الدكتور زاحم محمد الشهيلي
حاول الانسان منذ بدء الخليقة ان يكون شيئا فاعلا في الحياة وعنصرا مميزا في ديمومتها ورقيها من خلال مقاومته للظروف الطبيعية المعقدة ليصنع الحياة بساعديه، ومنها بدات تنشأ التكوينات الاجتماعية استجابة لارادة الانسان الممتلئة بالطموح والتفائل والحيوية ليكون عاملا مؤثرا في الطبيعة وصانعا لنشاطاتها الحياتية لكي تستمر حياته وتتطور نحو الافضل، وهكذا استطاع الانسان ان يصنع الحضارة والمدنية مؤثرا ومتاثرا بالطبيعة لتصبح الكرة الارضية بالشكل الذي هي عليه الان.
ومع تطور الزمن وتعاقب الاجيال بدأ هذا الطموح الانساني يزداد لدى البعض ويتراجع لدى الكثيرين من ابناء الكوكب الاخضر بحيث انفردت مجموعة معينة من البشر في قيادة التطور والحداثة والمدنية، وضلت تجمعات كثيرة مقلدة لما تنتجه الطبقة الفاعلة علميا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا. وهنا بدات عملية انسلاخ الانسان عن ذاته الحية ذات الطموح واصبح يعيش من اجل تحقيق رغبات الاخرين في التصرف والعمل والماكل والمشرب والملبس بحيث تم تعطيل منتوجه الفكري والاجتماعي والحضاري واخذ الاخرون يملون عليه ما يريدون لكي يعمل دائما لارضائهم في مجالات متعددة منها سياسية ومنها اقتصادية وثقافية واجتماعية وحتى على مستوى العلاقات الانسانية.
لذلك نرى، على سبيل المثال، ان الكثيرين يقلدون موضة الملابس رغم انهم لا يحبونها حتى لا يقال لاحدهم انك لا تواكب التطور والحداثة وانك انسان متخلف، كذلك اصبح الانسان يقلد ما يفعله الاخرون ليس لارضاء نفسه ولكن حتى يرضى عليه الاخر، وفي هذه الحالة اصبح الانسان لا يعيش من اجل نفسه وانما يعيش ويتصرف من اجل رضى الاخرين، وبهذه الطريقة صادر الانسان ارادته الذاتية ورغبته في اختيار طريقة التفكير والعيش والملبس وشريك الحياة احيانا الذي يناسبه واصبح مسلوب الارادة من قبل الاخر.
ان الانسان الذي يعيش او يتصرف من اجل ان يقول عليه الاخر ان فلانا ( كذا وكيت ) سواء في السلب او الايجاب سيبقى منقادا لرغبات الاخرين ويبني تصرفاته ويكون علاقاته على اساس هذا الوهم والفهم الخاطيء، وبذلك يكون انسانا فاقدا للارادة متوجسا ومترددا وخائفا ألا يرضى عليه الاخر سواء كان صديقا او حبيبا او زميل عمل.
المشورة والاستئناس باراء الاخرين ومساعدتهم مطلوبة لكي تكتمل الفكرة وينضج المشروع، وتزداد الثقة بالنفس تصاعديا حتى ترتقي الى الابداع والانتاج الذاتي، اما التقوقع مع الذات والانعزال نتيجة الخوف من الاندماج مع الاخر سيكون له مردودا سلبيا من الناحية النفسية والفكرية والابداع والاندماج الاجتماعي بحيث يكون الانسان منزويا مع نفسه بمنعزل عن الاخرين لانه يتصور واهما بان الانعزالية ستجنبه الكثير من المشاكل والامور التي هو في غنى عنها، وهذا الامر يعتمد في طبيعة الحال على مدى ثقة الانسان بذاته وكيفية توضيفها الى ما هو افضل في المحيط الاجتماعي.
وتبقى قناعة الانسان بذاته القاسم المشترك في العلاقات الانسانية التي تتاثر وتؤثر سلبا او ايجابا في المحيط الاجتماعي بدافع الغيرة من الاخر هذا من ناحية، ونزعة المودة للاخر من ناحية اخرى، وبذلك ينشأ توجهان في العلاقات الانسانية: اما اندماج وتراحم وتلاقح للافكار بشكل ايجابي، او نفور وجفوة ناجمة عن عدم الانسجام بدافع الحسد والغيرة احيانا او بدافع عدم الانسجام بالافكار والتصرفات غير اللائقة احيانا اخرى.
ان عمل الانسان من اجل ارضاء الاخر كي لا ينتقده على فعل معين نابع في احيان كثيرة من عدم الثقة بالنفس وضعف الارادة التي تجعله يشعر دائما بحاجته للاخر في امور توجيهية كثيرة تخص حياته العلمية والعملية واختيار طريقة التفكير والعيش والزواج وتكوين الاسرة وبناء المستقبل. اما اذا كان الانسان يعمل من اجل نفسه دون الانقياد الاعمى من قبل الاخر فانه بالتاكيد سيستفاد من الاخرين في تقويم افكاره ويكون حاسما في اتخاذ القرارات المناسبة والصحيحة التي تحدد مستقبله وعلاقاته الانسانية بمنعزل عما يفعله الاخرون ومن منطلق القوة وليس الضعف في تحقيق ارادته وذاته، وبذلك يكون واثق الخطوة ويمشي ملكا.
ورغم ان القناعة لدى الانسان يجب ان تكون كنز لا يفنى، فان القناعة المتاثرة بالاخر لغرض ارضاءه من منطلق تجنب الانتقاد والحصول على الرضا او المديح المزيف ترتبط ارتباطا مفصليا بمستوى الوعي ومستوى الادراك والفهم الحسي لكثير من امور الحياة المتشابكة احيانا كثيرة لدى الكثير من الاشخاص، ولكن يبقى في المحصلة النهائية ارضاء النفس غاية ربما تدرك، ولكن تبقى مسالة ارضاء الناس غاية لا تدرك دائما.