الجميع ((كل عراقي بعثي وإن لم ينتم))،هذه الهيمنة التي تحولت من هيمنة الحزب الواحد إلى هيمنة الفرد الواحد ((القائد الضرورة)) الذي لا قول إلا قوله ولا فعل إلا فعله ((لا حياة بلا شمس ولا كرامة بلا صدام)) له كل الأسماء الحسنى..
الإنسان بين القوة والضعف:-
يروي لنا الراوي العليم مواقف السجناء السياسيين داخل قصر النهاية، هذا الذي وصفوه ((بدرب الصد مارد))، فمن يدخله لا يخرج منه إلا جثة هامدة مشوهة أو مقطعة الأوصال أو بلا جثة حين يلقى في أحواض التيزاب ليذوب لحمه وعظمه..
في داخل هذا السجن الرهيب يظهر معدن الإنسان ودرجة تضحياته من أجل عقيدته ومبادئه، بين الصمود والانكسار، بين الشموخ والخضوع، بين حفظ الأمانة وخيانة الرفاق، ففي الوقت الذي يقول فيه السجين (طالب باقر عيدان): ((لو قطعوني أثر قطعة.. لن أنطق بحرف واحد)) ص30.
في حين ينهار (قاسم) بعد أول ((صونده)) ويعترف على (23) فرداً ممن يرتبط بهم، في حين يقول المعلم (شاكر): ((إذا استدعيت للتحقيق ثانية فسأعترف على زوجتي)) ص27، وبالفعل ((وفى المعلم شاكر بعد يومين بوعده، معترفاً على زوجته، ثم تناقل الوافدون، الآخرون لاحقاً، إنهما أعدما سوية)) رص28 . أي أن مصير الصامد والمتخاذل واحد هو الموت في كل الأحوال.
ويصف لنا مشهد السجين الذي اتخمه ناظم كزار بشراب البيرة لتنتفخ مثانته ثم يشد قضيبه حد القطع من أجل إجباره على الاعتراف وعلى الرغم من ذلك يأمر الجلادين بإنقاعه ((في الحوض إن اعترف أو لم يعترف)) رص25.
يروي لنا أساليب القمع الوحشي لزمرة البعث بقيادة ناظم كزار الفاشي في قصر النهاية- القصر الذي لا حياة ترجى لمن يدخله- وكيف كان يذيب أجساد المنتمين للأحزاب الأخرى من شيوعيين أو إسلاميين بأحواض التيزاب، وأساليب أخرى مبتكرة بحاجة إلى كتاب كامل لتوصيفها والتعريف بها، من قلع أضفار، والتعليق في المراوح، وإدخال القناني الزجاجية في الشرج، والقطع بالمنشار الكهربائي، والفرم بماكنة الفرم، والاغتصاب وووو.. عند حكمه في 1963 وفي 1968 لغاية 2003.
مشاهد الموت والقتل في جبهات القتال:-
يروي لنا الكاتب على لسان الراوي (برهان العسافي) مشاهد مؤلمة من حروب القائد الضرورة مع إيران آو حرب الخليج، وحالة القمع الدموي لكل من يرفض العسكرة والانخراط في جيشه وجيشه الشعبي، حيث سيكون مصيره الإعدام رمياً بالرصاص أمام انظار الناس كما حدث في معسكر المسيب، وكما حصل عند إعدام (احمد) صديق (برهان العسافي) وعدد آخر من الفارين من خدمة ((العلم)) كما كان يسميها الحكام لاستعباد الانسان العراقي تحت رمزية وقدسية وطنية مزيفة لا تقيم وزناً للإنسان وفكره وكرامته، في حين تطلب منه أن يضحي بحياته للدفاع عن العزة والكرامة التي لا تعني إلا عزة وجبروت الحاكم وحزبه وزبانيته، حيث كان الجندي يعرف نفسه في ذلك الزمان بأنه ((ذلك الإنسان الحقير الذي يقع ما بين البيرية والبسطال ويقسمه النطاق إلى قسمين متساوين))، وكانت تمارس ضده أبشع إشكال الإهانة والإذلال من قبل الانضباط العسكري وفي معسكرات الضبط الإجرامية، ناهيك عن فرق الاعدام في خلفية كل القطعات العسكرية على الجبهات التي تمتلك حق الاعدام الفوري لكل هارب من خنادق الموت وجهنم السواتر القتالية.. فكان الجندي العراقي ينزع كرامته ويرميها جانباً ويصبح ذاتاً ممسوخة لا قيمة لها حالما يرتدي اللباس الخاكي ويتحول إلى رقم ليس أكثر ويترجم توصيف جندي مكلف احتياط ((ج م ح)) بـ ((جحش مربوط حقير)).
