الدكتور زاحم محمد الشهيلي
اثبتت الدراسات الاقتصادية والاجتماعية ان دخول اي بلد في حرب تقليدية لمدة سنتين، تبقى اثارها السلبية وإرهاصاتها في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية لمدة أربعين عاما، حتى لو كانت كفة الحرب تميل لاحد أطراف النزاع، شريطة ان يستمر النظام السياسي بعد انتهاء الحرب باستحداث برامج للاصلاح لاعادة بناء ما دمرته الحرب في الهيكلية الاقتصادية والمنظومة الاجتماعية للدولة، حيث يكون الفرد اول ضحاياها من الناحية “النفسية” وارتفاع نسبة الفقر وهبوط المستوى الثقافي والعلمي والفكري، الامر الذي يجعله مستهلكا لكل ما هو سيء في الحيز الاجتماعي الذي يعيش فيه حين تنعدم لديه الرؤية في التفكير والبيئة الصحية للعيش الرغيد.
وهنا، من الممكن اصلاح النظام الاقتصادي باتخاذ عدة اجراءات عاجلة منها اعلان حالة التقشف، ورفع رسوم الضرائب والجمارك والمحروقات لغرض تعظيم موارد ميزانية الدولة، بالاضافة الى الاقتراض من البنك الدولي بموجب شروط معينة بالنسبة للدولة التي تشح فيها الموارد الاقتصادية، بحيث يستند ذلك الى التخطيط والمثابرة في تنفيذ البرنامج الحكومي التنموي المعد لهذا الغرض وضمن فترة زمنية معينة تحددها لجنة مختصة بشؤون الاقتصاد حسب معطيات الناتج القومي ونسبة الانفاق والاستثمار المبينة في ميزانية الدولة التشغيلية والاستثمارية التي يتطلب تنفيذها رقابة دقيقة في متابعة حركة راس المال في تنفيذ المشاريع ونسب انجازها للحد قدر الامكان من نسبة الفساد التي من الممكن ان تؤثر سلبا على المسيرة التنموية في البلاد.
لكنه، من غير الممكن او الصعب جدا ان تعيد بناء الانسان في ليلة وضحاها – بعد ان تردت حالته الاجتماعية والصحية نتيجة لتراجع مستوى الخدمات في مؤسسات الدولة الاقتصادية والصحية والتعليمية والقضائية، وتفشي الجريمة والفساد والمحسوبية والمنسوبية وانعدام الامن – ليكون انسانا منتجا ثقافيا وعلميا وسياسيا واقتصاديا وفكريا، كما كان في السابق، وقبل تعرضه لقساوة الازمة وظروف الحرب، ولربما للتشريد والمتابعة والتهجير والغربة التي زرعت في ذاته فوبيا الخوف من الآخر دون مبرر، ونمّت لديه نزعت الانتقام، ورغبة التعويض لما فاته بحق او بغيره حين تتوفر له الفرصة لذلك. وهذا ما يجري الان في اغلب دول الشرق الأوسط التي زارها ربيع التغيير، حيث يتوالى الفشل ويتباين بمأساته بين هذه الدولة وتلك بعد ان تشابكت الأمور وتداخلت بين الاصلاح وتحقيق المصالح الخاصة وديمومة العبث بهدف الاستحواذ على مقدرات الدولة ومصادرة حقوق الشعب.
يعزو الباحثون سبب الفشل في ادارة الأزمة بشكلها الصحيح والناجح إلى “الأمراض النفسية” التي خلفتها الحروب والازمات في عقول الذين تصدوا لعملية التغيير وإدارة الدولة حسب أهواءهم التي لا تتلائم والفهم الصائب للقيادة الناجحة بموجب القوانين النافذة، بحيث انجب هؤلاء على مر الزمن جيلا مصابا بنفس العاهات التي يعاني منها رؤساءهم الذين غلبوا المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن والشعب، الامر الذي ادى الى غياب الشفافية وجعل رجال الدولة يتخذون من اللصوصية المفضوحة في ادارة المؤسسات منهجا لهم، ويطالبون في ذات الوقت الرعية كذبا بالنزاهة والولاء الوطني المزيف، وأضحى هذا السلوك مصدرا لتهديد منظومة الدولة بالفشل والخراب التي اضحى المواطن المتضرر الأول فيها، والذي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في الاختيار غير الصائب لممثليه في ادارة الدولة، حيث يعزو الباحثون ايضا عملية فشل المواطن إلى مخلفات وترسبات الحروب والأزمات في عقله وذاته التي جعلته لا يبصر الحقائق، وبهذه الطريقة يتم تدوير الفشل في ادارة اغلب الدول في الشرق الأوسط على مر السنين، والذي يؤدي بالنتيجة إلى انتاج حروب داخلية وازمات جديدة يتحمل وزرها الأجيال المتعاقبة حيث أضحت العواصم العربية العريقة مرتعا للفساد وعنوانا للفشل والفوضى السياسية والاجتماعية.