يصف لنا الكاتب عبر مشاهدات ومعايشة الراوي (العسافي) حالة الجنود في الساحات وفي القطارات وفي المواضع القتالية التي امتازت بالضجر واحتقار الذات واللامبالاة والحرمان من كل أحلام الشباب في الحب والتمتع بحياة آمنة مستقرة، ويصف لنا بعض المغامرات الغرامية للشاب العسكري المتمرد على أوامر السلطة كما هو احمد الذي تبع وتمتع مع بائعة القيمر الشابة المحرومة من زوجها في جبهات القتال، فارتضت الخيانة والعهر لسد حاجتها الجنسية والمادية عبر ممارسة الجنس مع الجنود الشباب المكبوتين والمحرومين، حتى انتهى به الأمر قتلاً بنيران الرفاق بتهمة الجبن والخيانة والهرب من معركة العزة والكرامة قادسية صدام المجيدة..
كما أن الروائي أراد عبر تنقلات الجندي (برهان) أن يوضح ان اختلاف الرقعة الجغرافية لا تعني اختلاف التعامل والسلوك وأساليب الترهيب للعسكر العراقي، سواء أكان في خنادق الجنوب اللاهب أم على قمة جبل قنديل المتجمد أو في الوسط حيث معسكر المسيب والمحاويل..
فالجندي مغلوب على أمره، المطلوب منه دائماً “نعم سيدي، صار سيدي، تأمر سيدي”، رغم انه غير مقتنع في كل معارك السلطة الحاكمة التي تضطره أحياناً لمواجهة شقيق له يحارب في معسكر المعارضة ضد النظام وهو يتعاطف معه تماماً ومنحازاً لقضيته، كما في مواجهة قوات الأنصار والبشمركه في شمال الوطن مع القطعات العسكرية، ولكنها لغة السلاح فأما قاتل وأما مقتول وليس هناك من خيار وأي خيار صعب يوضع فيه الإنسان وهو مسلوب الإرادة..
قصة حب في زمن الحرب:-
يروي لنا الروائي قصة حب رائعة نقية مشوقة بين (ندى) وهو ترميز للخصب والارتواء والرقة، حيث يقول ياسين النصير في الندى((الندى الأنثى المائية الهادئة الشفافة التي تلقح الضوء والشجر والرؤية)) ياسين النصير- شعرية الأشياء- دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر 1 2018 ص . 153 ابنة مدينة بابل الجميلة الطالبة في معهد الصحة- فرع الصيدلة في البصرة، حيث يتم التعارف بينها وبين الجندي (برهان العسافي) في القطار أثناء السفر من الحلة إلى البصرة، ورغم آلام الحرب وقساوة الحياة والخوف والرعب واصل (برهان العسافي) علاقته بالندى بالجمال بالخصب خلال نزوله إلى البصرة بعدم التعرض عندما كانت وحدته (كتيبة الراجمات) في البصرة، ويستمر التواصل ولكن وحش الإرهاب والرعب والحرب لا يرحم ولا يعرف معنى الحب والرقة والندى فيتمزق جسد ((الندى)) أشلاءً اثر تفجير السيارة التي كانت تقلها في الحلة إلى المستشفى التي يرقد فيها حبيبها (برهان) الذي أصيب بجروح في جبهة القتال، فتموت دون أن تكتحل عيونها برؤية الحبيب..
نعال (أبو تحسين) نعال الشعب يصفع جبهة الديكتاتور وحذاء (منتظر) يصفع علم المحتل:-
تستمر حروب الديكتاتور وتوجه نيرانه الهوجاء هذه المرة صوب الشقيق البلد العربي الكويت، ليواجه أكبر وأعتى قوة وتحالف في العالم بعنجهية وغباء بدوي أحمق وحداء متوحش ((يا حوم اتبع لو جرينه))، متنكبا سلاحه الوهمي ((اللي يهلطهم هلط))، وبقوة ((الويلاد أولاد الجريه))، فيتعرض إلى هزيمة كبرى مفجعة راح ضحيتها آلاف الشباب طمراً في خنادق الصحراء أو حرقاً في باطن الدبابات والعجلات المحروقة، فتكون الانتفاضة الكبرى للشعب الغاضب وهتافه ((لا ولي إلا علي نريد قائد جعفري))، حيث تسفر((الانتفاضة)) عن توجهاتها الطائفية وانحيازها لإيران الإسلامية، مما يثير حفيظة الأمريكان، ويسهل للنظام إمكانية قمع الانتفاضة عبر حرسه الجمهوري وطائراته السمتية وصواريخه أرض- أرض، بعد أن وقع ذليلاً على بياض للأمريكان في خيمة الذل والهوان خيمة (صفوان)…
وقد وضع الشعب العراقي في جهنم الحصار الاقتصادي الاجرامي ليعاني الجوع والمرض والتشرد بدعوى محاصرة ومحاربة النظام الذي استغل هذا الحصار أبشع استغلال لتركيع الشعب العراقي وإذلاله وتطويعه كعقوبة لتمرده وانتفاضته الجبارة ضد نظام حكمه، لقد تخادم الطرفان أمريكا والديكتاتور ونظامه لتهيئة الارضية الاجتماعية والنفسية لاحتلال العراق وإذلال شعبه. وقد خطف المحتل الامريكي خيار الثورة ضد احتلاله من خلال جلبه لمعارضته معه عبر قوى القاعدة والإرهاب الداعشي مدعية الثورة ضد المحتل وضد الطبقة السياسية التي حكمها على رقاب العراقيين.. هذا كلام يطول لا نريد آن نسهب فيه، لكننا نريد القول ان الروائي تابع كل التحولات والأحداث المؤلمة التي تعرض لها الشعب الذي وضع بين سندان الديكتاتورية ومطرقة الاحتلال.
في الوقت الذي يمتلئ جيب المحتل والكويت بالمكاسب واقتطاع الاراضي العراقية وفرض الغرامات المليارية كتعويضات حرب، يملأ الديكتاتور أرض العراق بجثث العراقيين عبر مجازر جماعية للثوار، فيستأسد المهزوم على شعبه ويصفه بالخائن الغادر، ناقلاً توصيفاته وهزيمته وجبنه لينسبها لأبناء شعبه الأحرار الثوار وبالتخادم مع المحتل الذي أسقط تمثاله وجبروته في ساحة الفردوس لتتحول إلى ساحة الذل والهزيمة وليسطر (أبو تحسين) صفعات نعله على جبهته المهانة، ففي الوقت الذي سلم الديكتاتور العراق لأمريكا الاستغلال والاحتلال، تمكن الامريكي من خطف الثورة من أبناء العراق للقضاء على ربيبها الديكتاتور العاصي والمتمرد على أسياده، وقد جاء حذاء (منتظر) ليصفع رمز الاستغلال والاحتلال علم الأمريكان تعبيراً لرفض العراقيين للمحتل وللطبقة السياسية الجبانة التي نصبها على مقاليد العراق. ((راحت فردة حذائه تلتف حول حجمها الصغير في الهواء في بث مباشر عبر القنوات الفضائية العالمية، وربما بينها ذات الكامرة التي صورت قبل خمس سنوات فردة نعال ابي تحسين بضرب الصورة))، ألحقها منتظر بحذائه الثانية مخاطباً بوش ((هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي يا كلب)) رص 162.
عدالة الديكتاتور:-
إن وحشية الديكتاتور كانت شاملة لكل شرائح وفئات المجتمع العراقي وأطيافه وقومياته وأعراقه، وقد كانت شاملة لكل القوى والأحزاب السياسية مهما كانت مسمياتها، فالديكتاتور مهووس بالسلطة ومصاب بفوبيا الخوف من المتآمرين، ولم يثق حتى بأقرب الناس إليه لأنه مارس القتل والخديعة والتآمر على اقرب رفاقه وأقربائه وأهل بيته، فقد قتل الشيوعي والإسلامي والقومي والعربي والكردي والتركماني والمسلم والمسيحي والازيدي والصابئي، وقتل البعثي، فما زالت جريمة قاعة الخلد ومحمـد عايش ورفاقه ماثلة أمام أعين البعثيين قبل غيرهم، ومقتل ناظم كزار وحسين كامل وراجي عباس التكريتي وعبد الخالق السامرائي لا يمكن أن تنسى وتدل دلالة أكيدة على أن الديكتاتور كان يوزع الموت بالتساوي بين كل أفراد الشعب ((يشهد الله كان عادلا في ظلمه)) ص138.
الحواسم وثقافة الفرهود:-
لم تكن ثقافة الفرهود والسلب والنهب طارئة في العراق وعبر تاريخه الطويل الحافل بالقهر واللامساواة واحتكار المال والسلطة بيد أقلية حاكمة وزمرها التابعة، مما جعل الإنسان العادي والمهمش يستغل أية فرصة للانقضاض على السلع والأموال التي تخص الدولة أو الاشخاص بدون تمييز معتبراً إياها حقوقه المغتصبة، يرافق كل ذلك طبيعة النظام الحاكم ودور الاعلام في توجيه وتصنيع السلوك خلال الحدث..
فقد تعرض اليهود المهجرون للسلب والفرهود، وتعرض الإيرانيون للسلب والنهب أثناء التهجير، وتعرضت الكويت المحتلة للنهب والسلب من قبل السلطة الغازية والأفراد، وتعرضت دوائر الدولة أثناء انتفاضة اذار للسلب والنهب والتخريب، وحصل ذات الشيء وبالأيدي نفسها لكل مؤسسات الدولة في العراق وعلى الخصوص في بغداد للسلب والنهب والتخريب وأمام أنظار قوات الاحتلال، مما جعل الشعب العراقي يدفع ثمناً غالياً لتخريب منشآته الزراعية والصناعية والثقافية وتهريب ألاف الأجهزة الهامة والمعدات الكبيرة والسلع والسيارات والآثار والأموال خارج العراق..
يسلط الروائي الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة وآثارها الكارثية على الشعب والوطن.. وقد شاع آنذاك مصطلح ((الحواسم)) الذين أصبحوا فيما بعد من أثرياء ووجهاء البلد وتسنم بعضهم مراكز مهمة في الحكومة العراقية وفي الاقتصاد العراقي الذي أصبح تابعاً بالكامل لقوى خارجية عن طريق سماسرة الداخل من ((الحواسم)) ومن لف لفهم في الداخل والخارج.
وحشية قوى الإرهاب وبسالة المقاومة:-
ربما لم يشهد التاريخ العراقي عبر تاريخه مثل وحشية وطائفية من يدعون انهم مقاومة مسلحة ضد الاحتلال والنظام السياسي القائم، قوى طائفية قذرة مسعورة، تقتل على الهوية، تكبر وتحز الرؤوس دون رحمة، كانت مؤلفة من عتاة البعثيين وعتاة المجرمين من كل أنحاء العالم وكان لدول الجوار وللمخابرات الامريكية ومخابرات دول شقيقة دور كبير في تمهيد الطرق لهم لدخول العراق وتمكينهم من احتلال العديد من المدن العراقية وقد سهل لهم ذلك ضجر الناس من فساد السلطة الحاكمة، وجهل ولا مهنية الكثير من القادة.
فمثلا يحكم على شاب موصلي بقطع الرأس لا لشيء إلا لأنه يدخن السكائر في الأماكن العامة كما يدعون، ناهيك عما قاموا به من سبي النساء من غير المسلمين من مسيحيات وازيديات وقد خص الروائي هذا الفعل بروايته ((بهار))…
لكن الشعب لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الوحش الكاسر فقد كان المقاوم البطل يفجر رؤوس الإرهابيين وسط ساحاتهم، والمواطن البسيط يتعاطف بشكل كبير حد التضحية لمساعدة أفراد الجيش والقوات الأمنية وخلاصهم من يد الموت الارهابي الأسود.
اهتم الروائي كثيرا بتأثيت وتوصيف وتعريف شخصياته الروائية بحيث ستظل مواصفاتها عالقة في مخيلة القارئ، ولا ننسى هنا اهتمام الروائي بتوصيف وتعريف المكان سواء في المدينة أو في القطار أو في جبهات القتال أو على قمم الجبال، مما يضفي على الرواية المزيد من الواقعية، واقعية الخيال القصصي المعبر عن سعة اطلاع الروائي ومعرفته بمكان الحدث وتحولاته عبر الزمان.
لقد تمكن الروائي وبمهارة أن يرتقي سلمه نزولا لتوصيل رسالته، ولسرد أحداث ستظل مادة ومنجماً لا ينضب للادباء العراقيين وخصوصاً الروائيين للكتابة عنها لسنوات طويلة.
كان الروائي حاذقاً في نسج حبكته الروائية من دون أن تفلت منه خيوطها الملونة والمتشابكة فأخرج نسيجاً متجانساً منسجماً يشي بالجمال والحرفية الروائية.
هذا هو ديدن الروائي (عامر حميو) مهموم بآلام شعبه ومعاناته ضمن رواياته الثلاث ((بهار))، و((رمال حارة جدا)) ورائعته موضع الحديث ((سلم بازوزو)).
ثورة شباب أكتوبر هي الأمل:-
في السلمة رقم ((1)) يعيش (برهان العسافي) حلم الشباب بعد الهرم والعوق الذي أصابه، يسرح خياله كأنه وسط تظاهرات الشباب الثائر في ساحة التحرير ولقائه بحبيبته الـ ((ندى)) والمشاركة في التظاهرات الشبابية العارمة التي ستكنس كل قاذورات الديكتاتورية والاحتلال وقوى الفساد والإفساد وهم يهتفون بشعار ((خبز.. حرية.. دولة مدنية))، هذا الحلم الكبير الذي ظل الشعب العراقي يحلم به طوال تاريخه ويدفع من أجله الدماء الغزيرة، لكنه لم يدركه بعد ولكن الامل بالنصر والحرية والسلام ما زال باقياً رغم كل الخراب ((ووسط ذاك الخراب رأى برهان العسافي وندى ثمة عجوز تجلس تحت ظل شجرة وارفة الظلال، وحولها يلتف جمع من الأطفال، ملامحهم خالية من أي تعبير ينصتون لها بلهفة مبهورين، وعيونهم ترنو لسبابة يدها التي تشير بها نحو السماء)) رص199 ، نعم أن ضاعت بكم السبل وافتقدتم الطريق فاتبعوا درب التبانة يصلكم إلى بر الأمان هذا ما نصحته به جدته.